رئيس مصر القادم والـمصير المجهول
حالة من الغموض والترقب تخيم على الشارع المصري بعد نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، فمع إعلان حزب الحرية والعدالة عن فوز مرشحه الدكتور محمد مرسي استنادًا إلى المحاضر الرسمية لفرز اللجان المعتمدة من قبل القضاة، ما زالت اللجنة العليا للانتخابات تماطل في إعلان النتيجة بحجة النظر في الطعون، وأرجع محللون هذا التأخر إلى محاولات المجلس العسكري للضغط على حزب الحرية والعدالة للقبول بالإعلان الدستوري المكمل، والوصول إلى أكبر قدر من المكاسب السياسية بعد إحساسه بخسارة الورقة الأخيرة التي كان يراهن عليها في تلك الانتخابات وهي نجاح الفريق أحمد شفيق.
احتمالات ثلاثة
يشير الكاتب الصحفي جمال سلطان إلى ذلك فيقول: مَدّ أجل الإعلان عن نتائج الانتخابات لثلاثة أيام يعني أنه قرار سياسي، وليس قضائيًّا، وأنه ربما يهدف إلى مفاوضات لا أحد يعرف فحواها على وجه الدقة، والحقيقة أنه رغم الغموض الذي تحيط به اللجنة العليا للانتخابات عملها، إلا أن الاحتمالات كلها محدودة ومحصورة في ثلاثة أمور هي:
- الأول وهو أقصر الطرق لمَن أراد حماية الوطن واحترام إرادة الشعب: أن تعترف اللجنة بأن مرسي فاز برئاسة الجمهورية.
- والاحتمال الثاني: أن تعمل اللجنة على استبعاد آلاف الصناديق أو مئات اللجان بحجة أي طعون ولو شكلية أو وهمية من أجل الوصول إلى نسبة زيادة لشفيق في المحصلة النهائية، وهو احتمال لو حدث فسيكون “فضائحيًّا”، ولن يوجد أحد في مصر أو في العالم سيفهمه سِوى على أنه “تفصيل” شيطاني.
- والاحتمال الثالث: أن تُلغَى الانتخابات بدعوى ما شابها من اضطراب وتزوير، والدعوة لإعادتها حسب ما طالَبَ به أحمد شفيق، وهو احتمال لن يقل «فضائحية» عما سبقه، وفي كلتا الحالتين الثانية والثالثة فتكون اللجنة، ومَن وجَّهها، قد أدخلت البلاد في نفق مظلم يمتد سنوات ينهار فيه ما تبقَّى لمصر من مؤسسات اقتصادية أو سياسية أو قانونية، ولن يبقى فيها سوى : سلاح العسكر وميادين الثورة.
شفيق مشروع حرب أهلية
وفي تعقيبها على مجريات الأحداث في مصر حذرت جريدة (نيويورك تايمز) من إعلان شفيق رئيسًا لمصر، وقالت: إن ذلك يعد بمثابة «مشروع حرب أهلية»؛ لأن فوزه لن يكون إلا باحتقار إرادة الشعب، وتزويرها وبالتلاعب بها، وفي بيئة سياسية ثورية، لن تقبل بـ(رئيس دوللي) مستنسَخ من مبارك الذى طرده المصريون من قصور الرئاسة؛ لأن فرْض شفيق بـ«السلاح الميري»، وتحت مظلة «تأمين قضائية»، لن يواجَه بـ«كظم الغيظ» أو بـ«السمع والطاعة» لإعلام الفلول، الذى يطالب بالقبول بما وصفه «نتيجة الصندوق»، أيًّا كان اسم المرشح الفائز، وإنما سيواجَه بالميادين وبثورة ثانية حقيقية، لن يفتر حماسها ولن يخفت وهجها، إلا بعد «تطهير» كل المؤسسات التى شاركت فى استنساخ «دوللى مبارك»، ومحاولة فرْضه على الشعب، و(بيادات العسكري) فوق رقبته.
موقف العسكري وحَّد القوى الثورية
دعت كافة القوى الوطنية والثورية إلى ضرورة فتح صفحة جديدة والوقوف يدًا واحدة ضد توجهات العسكر لتقويض أهداف الثورة، وأن يتسامحوا فيما مضى من أخطاء وأن يمدوا أيديهم للدكتور محمد مرسي المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية، لتحقيق آمال الشعب المصري التي خرج من أجلها في ثورة 25 يناير.
جاء ذلك في بيان للقوى التي شاركت دكتور محمد مرسي في اللقاء الذي دعا إليه، وقد أعلنت تلك القوى رفضها لتزوير إرادة الشعب في الانتخابات الرئاسية، وكذلك رفضها لقرارات المجلس العسكري الأخيرة.
كما أشار البيان إلى اتفاق الجميع بما فيهم حزب الحرية والعدالة على ضرورة التأكيد على الشراكة الوطنية والمشروع الوطني الجامع الذي يعبر عن كافة أطياف المجتمع المصري، وأن يضم الفريق الرئاسي وحكومة الإنقاذ الوطني كافة التيارات على أن يكون رئيس هذه الحكومة شخصية وطنية مستقلة.
كما اتفقوا على تشكيل فريق إدارة أزمة للتعامل مع الوضع الحالي، ورفض الإعلان الدستوري المكمل الذي يؤسس لدولة عسكرية ويسلب الرئيس صلاحياته، ويستحوذ على السلطة التشريعية، وكذلك رفض قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطني.
كما اتفقوا على أن تكون الشفافية والوضوح مع الشعب هي السمة في كل ما يتعلق بالشعب المصري، مع استمرار الضغط الشعبي حتى تحقيق مطالب الثورة والمصريين.
حزب النور يشيد بجهود مرسي
أشاد الدكتور يسري حماد المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي بالجهود في المؤتمر الذي دعا إليه الدكتور محمد مرسي، وذكر أنه لا بد من اتفاق القوى السياسية جميعًا على كيفية إدارة المرحلة الراهنة؛ حيث إن اختلاف القوى السياسية هو الأمر الذي مهد لتدخل «العسكري» في الحياة السياسية بقوة، وظهور أحزاب المصالح، وأكد حماد أنه لا بد من رفض تدخل المجلس العسكري في شؤون القضاء أو تدخله في شؤون الدولة الداخلية، مشيرًا إلى أن الشعب المصري عرف رئيسه من البداية؛ ولذلك لا بد من رفض أي تدخل في إرادة الشعب، ويجب أن تكون نتيجة الانتخابات معبرة عن الشعب، وخارج إرادة المجلس العسكري.
وأكد حماد أن مؤتمر الدكتور محمد مرسي مع القوى السياسية، يعبر عن ضرورة توحُّد القوى السياسية والثورية، وأن إدارة الأزمة لن تكون عن طريق فصيل واحد من الشعب أو القوى السياسية، أو حتى عن طريق قرارات صادرة من المجلس العسكري، ولكن عن طريق توحد الجميع على أهداف ومطالب محددة ومعبرة عن الشعب.
الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تحذر من التلاعب
وفي السياق ذاته حذرت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في بيان لها من التلاعب بإرادة الناخب المصري التي عبر عنها في صناديق الاقتراع، كما استنكرت الهيئة قرار حل مجلس الشعب الذي اعتبرته تسييسًا لأحكام القضاء، وأكد بيان الهيئة على رفضها للإعلان الدستوري المكمل الذي صدر عن المجلس العسكري بشكل منفرد.
كما دعا البيان جماهير المصريين للنزول والمشاركة في الفعاليات السلمية بميدان التحرير وسائر الميادين في مختلف المحافظات؛ حماية لمكتسبات الثورة و دعماً لمسيرتها.
كما دعت الهيئة أيضًا جميع القوى الوطنية والثورية للاصطفاف معا للحيلولة دون إعادة إنتاج النظام البائد مرة أخرى، وتغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الجزئية و الحزبية.
وختمت الهيئة بيانها بحث الجماهير على ضرورة اللجوء إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، والتسلح بالدعاء والأذكار، والتضرع إلى الله سبحانه بأن ينزل السكينة والرحمة على بلادنا وسائر بلاد المسلمين.
المصير المجهول
وأخيرًا فلا شك أن الجميع يحبس أنفاسه في انتظار قرار اللجنة العليا للانتخابات الذي سينبني عليه مستقبل مصر، بل مستقبل المنطقة بالكامل؛ لأنه يمثل مرحلة فارقة بين حقبة مليئة بالظلم والفساد والطغيان، وحقبة يؤمل الجميع أن تكون مليئة بالعدل والقسط والرخاء، فإما أن تنطلق مصر لبناء مشروع نهضة شامل يشترك في تحقيقه جميع القوى الوطنية والثورية، وإما أن تدخل مصر في نفق مظلم وحرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله، وقى الله مصر شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.
لاتوجد تعليقات