رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 28 ديسمبر، 2020 0 تعليق

رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان: الجهل يقود إلى التطرف الفكري والغلو في الدين


عقد قبل فترة في مكة المكرمة المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية (مخاطر التصنيف والإقصاء)، وقدمت فيه العديد من الأبحاث المميزة، وكان ضمن هذه الأبحاث بحث قدمه الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان د. إسماعيل عثمان محمد الماحي، وكان بعنوان: (التكفير والتطرف)، ونظرًا لأهمية هذا البحث، نستعرض أهم ما جاء فيه.

الأسباب المؤدية للتطرف

استعرض د. الماحي عددًا من الأسباب التي تؤدي بالشباب للتطرف الفكري والغلو في الدين وذكر منها ما يلي:

أولا: الجهل

     وفي هذه النقطة بين د. الماحي أن الجهل هو أساس كل بلية، فإن عدم العلم الشرعي يقود الإنسان للنظر برأيه المجرد والاستبداد به، ويقود لاتباع الهوى، وإن كان يحفظ النصوص، إلا أنه لا يفقهها، فالجاهل عنده نوع من الكبر يمنعه من قبول الحق من غيره، ويستعلي بما يظنه الصواب، فتأتي تصرفاته قوية عنيفة ومتطرفة.

نماذج من المتطرفين الأوائل

     ثم ذكر أمثلة من نماذج المتطرفين الأول، ومنهم ذو الخويصرة التميمي، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وهو رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ اعْدِلْ! فَقالَ: ويْلَكَ! ومَن يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قدْ خِبْتَ وخَسِرْتَ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ. فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي فيه فأضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقالَ: دَعْهُ، فإنَّ له أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فَما يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ، (وهو قِدْحُهُ)، فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، قدْ سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، ويَخْرُجُونَ علَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ قالَ أَبُو سَعِيدٍ: فأشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذا الحَدِيثَ مِن رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَشْهَدُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وأَنَا معهُ، فأمَرَ بذلكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ به، حتَّى نَظَرْتُ إلَيْهِ علَى نَعْتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي نَعَتَهُ». (صحيح البخاري).

ثانيا: الخلل في فقه الموازنات الدينية

وجعل د. الماحي الخلل في فقه الموازنات الدينية هو السبب الثاني من أسباب التطرف الفكري، وقسمه إلى نقاط:

(1) أسباب الخلل في فقه الموازنات

      سببه عدم فقه الدين ومعرفة مقاصده، وما جاءت من أجله الشريعة؛ فإنها جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وقامت أحكامها على الموازنة بين الخير والشر، وتقديم الأعلى من المصالح، واحتمال الأدنى من المفاسد عند اجتماعها تزاحما أو تعارضا.

      ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه تكثر الحاجة للموازنات الدينية في عهود البعد عن عصر النبوة؛ حيث كثر اختلاط الحسنات بالسيئات، وأن هذا يكون سببا للفتنة بين الناس، فقوم يرون الحسنات ولا يرون السيئات، وقوم يرون السيئات ولا يرون الحسنات، فكل يرجح ما يراه، وسبب الفتنة أن الأهواء تقارن الآراء، فلا يخرج الرأي مجردا، ولكن تقوده الأهواء، والموفق من يرى كلا المرين فيرجح هذا تارة وهذا تارة، وأهمية الموازنات تكمن في أن علة التطرف غلوا أو جفاء، بسبب الجهل والخطأ فيها.

(2) الموازنات الفاسدة

     فالخوارج والمعتزلة يعظمون السيئات، ويقدمونها علی الحسنات، وهذا ما قادهم لهجر من وقعت منه مجرد المعصية، وتكفير من وقعت منه الكبيرة، وقتل من كفروه! وهذا ما قاموا به مع الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه-، فقد أنكروا عليه فقها لم يألفوه، ثم اعتزلوه في حروراء، ثم كفروه، ثم قاتلوه، ثم قتلوه - رضي الله عنه !

(3) اجتماع الطاعات والمعاصي في الشخص الواحد

     فقد يجتمع في الشخص الواحد طاعات ومعاص، والطاعات توجب الحب والولاء، والمعاصي توجب البغض والزجر والترك، فيحب المرء من وجه، ويبغض من وجه، كما عاقب النبي - صلى الله عليه وسلم- الصحابي لشربه للخمر وجلده الحد مرارا، ولكنه كان يضحك لمزاحه، وينهى عن لعنه؛ لأنه يحب الله ورسوله، يقول ابن تيمية –رحمه الله-: «وأهل السنة والجماعة يقولون: ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع: وهو أن المؤمن يستحق وعد الله وفضله: الثواب على حسناته، وأن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه وما يعاقب عليه، وما يحمد عليه وما يذم عليه، وما يحب منه وما يبغض منه.. ومن سلك طريق الاعتدال، عظم من يستحق وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم».

(4) أمور لا تنافي الولاء

كما ثبت للمسلم حق الولاء والحب والنصرة والتأييد، إلا أن هناك معاملات تجاهه لا تنافي الولاء، ومن الأمثلة على ذلك:

أ- النصيحة: فعن تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

ب - إقامة الحدود: فهي حق الله -تعالى-، ولا تدل على بغض المحدود، فيعاقب على ما اقترف من معصية، ويبقى حقه في الولاء والحب، كما في قصة الصحابي الذي كان يشرب الخمر: فقد أخرج البخاري في باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأتي به يوما أمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلعنوه و الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله».

ج - الهجر للعلاج والتقويم: كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، فمع هجرهم والمنع من الكلام معهم، إلا أن ذلك لم يكن بغضا، وإنما علاجا ودواء، يدل على ذلك: حرص إخوانهم على تبشیرهم بعد توبة الله عليهم.

(5) أمور لا تنافي البراء

     ثبت البراء في حق غير المسلمين، لقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة:1).

قال السعدي -رحمه الله- بعدما ذكر سبب نزولها وهو قصة حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -: «وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم، وإلقاء المودة إليهم، وأن ذلك مناف للإيمان، ومخالف لملة إبراهيم الخليل - عليه السلام -، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو الذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيئا، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه.

والبراء من غير المسلم لا ينافي الأمور الآتية

(أ): المعاملة الحسنة والبر في أمور الدنيا وعامة الإحسان: لقوله -تعالى-: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة:8-9)، قال السعدي: «ولما نزلت هذه الآيات الكريمات المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم، فقال: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المقسطين:8)، أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم؛ حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دیاركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها ولا مفسدة، كما قال -تعالى- عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان:15).

     وقوله -تعالى-: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، أي: لأجل دینكم، عداوة لدين الله ولمن قام به، {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا}، أي: عاونوا غيرهم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} نهاكم الله {أَن تَوَلَّوْهُمْ} بالمودة والنصرة، بالقول والفعل، وأما بركم وإحسانكم الذي ليس بتولٍّ للمشركين، فلم ينهكم الله عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين وغيرهم».

(ب): الهدية لغير المسلم وقبول هديته: ومن الأمثلة على ذلك:

١- هدية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثوبا لأخ له يومئذ مشرك بعلم وتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم .

2- دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهله ونحره لهم جزورا ليحدثهم عن الإسلام أكثر من مرة.

3- قبوله هدية المقوقس عظيم القبط له (وهي مارية القبطية، والحمار عفير، والثياب القبطية).

4 - طعام أهل الكتاب: قال -تعالى-: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} (المائدة:5).

5- قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية اليهودية في خيبر وأكله من شاتها المسمومة.

6 - قبول حماية غير المسلم للمسلم، كما في هجرة المسلمين إلى الحبشة.

ثالثا: الطبائع والسمات الشخصية

     تكون الطبائع الجافية والقاسية أحيانا سببا في تبني الإنسان لبعض الآراء، وسلوك بعض المذاهب، لكونها وافقت هوى في نفسه وتوافقت مع طبعه، مع أن الواجب أن يطوع الإنسان نفسه ويحملها على موافقة الشرع، ويعدل سلوكه وطبائعه، ويجعل هواه تبعا لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم .

رابعا: التنشئة والبيئة

     فلهما أثر في سلوك الإنسان وميوله، فالمربي يصبغ من يربيه بصفات وسمات تؤثر على اختياراته الفقهية، كأن يكون المجتمع والبيئة فيه الجفاء والغلظة والخشونة، فيظن أنه لا بد من الغلظة في الدين، أو أن تكون فيه ميوعة وتساهل، ولما قبَّل النبي بعض أبنائه وعنده الأقرع بن حابس فقال: تقبلون أبناءكم ؟ والله لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم!

خامسا: انتشار التطرف اللاديني

     من أسباب التطرف الديني: انتشار التطرف اللاديني وانتشار المنكرات، يُظهر التيارات التي تريد الإصلاح -بزعمها ونظرها القاصر- فتعالج الخطأ بأكبر منه، ويتولد من الشرور بسبب ذلك ما الله به عليم، فكلا التيارين يغذي أحدهما الآخر، وإنما العلاج فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك