رؤية وحقيقة الإسلام بين القبائل المالاوية
لم تكن مالاوي مقسمة بالحدود السياسية المعروفة الآن؛ وإنما كانت التقسيمات القبلية؛ فكل قبيلة وعرق بشري يسكن في منطقة
دخل الإسلام مالاوي منذ زمن بعيد؛ حيث يشير الباحثون إلى ما قبل عام 1500 ميلادي تقريبًا؛ حيث جاء التجار العرب المسلمون إلى مناطق الشرق الإفريقي للتجارة بحثًا عن العاج وغيرها من منتجات هذه المناطق والبلاد؛ فنزلوا على الساحل الإفريقي للمحيط الهندي، وتعاملوا مع السكان الأفارقة ودعوهم للإسلام، فأسلم الأفارقة، وآمنوا بالله ورسوله، وجدير بالذكر والمعرفة أن دولة موزمبيق عرفت بهذا الاسم نسبةً لتاجرٍ عربيٍ يمنيٍ جاء للتجارة واستقر هناك، اسمه موسى بن بيك؛ وحرف الاسم حتى صار موزمبيق، وهو في البرتغالية ينطق موسمبيق، وهذا يؤكد انتشار نفوذ العرب المسلمين في هذه المناطق.
ولأجل هذا يجد الباحث في أسماء النصاري: أنور وأنيسة ولطيفة وأليفة وشهيرة وغير ذلك، وهذه أسماء عربية؛ مما يقوي القول بأن آباء هؤلاء وأجدادهم كانوا مسلمين وتنصروا، وإما أن الثقافة العربية والإسلامية كانت موجودة بقوة ثم ضعفت بفعل الاحتلال البرتغالي ثم الإنجليزي.
في ذاك الوقت لم تكن تلك البلاد مقسمة بالحدود السياسية المعروفة الآن؛ وإنما كانت التقسيمات القبلية؛ فكل قبيلة وعرق بشري يسكن في بقعة من الأرض ويسيطر عليها ويعيش على خيراتها؛ وإنما هذه الحدود المعاصرة من صنع الأوربيين بعد أن دخلوا هذه المناطق محتلين لها ناهبين لثرواتها.
وبلاد مالاوي وأرضها امتداد طبيبعي لمناطق الشرق الإفريقي، وهي بلاد جبلية شديدة كثيرة الأمطار معتدلة المناخ؛ أرضها خصبة وغنية بالمعادن والثروات، وكلمة (مالاوي) في لغة الشيشيوا تعني «لهب النار»؛ ولم تكن الدولة تعرف قديمٍا بهذا الاسم؛ وإنما كانت تعرف بأرض البحيرة؛ نسبة إلى البحيرة الشرقية لمالاوي.
وينحدر السكان الملاويون من قبائل إفريقية عريقة في شرق إفريقيا، أهم هذه القبائل:
1- قبيلة الشيشيوا:
وهي أكبر قبائل مالاوي، وهم منتشرون في كل مناطق مالاوي؛ ولكن يكثرون في محافظات كوتاكوتا وزومبا وبلانتير وكاسونجا وماشينجا وبلاكا والعاصمة لولونجوى وغير ذلك، ولغتهم «(الشيشيوا) تُدَرسُ بوصفها مادة من مواد التعليم في المناهج ولكنها ليست لغة العلوم؛ فالمناهج، مثل الرياضيات والعلوم والجغرافيا وغير ذلك تُدَرسُ باللغة الانجليزية. وقبيلة الشيشيوا أسلم الكثير منهم واعتنقوا الإسلام منذ زمن بعيد، وهم غير متعصبين ويقبلون على الإسلام، منتشرون في مالاوي وموزمبيق وزامبيا على اختلاف في اللهجات، ولكن يفهم بعضهم بعضًا. والشيشيوا بوصفها لغة يفهمها ويتحدث بها كل أهل مالاوي، سواء كانوا من قبيلة الشيشيوا أم من غيرها؛ لاعتبار الدولة لها بوصفها مادة في التعليم الحكومي، ولوجود عدد من الإذاعات والمحطات التلفزيونية والجرائد الناطقة بها. تتميز هذه القبيلة من الناحية الشكلية الجسمانية ببساطة الأجسام؛ فأجسامهم ليست ضخمة، فهم صغار الأنوف، والشفاه دقيقة ليست غليظة، وحجم الرأس عادي، وشعورهم مجعدة شديدة التجعد، وألوانهم السواد الزنجي؛ ولكن توجد قبائل أخرى أكثر سوادًا منهم.
2- قبيلة الياوا:
وهي قبيلة واسعة كبيرة منتشرة في مالاوي وموزمبيق، يكثرون الآن في محافظات منجوشي وسليما وماشينجا وزومبا ومولانجي وبلانتير، فهم يكثرون على ساحل بحيرة مالاوي، يتكلمون اللغة الياوية، ويعرفون الشيشيوا ويفهمونها، وهم مسلمون، قريبو الشبة بقبيلة الشيشيوا، إلا أنهم يتميزون بدقة الأنوف، واعتدال في الأجسام، ولونهم يميل إلى البني وليس الأسود، لغتهم ليست رسمية في الدولة، وهم لا يتعصبون لها، يقبلون على تعلم الإسلام واللغة العربية، ويدفعون أبناءهم لذلك، ويعدون العلم بلغة القرآن مبعثا للفخر والإعتزاز.
يعرف أهل مالاوي جميعهم أن كل ياوي مسلم إلا من تنصر، أو كان من أم غير ياوية نصرانية؛ لأن الأولاد في مالاوي يعتنقون دين الأم وليس الأب، وأذكر وأنا في المسجد مسجد كتوتو في مدينة مزوزو عاصمة شمال مالاوي أن دخلت فتاة مع بعض صديقاتها المسلمات، فسألتهن عنها لما رأيت عليها علامات غير المسلمات؛ فقلن: هي نصرانية غير مسلمة، أبوها مسلم وأمها نصرانية، قلت: هل مات أبوها: قالت هي: لا؛ هو حي، فدعوتها للإسلام فأسلمت والحمد لله ولبست الحجاب.
وقصة أخرى هي قصة مصطفى ضابط المرور؛ استوقفنا يومًا ليسأل السائق عن الأوراق المطلوبة، فسألناه عن اسمه؛ قال: مصطفى، قلنا له: أنت مسلم؟ قال: لا؛ قلنا: اسمك مصطفى!!! قال: أبي كان مسلمًا!.
مريم تلك المسكينة الضائعة
دخلت السوق يوما فنادتني فتاة لأشتري منها قائلة: مولانا مولانا.
فالتفت وقلت: السلام عليكم
فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
قلت سائلا: أنت مسلمة ؟
فسكتت؛ فأعدت السؤال: فسكتت.
فقالت أبي كان مسلمًا ولكنه تنصر ويدعوني للنصرانية والذهاب معه للكنيسة ولكني أرفض.
وهو مَلِكُ هذا السوق.
قلت: يعني لا نصرانية ولا مسلمة.
قلت ما اسمك؟
قالت: اسمي كان في الإسلام مريم.
قلت: يعني أبوك غير اسمك بعد تنصره.
ثم قلت: أريد الجلوس مع أبيك.
فوعدتني؛ وذهبت إليها مرارا حتى أتمكن من الجلوس معه ولكنه أبى.
ومن العجيب أن مالاوي في زمن احتلال الإنجليز لها كان ممنوعًا على غير النصارى دخول المدارس الحكومية حتى يحولوا المسلمين عن دينهم للنصرانية، أو يبقوا بغير تعليم ولا وظائف ولا مناصب، حتى إن رئيسة مالاوي الحالية نصرانية رغم إن أباها كان مسلمًا، وتزوج من نصرانية وكانت ابنته الرئيسة الحالية.
3- قبيلة التمبوكة:
ويسكنون شمال مالاوي؛ حيث يتمركزون في محافظات مزوزو ومازيمبا ورومبي وكارونجا؛ ولهم امتداد في دولة زامبيا. يتكلمون لغة خاصة بهم وهي «التمبوكة» مع معرفتهم بالشيشيوا؛ أغلبهم نصارى كاثوليك، وبعضهم لا دين له لم يتنصر، بعضهم لديه تعصب ضد الإسلام، أما عن أوصافهم الجسمانية فيتميزون بضخامة الأجسام وبالرؤوس الكبيرة والأنوف الغليظة وشدة سواد البشرة وجعودة الشعور. يقبلون على التعليم أكثر من غيرهم ويحرصون على الوظائف المهمة في الدولة.
4- قبيلة التونجا:
قبيلة صغيرة ليست واسعة الانتشار، لها لغتها الخاصة التي يتكلمون بها فيما بينهم مع معرفتهم للشيشيوا، يسكنون محافظة كتاباي وبعض المناطق المجاورة لها، وهم مزيج في الوصف البدني ففيهم من أوصاف التمبوكة لمجاورتهم لهم وفيهم من أوصاف الشيشيوا أيضا.
5- قبيلة الليمو:
قبيلة غير واسعة الانتشار تكاد تذوب وتنتهي في القبائل الكبرى السابق ذكرها. ليس لهم أوصاف جسمانية خاصة بهم لتكون علامة عليهم.
وبعد استعراض أهم القبائل المالاوية لابد أن أحيط القارئ علما بأن هذه القبائل تتمازج وتتزاوج، ومع الانفتاح وسهولة التنقل والمواصلات والاتصالات بات من المتعارف عليه إمكانية ذوبان هذه الفوارق؛ فكثيرا ما وجدنا رجال الياوا متزوجين بنساء من التمبوكة أو الشيشيوا مع صحة العكس، وإن كان من المآسي وجود نساء مسلمات تحت رجال غير مسلمين لأسباب منها الجهل والفقر وغير ذلك!!.
لاتوجد تعليقات