ذنوب القلوب – تزكية النفس
أحرص دائما على أن ألبي دعوات الأفراح؛ اتباعا للسنة وتطييبا للخواطر، ولاسيما إذا كانت الدعوة من أفراد لا تربطني بهم علاقة قوية. وأذكر نفسي دائما، أن مسافة الطريق والتهنئة والعودة إلى البيت لا تحتاج أكثر من ساعة زمن، مقابل الأجر الذي يحتسبه العبد من الله الجواد الكريم.
- في آية من كتاب الله يقول رب العزة: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (النجم:32) . ويقول -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (النساء: ٤٩). ويقول -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَاَهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاَهَا} (الشمس). والعبد يسعى في تزكية نفسه بالطاعات والصالحات، فما المراد من (النهي عن تزكية النفس)؟ رافقني صاحبي في تلبية دعوة أحد رواد المسجد، بعد صلاة عشاء يوم الجمعة.
- أولا: قوله -تعالى-: {فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ}، بمعنى لا يمدح بعضكم بعضا، ويذكر بأنه صاحب تقوى وبرّ وصلاح، أو لا تمدحوا أنفسكم بأن تصفوا أنفسكم بالتقوى والصلاح والاستقامة؛ وذلك أن (النفس) تطلق على الذات وعلى غيرها، كما في قوله عن بني إسرائيل: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:54)، أي اقتلوا الذين اتخذوا العجل، وتزكية النفس التي نهى الله عنها، هي مدح النفس، بِخلوِّها عن التقصير في طاعة الله والاطمئنان لها، والجزم بنجاتها من العذاب، فينبغي على العبد إذا حدثته نفسه بأنه على خير، وأنه ناج من العذاب، وربما سيدخل الجنة بلا حساب، عليه أن يذكر ذنوبه وتقصيره مع الله -عز وجل-، فإن لم يذكر ذنبا، ذكر نفسه بنعم الله وتقصيره في شكر هذه النعم؛ فلا ينبغي لعبد أن يستكثر أعماله الصالحة، بل يؤمن يقينا أن المنة لله فيما هو عليه من الهداية والصلاح، كما قال الله -تعالى- عن المؤمنين.
- ولكن موضوعنا هو الحرص ألا يقع القلب في هذه المعصية، وهي أن يطمئن لصلاحه، ويضمن نجاته، ويمدح نفسه، ولو في سريرته، دون الآخرين، فإن هذا العمل القلبي، يؤدي إلى ذنب قلبي آخر وهو (العُجب)، وهذا يؤدي إلى ذنب قلبي أكبر وهو (الكبر). فالعبد يجتهد في الطاعات الظاهرة والباطنة، ويكون على الباطنة أحرص، ولا يغتر بصلاحه وعبادته، ويتذكر قدوته الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له في ذلك، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» (متفق عليه). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن ينجي أحدا منكم عمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمته، فسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا» (متفق عليه). وصلنا إلى صالة الأفراح، لم نجد مكانا لمركبتنا بسهولة، استقبلنا صاحب الدعوة أحسن استقبال، أدينا الواجب، ثم غادرنا.
- ولكن العبد أحيانا يركن إلى عمله، ويحمد الله على ما هو فيه.
- هذان أمران مختلفان، أن يحمد العبد ربه على نعمة الهداية، ويعلم في قرارة نفسه أن الفضل لله لما هو عليه من التزام الطاعات والابتعاد عن المحرمات، هذا مطلوب، أما أن يركن إلى عمله، فلا، ويزكي نفسه، فيقول: أنا خير من فلان، الذي لا يصلي، فلا ، وذلك أن في أمور الدين والآخرة، ينبغي أن ينظر العبد إلى من هو أفضل منه، ويسعى أن يفعل مثله، كما في الحديث، عن سالم عن أبيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار» (متفق عليه).
- وهل (التزكية) منهي عنها حتى في الأسماء؟
- نعم، أحسنت غفلت عن هذه النقطة، وكنت أريد أن ذكرها.
لاتوجد تعليقات