ذكر الله ..من أعظم أعمال العشر
إن من فضل الله -عز وجل- ونعمه العظيمة على عباده، أن هيأ لهم المواسمَ العظيمة، والأيامَ الفاضلة؛ لتكون مغنما للطائعين، وميدانا للمتنافسين، ومازلنا في هذا الموسم العظيم.
جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، وفي رواية المسند «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
أهم العبادات
من أهم العبادات التي ينبغي الحرصُ عليها في أيام العشر: الذكر ولاسيما التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فيستحب الإكثارُ من الذكر في هذه الأيام، وقد دل عليه قول الله -عز وجل-: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}(الحج: 28)؛ فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء .
وهذا النوع من الذكر وهو قول: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هو من أفضل أنواع الذكر، وأكثرِها استحبابا وفضلا، ولاسيما في هذه الأيام المباركة .
فضل الكلمات الأربع
وقد ورد في فضل الكلمات الأربع أحاديثُ كثيرة منها:
أحب الكلام إلى الله
فهن أحب الكلام إلى الله، في صحيح مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ،لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ».
خير من الدنيا
وَهن خير من الدنيا، في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس».
الباقيات الصالحات
وهن من الباقيات الصالحات التي قال الله -سبحانه- فيها: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}(الكهف:46)، ثبت في سنن النسائي عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات، ومعقبات، ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات» .
مكفرات الذنوب
وَهن من مكفرات الذنوب، ثبت في سنن الترمذي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[ مَرَّ عَلَى شَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ؛ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ؛ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ؛ فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تُساقطُ ذُنوبَ العَبد،ِ كَمَا يتَساقطُ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» .
لا يخيب من قالهن
ولا يخيب من قالهن، ثبت في الأدب المفرد للبخاري عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، مِائَةَ مَرَّةٍ».
لو يعلم العبدُ ما في الذكر من شرف
أمضى الحياةَ بتسبيح وتهليل.
فضل التسبيح
أما التسبيحُ؛ فقد ورد في فضله أحاديث كثيرة منها:
كفارة للذنوب
التسبيح كفارة للذنوب، في الصحيحين عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»، وفي رواية: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ».
والتسبيح مع التحميد أثقل ما في الميزان ومما يحبه الرحمن، في الصحيحين عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَهُ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَهُ الله الْعَظِيم».
الحسنات المضاعفة
والتسبيح يجلب لك الحسنات المضاعفة، في صحيح مسلم َعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ[؛ فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟»؛ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ؛ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنهُ ألفُ خطيئةٍ» .
وفي صحيح مسلم عَن جوَيْرِية أَنَّ النَّبِيَّ[ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ قَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ[: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاته».
ومن سبح تسبيحة واحدة؛ فله نخلة في الجنة، ثبت في سنن الترمذي عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ» .
لو يعلم الناس ما في الذكر من شرف
لم يلههم عنه تجميع الدنانير
فضل التهليل
أما التهليل؛ فقد ورد في فضله ما جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «من قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ».
فضل التكبير
وأما التكبير فقد ذكر البخاري في صحيحه، عن ابن عمر وأبي هريرة، أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر؛ فيكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما
عليك بذكر الله في كل لحظة
فما خاب عبد للمهيمن يذكر
أعظم أيام العشر
ومن أعظم أيام العشر المباركة، يومُ عرفة، في الصحيحين عن عمر بن الخطاب] أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آيةٌ في كتابكم لو علينا معشرَ اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا؛ فقال: أيُ آية: قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}(المائدة: 3)؛ فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكانَ الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله[ قائم بعرفة يوم الجمعة، وقال ابن عباس قال: نزلت في يوم عيدين، يوم الجمعة، ويوم عرفة .
يوم عرفة يوم عظيم، أعظم الله قدره، وهو عيدٌ لأهل الموقف في الحج، أما غيرُ الحاج؛ فيستحب له صيامه، في صحيح مسلم عن أبي قتادة] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوع عرفة؛ فقال: «يكفر سنة ماضية وسنة باقية».
وإخوانكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام، وقصدوا البيت الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام ، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا؛ فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا.
الغنيمةَ الغنيمة
الغنيمةَ الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة؛ فما منها عوضٌ ولا لها قيمة، المبادرةَ المبادرة بالعمل، والعجلَ العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، قبل أن يسأل الرجعة؛ فيعمل صالحا فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموتُ بين المؤمل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء مرتهنا في حفرته بما قدم من عمل.
ليس للميــــــــت في قبره
فطر ولا أضحى ولا عشرُ
ناء عن الأهل على قربه
كذاك من مســـــــكنه القبر
يا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، يا من مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا من هو في معترك المنايا ما بين الستين والسبعين، ما تنتظر بعد هذا الخبر، إلا أن يأتيك اليقين .
يا من ذنوبه بعدد الشفع والوتر، أما تستحي من الكرام الكاتبين؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ يا من ظلمةُ قلبه كالليل إذا يسري، أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين، تعرض لنفحات مولاك في هذه العشر؛ فإن فيها لله نفحات يصيب بها من يشاء؛ فمن أصابته سعد بها آخر الدهر.
ليالي العشـــر أوقات الإجابة
فبادر رغبــــــة تلحق ثوابه
ألا لا وقت للعمــــــــــال فيه
ثواب الخير أقرب للإصابة
من أوقات الليالي العشر حقا
فشــــمر واطلبن فيها الإنابة.
لاتوجد تعليقات