رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 23 مايو، 2019 0 تعليق

د. محمود عبد المنعم لـ(الفرقان): جعل الله القرآن ميسَّرًا للحفظ والتدبُّر والعمل بتشريعاته وأحكامه


قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}(القمر: 17)، وهذا تأكيد على أنه -سبحانه- قد سهَّل هذا القرآنَ الكريم، وجعله ميسَّرًا للحفظ والتدبُّر، والاتِّعاظ والعمل؛ وذلك بما اشتملَ عليه من القَصَص والأمثال، وما فيه من التشريع والأحكام، وبما ساقَ فيه من العِبَر والأخبار، حول هذا المعنى التقت (الفرقان) أستاذ التفسير وعلومه في جامعة الأزهر، وعضو مجلس شورى الدعوة السلفية في مصر د. محمود عبد المنعم.

- نود في البداية أن نتعرف على الدكتور محمود عبد المنعم؟

- اسمي محمود محمد عبد المنعم حسن.. مواليد يوم عرفة عام 1385 الموافق 31 مارس عام 1966، وتعلمت القرآن الكريم وختمت وأنا ابن عشر سنين وكان سببا في دخولي للأزهر، حتى حصلت على (الماجستير والدكتوراه) في التفسير وعلوم القرآن وأعمل أستاذا للتفسير وعلومه في جامعة الأزهر.

- ما أسباب الإعانة التي جعلتك تختم وأنت في سن صغير؟ وبم تنصح؟

- أسباب الإعانة هي فضل الله أولا وآخرا، وإخبار الله وهو الصادق ومن أصدق من الله حديثا؛ حيث قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، والواو هنا واو القسم واللام موطئة للقسم؛ فالله -عزو جل- وعد بأنه يسر القرآن، ووعد الله لا يتخلف؛ فأنا حفظت القرآن مع أنني كفيف لا أقرأ ولا أكتب لكن حفظته بالتلقين، وكان ميسرا بفضل الله -عز وجل- واستطعت ختام القرآن في هذه السن الصغيرة.

- بم تنصح الشباب الذين يريدون حفظ القرآن لكنهم يجدون مشقة في ذلك؟

- نقول لهم: قد منّ الله -عز وجل- عليكم بنعمة البصر، وتستطيعون قراءة القرآن في المصحف في أي وقت، وعندكم المشايخ كثر، وعندكم وسائل التواصل (الشبكة العنكبوتية) أو الهواتف أو غير ذلك إذا لم تستطيعوا لقاء المشايخ، الأمر ميسر جدا لكن أهم شيء أن يأخذ الشاب قراره يعنى يريد حفظ القرآن، وأنصح أيضا أن يقرؤوا في فضائل القرآن ليسمعوا المشايخ، وهم يتكلمون عن القرآن وفضل القرآن؛ لأن هذا سيحركهم تحريكا شديدا، ويرفع همتهم لحفظ القرآن الكريم، ويكفيهم أن يعلموا أن من حفظ آية من كتاب الله كان له بها درجة في الجنة.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارقَ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»؛ فالإقبال واتخاذ القرار من أهم المعينات على حفظ كتاب الله -عز وجل.

- نريد إيضاح معنى قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.

- هذا إخبار من الله -عز وجل- أنه يسر القرآن؛ فإذا وجد الإنسان صعوبة في حفظه فعليه أن يراجع نفسه، ربما لم ينظم وقته، أو ربما لم يجمع عقله أثناء الحفظ، ربما لم يكن هذا في أولويات اهتمامه، ربما ليس له ورد في الحفظ وليس له ورد في المراجعة، وربما لم يقرأ في تفسيره، وربما لم يصلِّ بما حفظ، وربما لم يعرض نفسه على الآيات، وهناك أسباب كثيرة يسأل فيها نفسه عنها ويقول -عز وجل- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} ليس المقصود حفظ القرآن فقط بل التيسير شامل يشمل حفظ القرآن وتعلم تفسيره، ويشمل العمل به، ويشمل حسن تدبره والدعوة به، ويشمل أيضاً الدعوة إليه فتيسير القرآن عام لكل مايتعلق بالقرآن الكريم، بل حفظ القرآن والاهتمام بالقرآن يزكي العقل أي يكون ناضجا ومتوقدا ويزداد الذكاء عند حافظ القرآن بفضل الله -عز وجل-؛ فالقرآن فيه خير من جميع الجهات بفضل الله -عز وجل- فهو ميسور لمن يأخذ قراره.

- ما الذي تنصح به لتثبيت الحفظ؟

- ينظر إلى أسباب تفلته، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تعاهدوا القرآن فوا الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها»؛ فمعروف أن الجمل إذا ربط عقاله يحرك رجليه ويديه محاولا نزع هذا العقال، ومع التحريك المتواصل يستطيع ذلك إن لم يتعاهده راعيه بأن يتابع القيد بين الحين والآخر ليوثقه أكثر؛ فالقرآن يحتاج إلى تعهد، والنبي صلى الله عليه وسلم خير أسوة لنا في هذا؛ فقد كان يختم كل سبع ليال وقد سبَّع القرآن سبعة أحزاب؛ فحزبه إلى ثلاث سور ثم خمس سور ثم سبع سور ثم تسع سور ثم إحدى عشرة سورة ثم ثلاث عشرة سورة ثم حزب المفصل يبدأ من أول سورة ق، إذا حسبنا هذه السور باستثناء سورة الفاتحة وهذا الراجح من أقوال أهل العلم تنتهى بسورة الحجرات ويبدأ المفصل بسورة ق، وذهب بعض أهل العلم إلى حساب الفاتحة وبالتالي يكون بداية المفصل سورة الحجرات، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل مشاغله وسياسته للدولة والوحي وقيامه بأمور الدعوة وأمور كثيرة إلا أنه كان يقرأ في اليوم الواحد في المتوسط من خمسة إلى ستة أجزاء يوميا. أهم شيء أن يحافظ به الإنسان على القرآن، كذلك فضلا عن تعلم تفسيره، وعن الصلاة به، وتعليمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».. الإخلاص أن يحفظه بإخلاص لله -عز وجل-، وأن يترك الذنوب والمعاصي.

- القرآن الكريم هدى وشفاء وضح لنا استقراءك لهذين المعنيين؟

- أي هدى للناس جميعا كما قال الله -عز وجل-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} هداية دلالة وإرشاد، وهناك هداية أخرى وهي هداية التوفيق: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}، وهم الذين استفادوا بالقرآن الكريم.

- القرآن هدى وشفاء: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}، فالقرآن شفاء من الأمراض جميعها ولا أخص الأمراض البدنية فقط والحديث واضح من حديث الرقية الذي باشره أبو سعيد الخدري بنفسه مع اللديغ بسورة الفاتحة فقام وكأنه نشط من عقال حديث في البخاري ومسلم. والنبي صلى الله عليه وسلم رقى الجارية فشفاها الله -عز وجل-، وكان النبي يرقي نفسه كل ليلة عند النوم بالإخلاص والفلق والناس، يقرؤها في كفيه وينفث فيها ويمسح رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ثلاث مرات كل ليلة يفعل ذلك؛ فالإنسان يمكن أن يرقي نفسه ويرقي غيره بالقرآن الكريم، كذلك هو شفاء من أمراض القلوب؛ فصاحب القرآن لا يعرف الحقد، ولا يعرف الحسد، ولا يعرف الغل، ولا يعرف الكراهية، ولايعرف البغضاء والضغينة؛ لأن القرآن يرضيه ويؤدبه وفي هذا نستحضر قول الله -عز وجل- في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فخلق النبي أخذه من القرآن كما قالت عائشة -رضى الله عنها- للسائل: كان خلقه القرآن، وقالت كان قرآنا يمشي على الأرض.

- كيف نستغل ما بقي من رمضان مع القرآن الكريم؟

- بعض الناس استفاد الفترة الماضية من رمضان، واهتم بالقرآن سواء كان في القيام أم في القراءة دون قيام، فالأمة كلها تصوم رمضان احتفالا وشكرا لله -عز وجل- على نعمة القرآن الكريم؛ لأن الله -عز وجل- لما تكلم ذكر القرآن قبل الصيام قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وساق ذلك في معرض الامتنان والإنعام، فنعمة إنزال القرآن أعظم نعمة في الوجود، ومن أعمال الشكر أن تصوم الأمة كلها رمضان كل عام، ويكون هذا ركنا من أركان الإسلام شكرا لله -عز وجل- على نعمة نزول القرآن في رمضان، وتشير إلى ذلك آخر الآية: {لعلكم تشكرون} المقصود أن الإنسان يحاول أن يعوض ما فاته بأن يركز على القرآن، والسلف -رضوان الله عليهم- كانوا إذا أقبل رمضان يتركون الحديث ويقبلون على المصاحف، وكذلك الأئمة مثل: الإمام الشافعي وأحمد ومالك والإمام أبى حنيفة وغيرهم من الأئمة، ويروى عن بعضهم أنه كان يختم في رمضان عشر مرات أو عشرين مرة، بل روي عن الإمام الشافعى أنه كان يختم في رمضان ستين مرة بالليل ومرة بالنهار يوميا، وصح عن سيدنا عثمان رضي الله عنه أنه صلى ركعة واحدة بالقرآن كله في حجر إسماعيل في صلاة الوتر؛ فهو رمضان شهر القرآن، والنبي كان يأتيه جبريل يدارسه القرآن في كل أمر في شهر رمضان، ولما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه عرضتين؛ فلابد أن نهتم بالقرآن في رمضان بل وبعد رمضان كذلك.

- كيف حافظ القرآن على مكانة السنة النبوية المطهرة؟

- القرآن الكريم يدعو للعمل بالسنة في مواضع كثيرة جدا من ذلك قوله -تعالى-: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}؛ فالسنة كلها ما هي إلا تفسير للقرآن الكريم، الله يقول: وأقيموا الصلاة لكن ماذا نقول في الركوع أو السجود والجلوس والقيام؟ وشروط صحة الصلاة عدد ركعاتها، وعدد الصلوات نفسها فالصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة الجنازة وصلاة الاستخارة وصلاة التوبة وصلاة الاستسقاء، والخسوف، والكسوف وغير ذلك من تفاصيل كثيرة في الصلاة لم يذكرها القرآن الكريم، فبالله عليكم من يأخذالقرآن ولا يأخذ بالسنة كيف يصلي؟! والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، والله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وكذلك الذي دلتنا عليه السنة الأذان؛ فهؤلاء الذين يقولون: إنهم يطبقون القرآن فقط هل يؤذنون للصلاة أم لا يؤذنون؟ وكيف يؤذنون وألفاظ الأذان ليست موجودة في القرآن الكريم إنما الذي تكلم عن الأذان في القرآن ثلاث آيات الأولى في سورة المائدة في قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا}، والثانية في سورة القلم: {قَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}، الثالثة في سورة الجمعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}؛ فأين ألفاظ الأذان هنا وأين توقيت الأذان؟ وأين كيفية الأذان؟ كل هذه الأشياء لم يذكرها القرآن.

     والذي يحدث من هذه الدعوة الفاسدة إنها تهدم أصول الدين وقواعده وهي تصديق لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل-، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حّرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك