رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 28 أكتوبر، 2024 0 تعليق

د. علاء بكر: الانخداع بشبهات المشككين سببه بُعد الناس عن الدين علما وعملا

  • من أهم أسباب انخداع المسلمين بدعاوي المستشرقين بُعدهم عن التمسُّك بدينهم علمًا وعملًا مع جهلهم بالحق وعدم اهتدائهم بنور الله تعالى وشرعه
  • ظن كثير من المسلمين أنَّ المخرج مِن تأخر الأمَّة الحضاري هو تقليد الغرب بلا تمييز فكان حالهم كحال المستجير من الرمضاء بالنار
  • من أساليب هجومهم على الإسلام مهاجمة الحجاب ورفض نظام المواريث والمطالبة بمساواة النساء بالرجال في الميراث مطلقًا
  • الواجب أن تكون مواجهة هؤلاء المبطلين شاملة كما أن هدفهم شامل فتكون مواجهة تشمل الوقاية والعلاج مما قد يحدثونه وسط الناس وما يثيرونه من شبهات
 

لا شك أن أخطر ما خلفه الاستشراق في بلادنا العربية والإسلامية، هو الثقة العمياء المصحوبة بالانبهار القوي في الثقافة الغربية وأفكار هؤلاء المستشرقين، الذين عملوا ليل نهار للقضاء على العقيدة الإسلامية وسلخ الناس منها، من خلال العديد من الوسائل التي من أهمها وجود مفكرين ومثقفين يتحدثون بألسنتهم ويعبرون عن أفكارهم، حول هذا الموضوع التقت الفرقان بالكاتب والمفكر الإسلامي د. علاء بكر للتعرف عن أبعاد هذا الاستشراق وأثره في واقع الأمة الإسلامية.

 
  • ما سبب الانخداع بدعاوى دعاة التنوير وأمثالهم؟
  • لا شك أنَّ من أهم الأسباب بُعد المسلمين عن التمسُّك بدينهم علمًا وعملًا، بعد أن تكالبت عليهم شياطين من الإنس تزيِّن لهم الباطل، مع جهل الناس بالحق وعدم اهتدائهم بنور الله -تعالى- وشرعه، وكذلك ظن كثير من المسلمين أنَّ المخرج مِن تأخر الأمَّة الحضاري هو في تقليد الغرب بلا تمييز؛ فكان حالهم كحال المستجير من الرمضاء بالنار، فانخدعوا بهذه الدعاوي مع الأسف الشديد.
  • ما أهداف هذا التيارات التغريبية من تلك الحملات الممنهجة؟
  • هذا الذي يحدث، إنما يتم في إطار عملية تغريب متواصلة للمجتمعات الإسلامية، امتدت لأكثر من قرنين من الزمان؛ حيث أيقن أعداء الأمَّة الإسلامية -بعد صراع طويل مع الإسلام ومع المسلمين- أن مصدر قوة المسلمين يكمن في تمسكهم بإسلامهم، وأن السبيل لإضعافهم هو إبعادهم عن هذا التمسك بدينهم، فظهر تيار التغريب، وهو تيار شامل له أبعاده واتجاهاته المتعددة: العقدية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو يستهدف -في النهاية- صبغ المجتمعات الإسلامية بصبغة الحضارة الغربية المادية، ومحو الهوية الإسلامية للأمة شيئًا فشيئًا.
  • ما دور المستشرقين في هذه القضية؟
  • لقد قام المستشرقون بدراسة الإسلام دراسة عميقة؛ بغرض التعرف على المواطن التي يغزون بها المجتمعات الإسلامية، وصارت لهم مؤلفات فوق الحصر في هذا الجانب، كُتِبَت بحقد دفين بغرض تشويه الإسلام والطعن فيه بالباطل، وبها يوجِّه دُعَاة الفتنة سهامهم الحاقدة على الأمة لإحداث أكبر قدرٍ من التشكيك في ثوابت الإسلام وعقائده، وأحكامه ومعاملاته.
ولم يسلم من بثِّ سمومهم أمرٌ من أمور الدِّين، بما في ذلك الطعن مباشرة أو غير مباشرة في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية وتدوينها، وفي أحكام الشريعة الإسلامية وأخلاقياتها وآدابها، والطعن في شخص النبي -[-، والطعن في خيار الصحابة -رضي الله عنهم-، والتعرض لأئمة الأمة الإسلامية ورموزها المتفق على إمامتهم وجلالتهم عبر تاريخ الإسلام الطويل، جيلًا بعد جيل.

  • كيف مَهَّد المستشرقون السبيل لدعاة التغريب للطعن في الإسلام؟
  • طرائق وسبل المستشرقين تقوم على منهج الطعن في الدين الإسلامي من جوانب تبدو متناقضة، ولكنها متعمدة، فلكل منها هدفه وآثاره، فمنهم مثلًا: مَن يزعم أن الإسلام دين جامد، وأنه أصبح شيئًا من تراث الماضي البعيد، وقد انتهى دوره التاريخي والحضاري! وفي المقابل: منهم مَن يقول: إن الإسلام دين مرن قابل للتطور، وتتغير مفاهيمه وفقهه ليتناسب مع المدنية الأوروبية الحديثة، فالأول يثمر رفض المسلمين لدينهم واعتقاد كونه سبب تأخرهم، والثاني يسمح بتمييع الدين وترقيعه بإدخال فيه ما ليس منه، واعتناق المسلمين لقِيَم الغرب ومفاهيمهم باسم التجديد والتطوير، وكلاهما يبعد الإسلام عن منصة الحكم وحياة المسلمين.
ومنهم مَن يزعم أن الإسلام دين طُبِع بطابع العرب القدامى وبيئتهم وأحوالهم، فهو ليس بدين عالمي نزل للبشر كافة! ومنهم من يزعم أن أحكام الشريعة الإسلامية تأثرت وأخذت من شرائع الأديان والأمم السابقة، كاليهودية والنصرانية ، وغيرها. ويأتي فريق منهم فيزعم: أن ليس للإسلام نظام وشريعة، بل هو مجموعة توجيهات عامة، ليست شاملة لكل جوانب الحياة، ولا ترقى لتكون نظامًا خاصًّا للحكم، وإنما استمد المسلمون أنظمتهم في الحكم من الروم والفرس. وهذا النهج يثير البلبلة لدى المسلمين، ويشوه صورة الإسلام في أذهان الكثيرين، فيحتاجون إلى مَن يصحح لهم من جديد نظرتهم إلى الإسلام.
  • كتابات المستشرقين عن الإسلام كثيرة، فهل كلها كُتِبَت على وجه تعمد الكذب والافتراء؟
  • أكاذيب المستشرقين وافتراءاتهم منها ما هي متعمدة، ومنها ما هو نتيجة لجهلهم بلغة العرب وبلاغتها وأساليبها، وبسبب تجاهل المصادر العربية والإسلامية الأساسية للتعرف على الإسلام وحقائقه، والأخذ منها، ونتيجة لتصور تاريخ الإسلام، وسيرة أئمة المسلمين وحكامه عبر التاريخ على أنه كتاريخ أوروبا مبنيًّا على الأهواء والصراع على الحكم، ومراعاة المصالح الشخصية.
ومن أمثلة أكاذيبهم مثلًا: قول المستشرق (بودلي) في كتابه (الرسول: حياة محمد): «إن دولة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها من اليهودية والنصرانية والوثنية، وأن مبادئها جاءت صدى البيئة التي عاش فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالزكاة فرضها رأفة منه بالضعفاء الذين شاهدهم يُعَذَّبون في مكة، وتحريم الخنزير إنما هو لرداءة مراعي الخنازير وقذارتها في الشرق، وعدم قدرة العرب على طهي لحم الخنزير وتطييبه!». أما المستشرق (جولد تسيهر) في كتابه: (العقيدة والشريعة) فيقول: «من العسير أن نستخلص من القرآن نفسه في العقيدة مذهبًا موحدًا متجانسًا خاليًا من المتناقضات». أما (بروكلمان) فيقول: «أما القانون الجزائي في الإسلام، فقد ظل على مستوى يقرب من السذاجة، وهو لا يمثل إلا تقدمًا ضئيلًا بالنسبة إلى مفاهيم القوانين الوثنية القديمة».
  • كيف يعمل هؤلاء؟ وهل هناك رابطة تجمعهم أو كيان مؤسسي يقف وراءهم؟
  • هؤلاء دعاة الفتنة، يعملون فرادى، وتارة في جماعات، يؤازر بعضهم بعضًا، يجدون الدعم المادي السخي من جهات مشبوهة، منها جهات معلومة، ومنها جهات خفية، ولهم وسائل وقنوات إعلامية مرئية ومكتوبة ومسموعة لممارسة أنشطتهم، ومنهم عالمانيون غلاة، وملحدون يجهرون علنًا بإلحادهم، وهؤلاء يعادون الأديان عامة والإسلام خاصة، ومنهم ليبراليون وإعلاميون وشخصيات عامة، وغيرهم.
  • هل هناك علامات ظاهرة لدعاة الفتنة يمكن بها التعرف عليهم وتجنب ضلالاتهم؟
  • افتراءات أدعياء الفتنة وشطحاتهم كبيرة، فيها جرأة كبيرة تجعل العوام ترفض أفكارهم قبل العلماء والدعاة، فضلًا عن أن سيرة أدعياء الفتنة لديهم انحلال أخلاقي، وتعاون وتنسيق مع جهات ومنظمات، وقنوات إعلامية أجنبية مشبوهة، ومن ضلالاتهم وجهالاتهم التي اشتهروا بها:
- مهاجمة حجاب المرأة في الإسلام، وتعدد الزوجات. - رفض نظام المواريث في الإسلام والمطالبة بمساواة النساء للرجال في الميراث مطلقًا. - إنكار رحلة المعراج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء! وأعجب من ذلك: زعم بعض هؤلاء أن الإسراء لم يكن إلى بيت المقدس ولم يكن العروج منه، بل كان ذلك إلى الطائف في الجزيرة العربية! هذا مع إظهار الاستخفاف بهذا الحدث والاستهانة به، وهو من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن دلائل نبوته ومن تكريم الله -تعالى- له واصطفائه له، مع ما فيه من بيان منزلة وفضل المسجد الأقصى. - إنكار عذاب القبر ونعيمه. - الطعن في صحيح الإمام البخاري. - الطعن في كتب السيرة النبوية وتدوينها. إعادة طرح فلسفة وحدة الوجود، والاتحاد والحلول، والمناداة بالمساواة بين الأديان، وأن الجنة سيدخلها الكفار كما يدخلها المسلمون. وحواراتهم حول هذه القضايا تظهر بجلاء لكلِّ منصف له ثقافة إسلامية ودراية بالشريعة، مقدار ما هم عليه من جهلٍ بقراءة آيات القرآن الكريم، فضلًا عن معرفة أحكام تلاوته وتجويده، وتظهِر أيضًا جهلهم المطبق بعلم الحديث وفنونه، بما ينفي عنهم بلا تردد صفة الدارس أو الباحث، إلا البحث والدراسة في كتابات المستشرقين والمبشِّرين وأعداء الإسلام.
  • كيف يمكن مواجهة هذه الفتن؟ وما الواجب على كل مسلم تجاهها؟
  • لا شك أن هدف دعاة الفتنة هو الأمة كلها في أعز ما تملك وهو عقيدتها، فالمستهدف عندهم هو الجميع، أنا وأنت، وأهلي وأهلك، وابني وابنك، وابنتي وابنتك، وهم قادرون بما هو متاح لهم من إمكانيات مادية من الوصول إلى الملايين من المستمعين والقارئين والمتابعين ولو على وجه الفضول؛ لذا فالواجب أن تكون مواجهتهم أيضًا شاملة كما أن هدفهم شامل، فنعمل على أن نواجههم مواجهة تقوم على علاج آثار ما يقدِّمونه ويعرضونه من سموم وشرور، وعلى الوقاية مما قد يحدثونه وسط الناس، وما يثيرونه من شبهات.
والمأمول: أن نشارك نحن جميعًا بلا استثناء، كل فرد منا يقوم بدوره، بالتحذير من هؤلاء وأهدافهم، ومن نشر الردود عليهم، ومن تعليم الناس أصول دينهم، ولا سيما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي سريعة الانتشار، ومن خلال الدعوة الفردية شديدة التأثير، ومن خلال الحوارات والندوات والمحاضرات كبيرة الإقناع، ليصل صوتنا إلى كلِّ أحدٍ، حتى ينتبه الغافل ويستفيق المخدوع. والمأمول أن تشارك المؤسسات والجمعيات الدينية والثقافية ورجال الدعوة والإصلاح، والهيئات الشرعية الرسمية الموكول بها حفظ الدِّين ونشره والدفاع عنه، للتصدي بقوة لهذا التيار الضال المنحرف قبل أن يمتد ويجرف الأمة معه.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك