رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الرياض – د• عقيل العقيل 24 نوفمبر، 2014 0 تعليق

د. عبدالله اللحيدان أستاذ العقيدة بجامعة الإمام: العدل في علاقات المسلمين بغيرهم.. واجب شرعي! من مظاهر الوسطية حرص الداعي على فتح باب الرجاء للمدعو

أهم مظاهر الوسطية القدوة فقد ينفر غير المسلم بسلوك معيّن من الداعية 

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخالط مخالفيه في دورهم ويعاملهم في البيع والشراء

 

الإسلام دين قام على العدل والوسطية في التعامل حتى مع الأعداء وكان النبي صلى الله عليه وسلم في حالات السلم يطبق الوسطية مع أعدائه فيخالطهم ويساكنهم ويعودهم طمعاً في إسلامهم.

نتحدث هنا عن جوانب من هذه الوسطية مع غير المسلمين وأثر ذلك في دعوتهم وذلك من خلال حوارنا مع فضيلة الشيخ أ.د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

- فضيلة الشيخ كيف تظهر الوسطية في مخالطة غير المسلمين؟

- تظهر الوسطية في هدي الإسلام في المخالطة لغير المسلمين، فلا يتصور مع الإذن بالبقاء في بلاد المسلمين أن ينعزلوا عن المسلمين، والنصوص في ذلك كثيرة والشواهد غير منحصرة، وقد خالط النبي صلى الله عليه وسلم المشركين لدعوتهم وفي البيع والشراء والأخذ والعطاء.

     إن غير المسلم في بلد الإسلام لا يعيش على هامش المجتمع، بل يشارك أفراد المجتمع ويخالطهم وقد يسند إليه بعض الأعمال التي هي من صميم عمل أهل الإسلام، فقد جوَّز بعض الفقهاء أن يكون الكافر من العاملين على الزكاة، وذكر في المغني أنها إحدى الروايتين عن الإمام أحمد؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60)، وهذا لفظ عام يدخل فيه أي عامل على أي صفة كانت؛ ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة لعمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات.

     وثمة أمر رئيس في الدعوة وهو أنها تستلزم المخالطة للمدعوين عموماً والصبر على ما يبدر منهم، وهي حال الأنبياء -عليهم السلام- وحال الدعاة المصلحين من بعدهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : «المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، ومثل ذلك يحتاج فقهاً من الداعي وعلماً بالمصالح والأحكام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العزلة والخلطة: «فاختيار المخالطة مطلقاً خطأ، واختبار الانفراد مطلقاً خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا وما هو الأصلح له في كل حال فهذا يحتاج إلى نظر خاص»؛ ولذلك فالمقاصد في المخالطة معتبرة، فإن لم يكن مقصد صحيح أو مصلحة ظاهرة أو ضرورة ملحة فلا حاجة للمخالطة.

- وهل كان صلى الله عليه وسلم  يغشى أماكن غير المسلمين؟

- من يتأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم  يقف على صور من غشيانه لأماكن غير المسلمين فكان صلى الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن في المسجد؛ إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: «يا معشر يهود أسلموا تسلموا»، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم.. الحديث. وعاد صلى الله عليه وسلم  يهودياً، كما في البخاري عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (أسلم) فأسلم.

- وماذا عن التعامل مع غير المسلمين؟

- كان صلى الله عليه وسلم  يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين يعني: صاعاً من شعير.

وفي المدينة تتجلى صور الوسطية في الدعوة في أبهى مظاهرها؛ حيث عاش اليهود في كنف المسلمين بعهد معهم وكان صلى الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- كتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين اليهود كتاباً هو في الحقيقة أنموذجاً فريداً في التعامل مع غير المسلمين لعلكم تقفون على هذا الكتاب فضيلة الشيخ؟

- قال الإمام ابن القيم: ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود وكتب بينه وبينهم كتاباً، وبادر حبرهم وعالمهم عبدالله بن سلام فدخل في الإسلام وأبى عامتهم إلا الكفر، وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وحاربه الثلاثة، فمن على بني قينقاع، وأجلى بني النضير، وقتل بني قريظة وسبى ذريتهم، ونزلت سورة الحشر في بني النضير، وسورة الأحزاب في بني قريظة. وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ثم كتب أنه لا يحل لمسلم أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه، فقد بين فيها أن كل من تبع المسلمين من اليهود فإن له النصر. ومعنى الاتباع: مسالمته وترك محاربته، لا الاتباع في الدين كما بينه في أثناء الصحيفة، فكل من أقام بالمدينة ومخالفيها غير محارب من يهود دخل في هذا، ثم بيّن أن ليهود كل بطن من الأنصار ذمة من المؤمنين ولم يكن بالمدينة أحد من اليهود إلا وله حلف، إما مع الأوس، أو مع بعض بطون الخزرج، وكان بنو قينقاع هم المجاورون للمدينة، وهم رهط عبدالله بن سلام حلفاء بني عوف بن الخزرج رهط ابن أبي رهم البطن الذي بدئ بهم فيه هذه الصحيفة. أما الكتاب فذكره ابن إسحاق فقال: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهوداً، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم. قال ابن تيمية رحمه الله: وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم.

ولقد تضمنت الصحيفة حرية المعتقد، كما تضمنت حرمة الدماء والأموال وحرمة المدينة، وغير ذلك من المبادئ والأصول في العلاقات الإنسانية.

-في الصحيفة يظهر بجلاء العدل في علاقات المسلمين بمن لا يدينون بالإسلام، وفي المجتمع الإسلامي عاش غير المسلمين بالعهد أو الأمان أو الذمة، ونعموا بأمن الإسلام وإحسان المسلمين.

- وفيها شمول شريعة الإسلام وتنظيمها للعلاقات بين المسلمين وغيرهم في المجتمع الإسلامي.

- هذه الصحيفة يمتد تاريخها إلى أكثر من 14 قرناً، وهي تبين سبق الإسلام لكل النظم المعاصرة التي تقرر بعض ما اشتملت عليه هذه الصحيفة.

     إن من يعيشون بين المسلمين ويحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي، فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن يحظى بمحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلمه فقال صلى الله عليه وسلم : «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة». وشدد صلى الله عليه وسلم الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال صلى الله عليه وسلم : «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً».

- وماذا عن أهمية الوسطية في خطاب الدعوة مع غير المسلمين وأثر ذلك؟

- كان الأنبياء يخاطبون أقوامهم بلغتهم قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم: 4)، وكانوا يختارون من الألفاظ أجملها وأفصحها وأبينها وأكملها وأيسرها، وقد قال تعالى عن موسى وهارون: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} (القصص:34)، وقال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} (طه: 27 - 28)، فكلامهم كان بيناً واضحاً ينطق بالحكمة، ويفهمه العلماء والعامة، وكان لنبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك أكمله وأتمه فكان أفصح خلق الله وأعظمهم بياناً، ولصحابته من ذلك القدح المعلى، وكانت بعوثه ورسله إلى أمم الأرض تتناسب مع كل قوم يشهد لذلك ما جاء في قصة المقوقس مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فقد حاور حاطب المقوقس فما لبث أن قال له: أحسنت أنت حكيم من عند حكيم، بل لقد تعلم كل مبعوث لغة القوم الذين سيفد عليهم، قال ابن سعد في الطبقات: «وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم».

     إن على الداعية أن يلزم التوسط في دعوته لغير المسلمين، فلا يغرب في الألفاظ أو يتشدق في كلامه، ولا يأتي بالألفاظ التي تنزل مكانته عند المدعوين، ولا يكثر الكلام، عن جابر ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون. قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون»، الثرثار: هو كثير الكلام تكلفاً، والمتشدق: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، والمتفيهق: أصله من الفهق وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبراً وارتفاعاً وإظهاراً للفضيلة على غيره. وإذا كان هذا التوسط مطلوب في الدعوة عموماً فإنه في دعوة غير المسلمين أشد طلباً، وفي هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك ويؤيده فلم يكن صلى الله عليه وسلم يطيل مع المدعوين عرض الدين، وإنما هي كلمات يسيرات، وكان يسمع منهم أحياناً أكثر مما يحدثهم، وفي قصة عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد ذلك؛ حيث بعثته قريش ليعرض على النبي صلى الله عليه وسلم المال والملك والجاه في سبيل ترك دعوته، فسمع منه النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ثم قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، فقرأ عليه صدراً من سورة فصلت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك