رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 12 يونيو، 2018 0 تعليق

د. العفاني: رمضان مدرسة ربانية للنهوض بالأمة – شهر الإرادة والعزيمة وأهم انتصارات المسلمين كانت فيه

منذ أن شرع الله -تعالى- صيام شهر رمضان وخصَّه بفضائله، أنشأ هذا الشهر المبارك، مدرسة متواصلة ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم، وصقل نفوسهم، وتزويدهم بشحنات إيمانية، تلهمهم معاني الدين الحنيف، وتثبت في نفوسهم صفات المسلم الحق، وطالما بقي هذا الشهر مدرسة للمسلمين في كل مكان وزمان، وجب علينا معرفة الدروس المستفادة منه ونحن في اللحظات الأخيرة منه، ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا الإسلامية، وقد التقت الفرقان أحد أعلام الدعوة السلفية في مصر وهو د. سيد حسين العفاني صاحب العديد من المؤلفات والمصنفات ومن أشهرها على الإطلاق كتاب: (صلاح الأمة في علو الهمة).

- كيف يستثمر المسلم ما تبقى من الشهر المبارك؟

- الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى؛ فبدايةً تقبل الله منا ومنكم هذا الشهر الكريم، وأشكر لأهل الكويت ثقتهم بي، وإن كانت بضاعتي قليلة، وبعد، يُمكن للإنسان أن يستثمر ما تبقى من أيام في الاعتكاف، وهو سنة عن رسول الله[، عكوف القلب والبدن على الله، وعكوف القدم في المساجد، وعكوف القلب على طاعة الله -عزوجل-؛ فإن كان أهل الشرك يعكفون على أصنامٍ لهم؛ فكذلك أهل الطاعة، كذلك أهل الله يعكفون على طاعة الله -عز وجل- بقلوبهم، وأيضًا يجتهد الإنسان في إحياء ليل رمضان، العشر الأخير، كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا أتى العشر الأخير من رمضان أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره، أحيا ليله، أي: لم ينم، أي: ينقل نوم الليل إلى النهار، ويكون الليل كله عبادة لله -عز وجل-، بتلاوة القرآن والصلاة، ولاسيما أن قيام الليل لا حدّ له كما قال جمهور أهل العلم؛ فالإنسان يتعلم من رمضان: (الإخلاص)؛ فكما قال قتادة: «قلما سهر الليل منافق» وقال الإمام أحمد: «لا رياء في الصوم»؛ فرمضان شهر الإخلاص بصيامه وقيامه، يتعوّد المسلم على ختم القرآن في ليل رمضان ونهاره؛ فقد كان للشافعي ستون ختمة، ختمة في الليل، وختمة في النهار، وكثير من عباد السلف كان هذا فعله في رمضان، ويجوز الختم في أقل من ثلاث، بل يُستحب، وعليه عمل الشافعي، ومالك، وإسحق بن راهويه.

- كيف يستطيع المرء تجنب ما يصرفه عن العمل الصالح في رمضان؟

- أولًا: يستطيع المرء أن يتجنب ما يصرفه عن الطاعة في رمضان أولًا: بحسن الأدب مع المسلمين؛ فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: «إني صائم إني صائم» مرة بقلبه ومرة بلسانه؛ فيبتعد عن اغتياب الناس وأذاهم، ويبتعد عن كل ما يُفسد صومه، ويبتعد عن كثرة الأكل، كان سيدنا يوسف لا يشبع وكان على خزائن مصر؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: «أخاف أن أشبع أنسى الجياع»؛ فالإنسان يجعل همه في السعي في حاجات المسلمين، وسداد ما عليه إطعامهم في رمضان. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المُرسلة، وفيه يبتعد الإنسان عن كل يُبغض الله -عز وجل-، وفعل كل ما يُقرب منه -عز وجل- من تلاوة وتسبيح وذكر، والله أعلم.

- ارتبط رمضان بانتصارات المسلمين منذ بداية الدعوة الإسلامية، فما تعليقكم؟

- رمضان شهر تربية الإرادة، وشهر العزيمة؛ ولذلك كان أهم انتصارات المسلمين في هذا الشهر؛ ففي السنة الأولى من الهجرة، كانت سرية حمزة بن عبدالمطلب، وكانت غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة، وفي السنة الخامسة من الهجرة كان الاستعداد لغزوة الخندق بحفر الخندق، وفي السنة السادسة من الهجرة كانت سرية غالب بن عبدالله، وفي السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة، وفي السنة التاسعة من الهجرة كان هدم الأصنام، وفي السنة السادسة عشرة من الهجرة كانت معركة البويب على جبهة العراق بقيادة المثنى بن حارثة، بعد ذلك كان فتح بلاد النوبة ومعاهدة القبط، وفي سنة 53 كان فتح جزيرة رودس، وفي سنة 67 من الهجرة كان زوال دولة المختار الثقفي، وفي سنة 91 كان فتح الأندلس، وفي سنة 100 من الهجرة كان فتح المسلمين لجنوب فرنسا حتى وصلوا على بعد 30 كيلو متراً جنوبي باريس، وفي سنة 222هـــ كان فتح مدينة البذ، مدينة بابك الخرمي، وفي سنة 223 كان فتح عمورية على يد المعتصم، وفي سنة 264 كان فتح جزيرة سارقوصا من صقلية، وفي سنة 559 كان وقتا حالما بقيادة نور الدين محمود زنكي، وفي سنة 584 هجرية كان فتح الكرما، وفي سنة 658 كانت موقعة عين جالوت، ثم بعد ذلك كان فتح أنطاكيا، وفتح أرمينيا الصغرى بقيادة بيبرس، وفي سنة 702 كانت معركة شَقحَب، أو معركة مرج الصُفر وكان فيها الناصر محمد بن قلاوون، وابن تيمية والخليفة العباسي، ثم بعد ذلك كان فتح جزيرة قبرص على يد الملك الأشرف، ثم كان فتح بلغراد على يد السلطان سليمان القانوني سنة 927هـــ، وكان إقامة مملكة الحبشة الإسلامية على يد البطل الإسلامي أحمد، وفي سنة 1393هـــ كان العاشر من رمضان والنصر على اليهود.

- ماذا يجب على المسلم بعد رمضان؟

- يجب على المسلم بعد رمضان: الإكثار من الصيام: «رحم الله أقوامًا رمضانهم دائم وشوالهم صائم؛ فإن رب الشهرين واحد»؛ فيجب على الإنسان أن يتوب في رمضان وبعد رمضان، وأن يُقبل على الذكر والعبادة والتلاوة وقراءة القرآن وعكوف القلب على الله -عزوجل- والمُسارعة في الخيرات والطاعات، والله أعلم.

- ما أهم الفوائد التي تخرج بها من مدرسة رمضان للنهوض بالأمة؟

- الإخلاص، «خليج صافٍ خيرٌ من بحر كدر»، والإخلاص يعني كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما ينصر الله -عزوجل- هذه الأمة بضعيفهم بدعوتهم وإخلاصهم،  ورمضان صيامه وقيامه جبل الإخلاص، ورمضان أيضًا نخرج منه بالرحمة، من لا يرحم لا يُرحم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي». رحمة المسلمين والتكافل بينهم، وحدة المسلمين كما كانوا يُفطرون جميعًا في وقتٍ واحد، ويصومون جميعًا في وقتٍ واحد، ويبدؤون صومهم برؤية هلال رمضان؛ فكذا وحدة المسلمين بوحدة كلمتهم، فضلا عن التراحم بينهم، والتكافل الاجتماعي، والإحساس بألم المسلمين وأي مصابٍ في أي مكان.

- كيف تقيمون الواقع السلفي في الفترة الأخيرة ؟

- الواقع السلفي مبني على علم، والسؤال لأهل العلم لا تضيع به البلاد والعباد، أما الواقع المخالف للكتاب والسنة فيؤثر أثراً سلبياً على المجتمعات، وليس لنا إلا الصبر والدعوة إلى الله -عزوجل-؛ فالإنسان لا ينفك عن الدعوة في أحلك الظروف، ولابد من تكاتف العمل الإسلامي واتحاد المسلمين على مستوى العالم.

- بماذا تفسرون الهجوم على المنهج الوسطي منهج الكتاب والسنة  في الأيام الأخيرة؟

- لأن المنهج الوسطي صمام أمان للمجتمعات الإسلامية، ولن يتصدى لغوائر الفرق المنحرفة عن الأمة إلا أصحاب هذا المنهج؛ ولهذا كثر الهجوم عليه بكثرة المناوئين له، ولكن منهج الكتاب والسنة ثابت وفي ثباته ثبات الإسلام، والإسلام فوق كل أحد.

- كيف تنظرون إلى زيادة دعوات التغريب التي تتعرض لها مجتمعاتنا الإسلامية منذ سنوات عدة؟

- يبقى الإسلام بثوابته شامخاً ومثل هذه الدعوات قد تلقى رواجاً ولكن ليس لها أثر فعال في عقيدة الأمة وفي بناء نهضتها فالإسلام الصحيح واضح والمؤسسات الدعوية تقوم بواجبها لبيان الحق والدعوة إليه.

- كيف تقيمون إقبال الشباب على طلب العلم في السنوات الأخيرة؟

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» : مستقبل الإنسان باهر وزاهر، كثيرٌ من الناس يظنون أن الإنسان سيزول؛ فنقول لهم: الإسلام باقٍ: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(الصف 8).

- كيف يُمكن لطالب العلم تحقيق أهدافه؟ وتحصيل ما يؤهله لخدمة دين الله -تعالى؟

- بالصبر على العلم: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(السجدة 24). إنما تُنال الإمامة في الدين كما قال ابن تيمية: «بالصبر واليقين». وشيءٌ آخر: «العمل بهذا العلم»؛ فالعلم يهتف بالعمل؛ فإن أجابه حل وإلا ارتحل، ويثبت العلم بالدعوة إلى الله؛ فما أحلى الدعوة إلى الله  في هذه الأيام، فالدعوة إلى الله -عز وجل-، أحسن كلمة تُقال وتصعد إلى الله في مقدمة العمل الصالح: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، قال الإمام ابن القيم: «والدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد» ويأخذ بها العبد كما قال ابن تيمية أجر المجاهد والمهاجر والله أعلم.

- ما نصيحتك للعاملين في الدعوة؟

- نصيحتي للعاملين في الدعوة: الوحدة على أساس المنهج السلفي الوسطي، واتباع أهل العلم الربانيين، ممن لهم تجربة وعلم وعمل.

- كيف ترى مستقبل الدعوة الإسلامية في ظل الأوضاع التي تمر بها الأمة؟

- في وسط المحن تأتي المنح، ومستقبل الدعوة الإسلامية إذا التزمت بالعلم وسؤال أهل العلم ولزوم منهجهم مستقبل ناصع وباهر، وجذوة الإسلام باقية ودوحة الإسلام مثمرة، وخلية الإسلام تعسل دومًا وأبدًا إلى قيام الساعة.

 

 

شكر واجب لإحياء التراث

      وقبل أن أنهي هذا اللقاء، أود أن أشكر الله لمجلة الفرقان ولجمعية إحياء التراث الإسلامي، ولرئيس الجمعية المهندس: طارق العيسى أبو عبدالله، وجهودهم في خدمة الدعوة الإسلامية، ونشر المنهج السلفي الوسطي، والتحذير من المناهج المنحرفة، ويشهد بذلك القاصي والداني؛ فالجمعية، ومشايخها وعلماؤها، وشبابها، على ثغر عظيم، وهي ولا شك تعد منبرا عالميا لنشر الدعوة الصحيحة، وقد انتفع بجهودها كثيرٌ من شباب الأمة، فأسأل الله أن يوفقهم ويسددهم ويثبتهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك