رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 22 مارس، 2018 0 تعليق

د.إبراهيم الرحيلي أثناء لقائه وفد جمعية إحياء التراث الإسلامي فرع العارضية(1) تحرير المصطلحات من الموضوعات المؤثرة في إزالة الخلاف بين طلاب العلم

 

 

استقبل فضيلة الشيخ د. إبراهيم الرحيلي وفدًا من جمعية إحياء التراث الإسلامي فرع العارضية، وفي بداية اللقاء رحب الشيخ بالوفد قائلاً: أرحب بالإخوة من جمعية إحياء التراث الإسلامي في هذا البلد الطيب مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة الطيبة، وأسأل الله -تعالى- أن يجزيهم خيرًا على ما تكبدوه من عناء السفر والحرص على العبادة وعلى هذا الخير.

     ثم تحدث الشيخ عن موضوع: (تحرير المصطلحات وأثره في تنزيل الأحكام)، مؤكدًا أن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة جدًا التي أرى أنه ينبغي لطلاب العلم وللدعاة ولكل من له عناية بجمع كلمة أهل السنة وطلاب العلم أن يعنى به؛ لأنني أرى ومن خلال وجودي في الجامعة ووجودي في المسجد النبوي واتصالي بطلاب العلم؛، أرى أنه من الموضوعات المؤثرة في إزالة كثير من الخلافات وتحرير المسائل التي قد يرتفع بمعرفتها وتحريرها الخلاف بين طلاب العلم؛ لأنه -بحمد الله- بعد انتشار الدعوة كما يعلم الجميع وانتشار العلم وطلب العلم، أصبحت السنة معروفة، والبدعة معروفة، والحلال معروف، والحرام معروف، لكن مع ملاحظة أن هناك خللا يرجع لعدم تحرير المصطلحات، وهذا الخلل وصل إلى طبقة من بعض المنتسبين للسنة حتى التبس عليهم تحرير مصطلح العالم من هو؟ ومن السني؟ ومن البدعي؟ وبناء على التعريف تولد الخلاف وافترق الناس في المواقف.

      ثم بين الشيخ أن من الإشكالات الخطيرة ما يقع من خلاف بين المنتسبين للسنة، وهم على عقيدة واحدة، وعلى منهج واحد، ومع هذا يفترقون ويتولد عن هذا الاختلاف تفرق وتنازع؛ ولربما تهاجر، وقوضت جهود كثيرة، وتم التنفير من بعض أهل العلم وبعض العلماء وبعض الكتب وبعض الدروس بسبب هذا الخلاف.

      لا شك أن تحرير المصطلحات أمر مهم جدًا، وكلنا نعلم أنه ما دُرِّس بابٌ من أبواب العلم، إلا وتقدم بيان أحكام هذا الباب بالتعريف بهذا المصطلح؛ فعند دراسة الطهارة، تجد أن العلماء اعتنوا بتعريف الطهارة لغة وشرعا، وعند تدريس الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومسائل الاعتقاد: التوسل، والتبرك، والإيمان، كل هذه الجهود التي بذلها العلماء تدل على أهمية هذا الباب، وبرغم ذلك أصبح الآن طلاب العلم يمرون على هذا الباب مروراً سريعًا على اعتبار أنه تحصيل حاصل.

 

مصطلح الإيمان

     ثم ذكر الشيخ مثالاً عن مصطلح الإيمان، بأنه مصطلح شرعي معروف، وأن أهل السنة متفقون على مسائل الاعتقاد، وقال: ليس بيننا نزاع في أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وأن العمل من الإيمان؛ وهذا مما خالفنا فيه المرجئة، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن أهل السنة يرون الاستثناء في الإيمان، لكن لما وجدت بعض المسائل التي أحدثت، وكثر السؤال عنها في بداية الخلاف وقبل وجود الخلاف وجدت مسائل وأصبح الطلبة يسألون عنها كثيرًا، وفي وقت من الأوقات لا يكاد مجلس من مجالس العلم إلا ويسأل العلماء والمشايخ وطلاب العلم عن مسألة جنس العمل، وهل العمل شرط صحة أو شرط كمال؟ وحكم ترك العمل بالكلية؟ فكنت أناقش كثيرا من طلاب العلم، ولاسيما في مراحل متقدمة في مرحلتي الماجستير، والدكتوراة في مادة التخصص، وهي مباحث الإيمان وأجد أن هذه الشبهة وصلت إلى هؤلاء الطلبة الذين ما زالوا في مرحلة متقدمة من الدراسة، ولاسيما  في مجال التخصص؛ فدائمًا -وحقيقة- أتأمل كثيراً في هذا الخلاف وسببه وما مرجعه؟ فتبين لي بعد ذلك أن هذا مرجعه إلى عدم ضبط هذا المصطلح الإيمان ما حقيقته؟ والخلل هنا ليس في ضبط التعريف، بل في ضبط المعرف، هذا أمر عجيب قد يتعجب منه بعض الناس التعريف معروف : (الإيمان اعتقاد وقول وعمل).

     لكن ما المعرف هنا؟ هل هو أصل الإيمان؟ أو هو الإيمان الكامل؟ فعندما نحرر التعريف: (الإيمان اعتقاد وقول وعمل)، وماحكم ترك العمل؟ حكم ترك العمل يتفرع هذا الحكم عن معرفة المعرف، فإذا كان معرفه هو الأصل ونحن نقول: إن أصل الإيمان معروف بإجماع أهل السنة بأنه تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك والنطق بالشهادتين، واعتقاد وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، هذا أصل مقرر يأتي بعد ذلك الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، المباني الأربعة بعد الشهادتين هل داخلة في الأصل؟ فيكفر كل من ترك ركنا من أركان الإسلام؟ طبعًا هذا بعد اعتقاد وجوب هذه الأركان، أما إذا استحل  الترك فهو يكفر بها وبغيرها من الواجبات.

هل يكفر؟ أو لا يكفر؟

     لكن إذا أقر بوجوبها هل يكفر؟ أو لا يكفر؟ معلوم الخلاف في هذه المسألة، شيخ الإسلام نقل الخلاف عن السلف في هذه المسألة على خمسة أقوال، نقلتها كثيرًا في الكتب في (موقف أهل السنة) و(التكفير)، وهي خمس روايات عن الإمام أحمد، المقصود أن في قول من هذه الأقوال إنه لا يكفر بترك شيء من هذه الأركان الأربعة حتى الصلاة، وعلى قول آخر: يكفر بترك الصلاة، وعلى قول آخر: يكفر بترك الصلاة والزكاة، وعلى قول آخر: يكفر بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل عليها، وعلى قول آخر: إنه يكفر بترك ركن من هذه الأركان ولو كان الحج؛ فهذا الخلاف نعرف أنه موجود، مدار هذا الخلاف على أن أكثر أهل السنة لم يتفقوا على أن ترك الصلاة، فضلاً عن غيرها من الأركان أن تركها كفر؛ بحيث لو أردنا أن نحكي معتقد أهل السنة وما أجمعوا عليه كما نحكي إجماعهم على التكفير بترك الشهادتين لا يستطيع إنسان منصف أن يقول: إن أهل السنة اتفقوا على تكفير تارك الصلاة، حتى آذاننا لا تزال يعلق بها كلام الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وشيخنا في الفتاوى الصوتية التي تسمعونها يقول: إن ترك الصلاة كفر في أصح قولي أهل العلم، لماذا قال: «في أصح قولي أهل العلم»؟ الدليل على عدم الإجماع، طيب الآن نحن إذا حررنا المسألة مع أصلنا وهو أن العمل من الإيمان؛ فهنا وجد الإشكال: كيف يتصور وجود إيمان بلا صلاة؟ ولا زكاة ولا صوم ولا حج؟

وجه الشبهة

منذ سنين ونحن نتكلم ونناقش طلاب العلم، وفي النهاية تنبهت لوجه الشبهة فنحن الآن ما ضبطنا الشيء المعرف، وأذكر مرة بعض المشايخ المعروفين قال: كيف يتصور وجود إيمان بلا صلاة، ومابعدها من الأركان ؟

فقلت له: أي إيمان تسأل عنه؟ هل تسأل عن الأصل؟

إذا كان عن الأصل نعم يتصور عن بعض أهل العلم، وإذا كان إيمان كامل؟ فلا يتصور وجود إيمان كامل لا أقول في الصلاة والزكاة والصوم، بل حتى بر الوالدين  الشرائع الواجبة جميعها.

كيف يتصور أو لا نتصور؟

      ثم أيضاً هذه العبارة التي ترد عن بعض طلاب العلم (كيف يتصور أو لا نتصور)؟ هي ليست مسألة تصور ليست مسألة نظرية عقلية، إنما مسألة شرعية، وإلا نحن لو جئنا بتصور العقول أنت لا تتصور رجلاً بلغ 60 سنة وعنده بنك ربوي، ويوصي أبناءه بفتح البنوك، وهو يقر بأن الربا محرم، ويعتقد بالجنة والنار، وينتظر الموت في أي لحظة؛ فلو نظرنا إلى العقول أي عقول تتصور أن إنسان يجني على نفسه وعلى أسرته وعلى أهله، ويجمع هذه الأموال من المحرم، وهو مسلم وينتظر الموت، ويخشى من الحساب، نحن لانتصور بالعقول هذا، لكن المسألة ليست من تصور نظري.

     نحن نعلم أن من أقر بوجوب الواجبات وترك، قال شيخ الإسلام: معه نصف الإيمان، ومن اعتقد بتحريم المحرمات ولم يمتثل كتحريم الربا وما ترك الربا؛ فإن هذا مسلم عاصٍ، لكن يغلب الاعتقاد لو أنه استحل ولم يتعامل بالربا فهو كافر، هذه المسألة ليست مسألة تصور، إذاً لاحظوا هنا ما هو المعرف الآن؟ هل هو الإيمان الكامل؟ أو هو الأصل؟

      لو رجعنا إلى هذه المسألة إذا كان إيماناً كاملاً، نعم لا يتصور وجود إيمان كامل بلا عمل، بل لا يتصور إيمان كامل بترك شعبة واحدة من الشعب الواجبة، وهذا الموطن هو الذي رد فيه شيخ الإسلام على المرجئة فقالوا: إن الإيمان يكون تاماً في القلب ولا يثمر شيئا من العمل؛ فكان شيخ الإسلام يناقشهم في هذا، فجاء بعض إخواننا وأخذ بعض هذه العموميات وقال: «لا يتصور وجود إيمان بترك العمل»، ولكن لابد من معرفة أي إيمان؟

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك