رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 3 ديسمبر، 2019 0 تعليق

د. أبو بكر القاضي لـ(لفرقان): لابد من خريطة إصلاحية شاملة للشباب حتى يستطيعوا الصمود في المعركة بين الحق والباطل ( الحلقة الأخيرة)

 

ما زال الحديث مستمرًا مع ضيف الفرقان د. أبو بكر القاضي عن الشباب وآماله وآلامه، وقد تكلم الضيف في الحلقة الماضية عن أهمية العلم الشرعي في تحصين الشباب من موجات العولمة والانحرافات الفكرية والعقدية، واليوم نكمل ما بدأناه. > ما أخطر التحديات التي تواجه الشاب المسلم في زمننا الآن؟

- الصراع بين الحق والباطل ممتد عبر التاريخ، ويشمل مرحلة الشباب بوصفها أهم مرحلة من مراحل العمر، التي تشتد فيها الفتن؛ لأنها مرحلة العطاء الفكري والحركي الذي تنتظره أي أمة من شبابها، ولابد من خريطة إصلاحية شاملة لشخصية الشاب المراد تكوينها وإيجادها، لتقوى على حسم هذا الصراع في جانب الحق؛ فإن أمواج الفتن المتلاطمة من الشبهات والشهوات تزداد محنها يومًا بعد يوم،ٍ مِن الشبهات المشككة في صلب الاعتقاد، كالإلحاد، والتنصير، وشبهات أهل البدع: كالتصوف، والتمشعر، والاعتزال، وموجات العقلانية المشككة في التراث ونسبته للوحي، ومعالجة الوحي بأساليب وطرائق عقلانية، تجرده عن غيبيته وحكمه التعبدية!

     وكل ذلك لا يعالج إلا بالتحصين والتعليم، وتبديد ظلمات الشبهات باليقين، بحملات مركزة على ركائز الاعتقاد الصحيح، وأصول استدلال أهل السُّنة ومناهجهم في التلقي، والفروق بين السنن والبدع وانحرافات الفرق النارية، وشبهات الأديان المحرفة، والوضعية، والأيدولوجيات الكافرة، هذا بالنسبة للشبهات.

أشد خطرًا

     أما الشهوات فهي الأشد في خطرها على العالم العربي، ونظرة واحدة إلى المجتمعات العربية تبيِّن لنا ذلك الكبت، الذي كان يغذيه الإعلام الفاسد من الشهوات، شهوات العلو، وشهوات الفساد، والإباحية، التي تنتشر انتشار النار في الهشيم  بين ملايين الشباب المتابعين، وتشجيع الاختلاط، وإعادة سيناريو تعرية المرأة باسم تحريرها؛ فكل ذلك مِن التحديات التي تواجه استقامة الشباب.

- ما تأثير المجال الإعلامي في رأيك على الناس عمومًا والشباب خصوصًا؟

- لا أحد ينكر مدى أثر المسلسلات والمسرحيات، والأفلام، والروايات، في نحت الوعي والعقلية المعاصِرة بسلبياتها كلها، وإحداث نفسية المتفرج البعيد تمامًا عن أن يكون له دور في الصراع الدائر بين الحق والباطل، مع خلق نفسية التوحد مع بطل الرواية، أو المسلسل، أو الفيلم، أو المسرحية بسلبياته وقبائحه كلها، وسوء خلقه، وجرأته على المحرمات، حتى في تفاصيل ملابسه وأزيائه، وقَصَّة شعره، وتصدير الرويبضات على أنهم نجوم المجتمع ورموزه! ونظرة واحدة على المهرجانات السينمائية، وكَم الإنفاق على الفسق، وكيف يصب ذلك في خطف القلوب والأبصار لأمثال هؤلاء الذين يقودون مجتمعاتهم إلى الخراب معنويًّا وماديًّا، تبيِّن ذلك، {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء:16).

عالم الروايات

     وكذلك الأمر في عالم الروايات، كالفيل الأزرق، وتراب الماس لأحمد مراد، وأثرهما في إثارة الشهوات، وروايات (إليف شفاق): قواعد العشق الأربعون، وغيرها، في إحياء عقائد الحلول والاتحاد، والإباحية باسم الدين، والوصول إلى اليقين، وتبغيض الشريعة وأهلها للناس، من خلال صورة انطباعية عن قسوتهم، وعدم فهمهم لأشواق الروح، وغيابهم بالظاهر عن الباطن، إلخ؛ وذلك الفيلم العالمي (الجوكر) الذي تعدَّت إيراداته المليار دولار، وهو محرِّض على العنف والوحشية، والإجرام والتنمر، مسوِّغًا ذلك بضغط المجتمع والتسخط على القَدَر وقسمة الحياة، وتسويغ مسلك الأناركية والفوضوية، والثورة على الناس والحكومات والدين، حالة من الفوضى الثقافية أحدثها -ولا يزال يحدثها- الإعلام المضلل بالشبهات والشهوات، وزعزعة القِيَم والمبادئ، والدِّين، والتاريخ، متوازيًا مع الكيد العالمي الصهيوني، والماسوني الشيطاني!

- ما رأيك في وسائل التواصل الاجتماعي، وأثرها على الشباب سلبًا وإيجابًا؟

- وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين؛ فهي أداة لنشر الأفكار، والتعبير عن الذوات والآراء؛ فقد تكون أداة خير بنشر الحق، وقنوات إيصاله مسألة مسألة بطريقة متواكبٍة مع العصر، وقد تكون وسيلة لنشر التفاهات والسفاهات، بل ونشر الباطل والبدع، والفساد؛ لذلك نحن نحتاج أن نكون فعلًا، وليس رد فعل، على مستوى الإعلام بتفاصيله كلها، بإنشاء قنواتٍ مستقلةٍ، وصناعة الجمهور بالتسويق الجيد لسلع الخير، والدعوة والإصلاح ليس بديلًا، بل ننشئ الأصل الذي تقتضيه الفِطَر والعقول السوية، ونجدد الخطاب الديني بالمعنى الصحيح في وسائل وصوله، وليس في مضمونه؛ فالمضمون مكتمل ومحفوظ، وصالح لكل زمان ومكان، بل هو فوق كل زمان ومكان، والمقاطع والفيديوهات، والبرامج، والمنصات التعليمية، والأكاديميات، والمجموعات والصفحات، والرواية المنضبطة، والتمثيل المنضبط، والدورات الميدانية الإصلاحية دين ودنيا التي يتم تسويقها على مواقع التواصل، كلها أشكال لاستخدامها في إصلاح العيوب، وإحداث طفرة دعوية إصلاحية، رغم أنوف صانعي هذه المواقع التي تُعدُّ خطر وإدمانًا وإلهاءً لمَن لم يحسِن تحويلها لأدوات منافع وإصلاح!

- على مَن تقع مسؤولية ابتعاد الشباب عن الالتزام؟

- قال الله -سبحانه وتعالى-: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (القيامة:14)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا؛ فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» (رواه مسلم)؛ فالمسؤولية أولًا شخصية على كل مكلِّف؛ شابًا كان أم كهلًا أم شيخًا، أن يستقيم، ويحسن المسير إلى الله -عز وجل-، ثم تأتي مسؤولية البيت والمدرسة، والبيئة المحيطة، والصحبة، والمسجد، والدعاة، والحكومات، والإعلام، ولكن ترسيخ مبدأ المسؤولية الشخصية، يحدِث في نفوس الشباب داعية التحدي مع الاستعانة بالله للتغيير والتطوير، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).

- ما عوامل تكوين الشخصية السوية للشاب المسلم والفتاة المسلمة؟

- إن طريق بناء الشخصية الربانية لتقديم ذلك النموذج البطولي الذي ينشده الإسلام في المشارق والمغارب، لا يكون إلا بتوافر عوامل ضرورية لبناء هذا النموذج، بالتربية الواعية المتكاملة المتوازنة، التي تصنع كادرًا علميًّا مثقفًا، مزكى باطنه، صالحًا لينصر الدين في أي موقع، ومِن أي ثغر، واضعًا قدراته ومواهبه كافة لخدمة رسالته وقضيته، لا تأخذه في الله لومة لائم، مجاهدًا في سبيل إعلاء كلمة الله.

وتلك العوامل هي:

أولاً: العودة إلى القرآن الكريم

      تدبرًا وتفهمًا وتطبيقًا، وتخلقًا بآدابه؛ لنروي ظمأ الأرواح والقلوب بربيعه الثجاج، المتدفق بحقائق الوجود، والخلق والأمر، والتشريع؛ وذلك من خلال حلقات التحفيظ، والقراءات والمتشابهات إتقانًا، ومن خلال مجالس تربوية إيمانية تفسيرية للقرآن، وقد أوضح وأفصح عن هذا المشروع، وتفاصيله وأثره في إحياء الأمة، وتجديد أمر دينها، د. فريد الأنصاري في ثلاث مجلدات بعنوان: (مجالس القرآن).

ثانيًا: العودة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم

قراءة ودراسة لأحاديث كتب السنة، والسيرة النبوية ومراحلها، وتربيتها من خلال مجالس التحديث، ومجالس شرح الأحاديث، ومجالس السيرة؛ وذاك يشبع الاقتداء والائتساء بالقدوة الكاملة والأسوة الحسنة.

ثالثًا: دراسة الوحيين الشريفين

     (الكتاب والسنة) بفهم السلف الصالح مِن القرون المفضَّلة، بدراسة مسائل الاعتقاد مسألة مسألة، ودراسة الأحكام والعبادات والمعاملات مسألة مسألة، لإحداث العقلية المتشبعة بالوحي، الناقدة الواعية بحقيقة الدين المأمور به، وهو أخذ الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ومجانبة البدع والمحادثات، وتحرير مصطلح السلفية مما علق به بوصفه منهجا، واستيعاب أنه خط الدفاع الأخير.

رابعًا: دراسة القضايا الأصولية

     لابد من دراسة القضايا المنهجية الفارقة بين أهل السنة والجماعة وغيرهم، كقضايا الإيمان والكفر، والحسبة، ومقاصد الشريعة، وأصول السنة، والحاكمية، وفقه الاختلاف والتعددية، ومسائل الولاء والبراء، وتاريخ الصحوة والجماعات الإسلامية، مع إدراك الفروق بينها، والمذاهب الفكرية المعاصرة وخطورتها للتحصن من كل ذلك.

خامسًا: الدورات الميدانية

ولاسيما تلك التي تقربنا من الشباب في الطرح بالسابق كله، مع البعد التنموي النفسي الذي يجذب الشباب.

سادسًا: الاهتمام بالجانب الإيماني

لابد من تغذية الجانب الإيماني بإدارة جديدة، وطرح جديد لمسائل التزكية بضوابط أهل السنة والجماعة.

سابعًا: فقه المؤسسية

فقه المؤسسية في الإسلام لمواجهة التكتلات، والمؤسسات القائمة على نشر الباطل.

ثامنًا: الانطلاق من المسجد

استخدام الوسائل الإعلامية كافة في القرب من شرائح المجتمع، ولاسيما الشباب -كما ذكرنا وفصلنا- والانطلاق في ذلك من المسجد.

تاسعًا: تعزيز القدوات

 تعزيز مصادر ثقافتنا الأصيلة وتاريخنا المشرق، والعلماء والدعاة والمصلحين، حتى نواجِه ذلك  الزحف الإعلامي في تدمير رموز الماضي والحاضر.

عاشرًا: بث روح الأمل

لابد من بث روح الأمل والثقة، والاستبشار بنصر الله -تعالى-، مع التوازن لترسيخ الإحساس بالمسؤولية للعمل لهذا الدين والتأهل لذلك.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك