رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 28 مارس، 2018 0 تعليق

دور المعلم في الارتقاء بالمجتمع وبناء القيم الفاضلة عند طلابه

 

قال الله -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر» صحيح سنن أبي داود 3641.

      للمعلم الدور الأكبر في الارتقاء بالمجتمع ولاسيما مجتمعه الصغير (طلابه)، فغرس المفاهيم وبناء القيم عند طلابه وتربيتهم عليها، هي المهمة الأكبر والرسالة الأعظم، والناظر في واقع المجتمع يجده يئن من غياب القيم والمفاهيم الواضحة التي ترتقي به، بل يجد كثيرًا من الناس قد استبدل مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا بمبادئ وقيم وأخلاق غربية بعيدة عن روح شريعتنا وديننا القويم.

ولعلك تقول: إن المهمة صعبة بل مستحيلة ولا يمكن القيام بها!

فأقول لك: هل هناك شخص حاول قبل ذلك ولم ينجح؟

     قبل خمسين عاما كان هناك اعتقاد بين ممارسي رياضة الجري أن الإنسان لا يستطيع أن يقطع ميلا في أقل من أربع دقائق وأن أي شخص يحاول كسر هذا الرقم سوف ينفجر قلبه، ولكن أحد الرياضيين سأل: هل هناك شخص حاول وانفجر قلبه؟ فجاءته الإجابة بالنفي؛ فبدأ بالتمرن والمثابرة حتى استطاع أن يكسر الرقم ويقطع مسافة ميل في أقل من أربع دقائق.

في البداية ظن الناس أنه مجنون، أو أن ساعته غير دقيقة، لكنهم بعد أن رأوه صدقوا الأمر، واستطاع في العام نفسه أكثر من 100 رياضي أن يحطموا ذلك الرقم، وفي العام الذي يليه استطاع 300 رياضي تحطيم ذلك الرقم؛ فابدأ وستجد من يقلدك بعد ذلك.

ثقافة مجتمعنا

     نحن نأمل أن يتحقق على يديك: الحفاظ على ثقافة مجتمعنا العربي والإسلامي، وبث روح الانتماء لهذه الأمة ولدينها الحنيف، وهذا يتطلب منك أن تكون أكثر تطبيقا لهذا المفهوم؛ لأنه من السهل واليسير أن نعظ الطلاب ونذكرهم بهذه المعاني، ولكن يبقى التحدي الأكبر أن يراها الطالب فيك؛ فيرى أمامه أنمونجا محافظا على ثقافته الإسلامية ومنتميا لدينه الحنيف مستقيما عليه مؤديا لواجباته وحقوقه.

قضايا الأمة

أيها المعلم: تذكر دائما أن مشاهدة الطالب لك وأنت تعيش قضايا الأمة أنفع من مجرد الكلام عنها؛ فما أجمل أن يسمع الطالب كلاما جيدا! وأوقع منه أن يرى سلوكا معبرًا.

     ننتظر منك: أن تغرس في نفوس طلابك أن المقدسات، لن تعود إلا إذا رجعنا إلى ديننا، وأن الطريق إلى القدس يبدأ باستقامتنا وعودتنا إلى شريعتنا؛ فإن استطعنا أن نحول شريعتنا وهويتنا إلى واقع ملموس، وإن استطعنا أن نوجد جيلا يتحمل ويعتز ويعمل لهذا الدين العظيم، كان النصر بإذن الله حليفنا.

المواهب والطاقات

     ننتظر منك: اكتشاف هذه الأجيال التي بين يديك وطاقاتها وتطويرها وتدريبها وصقل مواهبها، ثم تقديم لبنات صالحة للأمة لتبني بها صرحها بين الأمم؛ فالطلاب من حولك مثل الأزهار، وأنت بينهم مثل صاحب الحديقة، تقطف الأنفع وتقدمه للمجتمع، وتصلح الباقي ليكون أنفع في مرحلة أخرى.

فمهمتك اكتشاف الطاقات والإمكانات الجيدة والمهارات الطيبة، ثم تطويرها وتنميتها ودفعها دفعا للمجتمع للعمل بإيجابية، ومهمتك أيضا اكتشاف العيوب والسلبيات، ومن ثم تقوم بتقويمها وتهذيب أصحابها حتى يتخلوا عنها ويقدموا الأفضل لهم ولمجتمعهم.

     وتأمل تاريخ أمتنا تجد أن صلاح الدين الأيوبي كان له معلم، ومحمد الفاتح كان له معلم، وكذلك رفيدة الأسلمية كانت لها معلمة، وحفصة بنت سيرين كانت لها معلمة، وابن خلدون, وابن القيم, والحصري, والمنشاوي, وجاد الحق, وغيرهم من الأعلام لهم معلمون أحسنوا توجيههم.

      ستجد في تلاميذك من تقدمهم للمجتمع؛ ليذبوا عنه كل شر، ويقدموا له كل نفع، ويساهموا في رفعة أوطانهم وبلادهم ودينهم؛ كمثل هؤلاء الذين كانوا تلاميذ ذات يوم ثم أصبحوا منارات للعلم وشموسا للخير على اختلاف مواقعهم ورتبهم واهتماماتهم وتخصصاتهم وأبواب الخير التي كانوا عليها.

     وأنت كذلك -أيها المعلم- كان لك معلم غرس فيك قيما نبيلة وسلوكيات وأخلاقيات كريمة لا زلت متأثرا بها وتعمل بها وتحاكيها؛ فلا تبخل على نفسك بأن تجري حسناتك وأنت في قبرك كما أظنها تجري على هؤلاء المعلمين والأساتذة الذين علموك ونصحوا لك.

المعلم العظيم

إن المعلم العظيم هو من لم يقنع بملء وقته بالتعليم والتدريس والإصلاح فقط، بل يفكر في ألا تموت حسناته بموته.

أيها المعلم.

إن تكوين النظرة السليمة للحياة مهمة في عنق كل مرب ومعلم تجاه من حوله من الطلبة والشباب، وكلما كانت النظرة عميقة ودقيقة كان سلوك الشاب أكثر إيجابية ونفعا لنفسه ولمجتمعه.

     نعم: إنها مهمة كبيرة، ولاسيما مع كثرة العقبات والمعوقات وتزاحم الشهوات والشبهات، إنها مهمة الأنبياء مع أقوامهم وأتباعهم، وقد ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها-: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بقي منها؟»، قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: «بقى كلها غير كتفها».

نظرت عائشة -رضي الله عنها- للأمر بنظرة الحال؛ فالذي بقي بالفعل بعد إطعام الناس هو الكتف، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وجه نظرتها إلى الأكمل والأصوب، إلى البقاء بعد الثواب }والأخرة خير وأبقى{.

أيها المعلم: على قدر ما تتعنى وتجتهد في تكوين النظرة السليمة لدى الأجيال وتقرير الأهداف والغايات العظيمة يكون قدر نجاحك في أداء الأمانة والقيام بالرسالة.

دور وقائي

ننتظر منك: دورًا وقائيًا لاسيما بعد الانفتاح الهائل بين الثقافات والأمم والشعوب، وبعد أن أصبحت المفاهيم الخطأ والسيئة والانحراف الفكري والشهواني في متناول الجميع.

هنا يبرز دورك الوقائي بتقوية الضمير الأخلاقي، والوازع الديني لدى النشء، ليكون بمثابة الدرع الواقي أمام سهام الفتن والشهوات؛ فنقش المفاهيم في الصغر كالنقش على الحجر.

ونهمس في أذنك قائلين: إن إهمالك لهذا الدور يستغله أهل الباطل وأصحاب المناهج المنحرفة في بث سمومهم وأفكارهم وما يريدون من فواحش ورذائل، وقد تعلمنا منكم: (الوقاية خير من العلاج وأنفع).

الأخلاق الفاضلة

     ننتظر منك: غرس الأخلاق الفاضلة والحميدة في نقوص الطلاب؛ فهي (ترمومتر) استقامة المجتمع والأمة؛ فالأخلاق هي رأس مال الأمم والشعوب، ونحن أصحاب شريعة ورسالة حثت على الأخلاق الكريمة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولا شك أن المجتمع يعاني أزمة أخلاقية وسلوكية منقطعة النظير، والواقع يشهد بذلك، وأنت أمين ومؤتمن على أخلاق هذا الجيل.

      نريد أجيالا تتبنى الأخلاق الحميدة وتحولها إلى سلوك، وليس مجرد حفظ لها وترديد لشعاراتها، وإلا فما قيمة أن يحفظ الطالب النصوص والبيت من الشعر في الأخلاق وهو لا يطبقها ولا يترجمها في أرض الواقع؛ فالذي يبني المجتمع هو تلك المبادئ والقيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية حينما تتحول إلى واقع ملموس، وهذا هو دورك أيها المعلم.

  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك