رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 23 أغسطس، 2016 0 تعليق

دور العمل الوقفي في التنمية المجتمعية

العمل الوقفي يعد مصدراً لنماء اقتصاد المجتمعات فمن خلاله يسهم المجتمع في البذل والعطاء والإنفاق فيتربى على السخاء ودفع المال لمن يحتاجه

ضعف القطاع الوقفي تسبب في كون 40% من فقراء العالم مسلمين وما يقارب من 35% أميين و8 ملايين طالب في العالم العربي لم يجدوا مقاعد دراسية في العام الدراسي 2012-2013م

 

الوقف شرع لأهداف سامية، ومقاصد نبيلة، وامتاز بتنظيم محكم دقيق، فكان وما زال رافدًا وفيرًا لتحقيق الغايات والمقاصد الشرعية، ومقومًا أساسيًا في بناء الحضارة الإسلامية. وفي زماننا نتساءل، وحق لنا هذا التساؤل: لماذا هذا العقوق للوقف؟! ولماذا غُيب دور مؤسساته التي قدمت خدمات مختلفة المجالات على مر العهود الإسلامية؟!

- ألم يكن الوقف على مر العصور الإسلامية مصدر تمويل دائم، حقق المصالح الخاصة والمنافع العامة لأفراد المجتمع؟!

- أهنالك مؤسسات في الدنيا قدمت ما قدمه نظام الوقف ومؤسساته ومشاريعه؟!

- ألم يكن الوقف الإسلامي من أهم ميادين البر، وأغزر روافد الخير، وأفسحها مجالًا، وأعظمها أجرًا، وأبقاها عملًا، وأكثرها تأثيرًا؟!

- ألم يكن الوقف الإسلامي بمؤسساته ومخرجاته للأمة خير معين، وسندًا لجهادها، وسدًا لحاجاتها، ودعمًا لعلمائها ودعاتها، وحفظًا لهويتها وحيويتها؟!

- ألم توفر مؤسساته كل متطلبات ومستلزمات حفظ المسلمين ورعاية الأمة وأمنها وكرامتها؟!

- ألا يشفع لهذا النظام دوره الحضاري ومساهماته في النهضة الإسلامية الشاملة، وحفظه للهوية وللقيم الإسلامية، وحمايتة للثروات والأموال وصرفها في مصارفها الشرعية؟!

- ألم يكن حاضرًا في حياة الإنسان من مهده إلى لحده، سواء كان فقيرًا أم غنيًا، ملازمًا له لا فكاك عنه منذ ولادته إلى وفاته؟!

- لماذا تضاءل دور الوقف الإسلامي في عصرنا وبلداننا؟! وكيف لنا أن نسترجع مكانته؟!

     ومن يقرأ تاريخ الوقف الإسلامي عبر العصور ليجدنَّ أمرًا عجبا، وليلْحظن بأم عينه المساحة الواسعة للأوقاف في الدولة الإسلامية، حتى لقد بلغت بعض البلاد الإسلامية آنذاك مبلغا عظيما في جانب الأوقاف؛ فلقد حصرت المساحات الزراعية فيها فوُجِد أن ثلثي تلك المزارع قد أوقفت وقفا خيريا أو ذريا.

     غير أن الرامق ببصره والمصغي بأذنه في زمننا هذا ليدرك عمق الهوة بيننا وبين ماضينا في باب الأوقاف، ولسوف يرى مدى انحسار الوقف في عصرنا الحاضر ليغيب عن وجوده المعهود أزمانًا خلت.. والذي يرجع سببه إلى الجهل بقيمته وفضله وإلى التسويف والتأجيل إلى أن تحل المنية...

     ولا شك أن ضعف هذا القطاع الواسع وفقدانه من الأوقاف تسبب في كون 40% من فقراء العالم مسلمين! وما يقارب من 35% أميين، و8 ملايين طالب في العالم العربي لم يجدوا مقاعد دراسية في العام الدراسي 2012-2013م.

     ألا يدعونا ذلك للدفاع عن الوقف الإسلامي بكل ما أوتينا من قوة؟! وألا يتطلب ذلك وبعجل الاهتمام بدراسة العوامل السلبية التي طرأت على الوقف الإسلامي، ومؤسساته، التي استغلها بعض المغرضين في تشويه صورة الوقف الإسلامي؟!

التنمية التي يحققها العمل الوقفي

     العمل الوقفي ومشاريعه كان وما زال مصدر قوة للأمة، والتاريخ شاهد على ما قام به من إنجازات عجزت عن مجاراتها أمم وشعوب؛ فالجوانب الإنسانية بلغت في استيفاء حاجات الفرد والمجتمع مبلغاً عظيماً، عملت على إسعاد البشر بالحفاظ على عقيدتهم وتوحيدهم وعلمهم وكرامتهم وسمو أخلاقهم، وهناء حياتهم، وحمايتهم من كل ما يضرهم. والتنمية التي يحققها العمل الوقفي للمجتمع متعددة المجالات وأجمعها في الآتي:

1- التنمية الاجتماعية:

     العمل الوقفي والتطوعي له دور مهم في التنمية الاجتماعية للمجتمع؛ فمن خلاله يحافظ على القيم والأخلاق والفضائل، ويحافظ على الثوابت الدينية، وكذلك العادات والتقاليد النابعة من تعاليم الإسلام الحنيف، وتنمية المشاعر الإنسانية ومد الرعاية للمستضعفين وتقديم المساعدة والتوجيه لكل من يحتاجها.

     والعمل الوقفي والتطوعي يحل الكثير من المشكلات المجتمعية، ويحد من الظواهر السلبية، وينمي في المجتمع حسن التعامل فيما بينهم، ورقي التعامل مع الآخرين ومعه يكون المجتمع إيجابياً، فالعمل التطوعي يدفع الفرد ويشجعه على أن يكون إيجابياً في مجتمعه يشاركه أفراحه وأحزانه، ويشاركه في حل مشكلاته، ومراقبته للسلبيات التي تؤثر في تماسكه وترابطه.

2- التنمية العلمية والثقافية:

     التنمية العلمية والثقافية في صلبها مبنية على العمل الوقفي والتطوعي، ومدارها خدمة المجتمع للمجتمع، فمن خلال العمل التطوعي تبنى المدارس والمراكز والمكتبات والجامعات ومراكز البحوث العلمية والاستشارية، وقد أثبت التاريخ والواقع بأن التنمية العلمية والثقافية هي التي تصنع الحضارة، وأن التنمية لا يمكن أن تتم للعلم والثقافة من غير مساهمة المجتمع؛ فهي تنمية منه وإليه. وشهد التاريخ بأن العلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين والأطباء والفلكيين وغيرهم من البارعين المميزين كانوا متطوعين، وأنتجوا لأمتهم ولمجتمعاتهم إرثاً علمياً ما يزال أثره بعد مضي أكثر من قرن من الزمان.

     والتنمية الفكرية كانت من خصوصيات المجتمع الإسلامي، فهو الذي تكفل بإيجاد الأوقاف التي خصصت للمدارس، فأنشأت المدارس، وكانت كلها أوقافاً ولم تكن للدولة سيطرة عليها، ولا تشغيل لها، فبرزت المدارس الوقفية في القدس ودمشق وبغداد وفاس والحجاز وغيرها في حاضرة العالم الإسلامي، وكانت تدار وتعمل بعمل تطوعي أهلي. وتحقق بذلك للأمة مكانة عظيمة، وحضارة في شتى المجالات، ولم يكن العمل التطوعي عملاً محصوراً في حال النكبات والأزمات، بل كان مبادراً، وهو متواجد في حال الحاجة، ومبدعاً في حالة النماء والاستقرار.

3- التنمية الصحية والبيئية:

     ما زال للعمل الوقفي والتطوعي الدور الواسع في التنمية الصحية والبيئية؛ فالمجتمعات التي تنشئ المراكز الصحية، وتوفر العلاج والدواء لمن يحتاجه، والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، وتثقيف المجتمع بسبل التعامل معهم، ورعايتهم وحقهم علينا، هي مجتمعات متماسكة متعاطفة، تشعر بآلام الآخرين.

     وللعمل الوقفي دور في نشر الوعي الصحي في المجتمع من خلال مراكز تطوعية، تسهم في التواصل مع أفراد المجتمع، وتشاركهم اهتماماتهم وهمومهم، وتوجههم وتتفاعل معهم لإيجاد بيئة صحية سليمة، واعية بمشكلات البيئة وسبل علاجها. وذلك لا يمكن أن يتم بطريقة متكاملة إلا إذا ساهم المجتمع بمؤسساته التطوعية لإبراز تلك المشكلات وكشفها وبيان أثرها على البيئة والصحة.

4- التنمية الاقتصادية:

     والعمل الوقفي يعد مصدراً لنماء اقتصاد المجتمعات، فمن خلاله يسهم المجتمع في البذل والعطاء والإنفاق، فيتربى على السخاء، ودفع المال لمن يحتاجه، وخدمة المجتمع الذي يعيش فيه، ويدفعه للمساهمات المادية والجهدية كل حسب طاقته، فتبنى وتعمر المنشآت للخدمات العامة والمدارس والمستشفيات والمساجد والمراكز، وتحرك بذلك عجلة الاقتصاد، بتدوير المال وعدم اكتنازه وبذلك تنشط الدورة الاقتصادية.

     فعطاء المجتمع في حقيقته تنمية اقتصادية، والتاريخ الإسلامي خير شاهد على ذلك. والأعمال التطوعية هي تحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل؛ حتى بلغت في بعض العهود الإسلامية الأوقاف مبلغاً وصل إلى أن من 30- 40% من الأيدي العاملة والقوى البشرية تعمل في الوقف ومؤسساته الخيرية والاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية.

5- التنمية البشرية:

     التنمية البشرية هي أساس تنمية المجتمعات وتفاعلها وعطائها، وهي من الإنسان للإنسان، فلا يمكن أن تتم التنمية البشرية إلا من خلال الإنسان، والعمل الوقفي والتطوعي كذلك هو أساس من أسس التنمية البشرية، فمن خلال المؤسسات التطوعية وأعمالها تصقل المهارات، وتنمى القدرات، وتكتسب المعلومات، وينمى فيه شعور الانتماء للمجتمع. فمن خلال العمل التطوعي يحقق الفرد ذاته، ويثق بنفسه، ويفتح آفاقه ويحقق نجاحه، ويرى آثار عطائه وأعماله وغاياته.

     ومؤسسات العمل التطوعي الفاعلة تعد مدرسة لتخريج الطاقات الشبابية الراغبة في خدمة المجتمع؛ ففيها تُشغل أوقات الشباب بما هو نافع ومنتج، ويحافظ على الأوقات والطاقات، ويقلل المظاهر السلبية الناتجة عن تضييع الأوقات بالمهلكات.

     والإنسان هو العنصر الأساسي في تحقيق الأهداف التنموية، فلا يتحقق النماء في المجتمعات إلا إذا أولينا الإنسان الاهتمام والرعاية والنماء. وفي قول الله تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك} دافع للإنسان أن يستعمل نعم الله عليه في طاعته وحاجات خلقه؛ فالتنمية البشرية والعمل التطوعي حلقتان في سلسلة حفظ ورعايتها ونمائها القدرات البشرية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك