رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فوزية المحمد 24 أكتوبر، 2017 0 تعليق

دور العمل التطوعي في رفع مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية

 

يُعد العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتنميته، ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، وهو ممارسة إنسانية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمعاني الخير والعمل الصالح، عند المجموعات البشرية كلها منذ الأزل، ولها دورها المهم في عملية التغيير الاجتماعي، في تحقيقنا هذا نناقش مع بعض الاختصاصيين، أهمية العمل التطوعي في مجتمعنا، ودوره في التنمية الاجتماعية.

     في البداية قالت نورة العنزي، الباحثة في مجال الخدمة الاجتماعية، التي أعدت رسالة ماجستير عن العمل التطوعي: إن العمل الاجتماعي التطوعي من وجهة نظرها، هو مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية، سواء بالرأي أم بالعمل أم بالتمويل أم بغير ذلك من الأشكال.

السلوك التطوعي:

     وترى الباحثة العنزي، أن العمل التطوعي يختلف في حجمه وشكله واتجاهاته ودوافعه من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى؛ فمن حيث الحجم يقل في فترات الاستقرار والهدوء، ويزيد في أوقات الكوارث والنكبات والحروب؛ ومن حيث الشكل فقد يكون جهداً يدوياً أو مهنياً، أو تبرعاً بالمال، أو غير ذلك؛ ومن حيث الاتجاه فقد يكون تلقائياً، أو موجهاً من قبل الدولة في أنشطة اجتماعية أو تعليمية أو تنموية؛ ومن حيث دوافعه فقد تكون دوافع نفسية أو اجتماعية أو سياسية.

معوقات العمل التطوعي

     وتحدد الباحثة عدداً من المعوقات التي تعترض مشاركة الشباب في الأعمال التطوعية الاجتماعية منها: الظروف الاقتصادية السائدة، وضعف الموارد المالية للمنظمات التطوعية، فضلا عن بعض الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع، كالتقليل من شأن الشباب، وضعف الوعي بمفهوم وفوائدها المشاركة في العمل الاجتماعي التطوعي، وكذلك قلة التعريف بالبرامج والنشاطات التطوعية التي تنفذها المؤسسات الحكومية والأهلية، ويضاف لها عدم السماح للشباب للمشاركة في اتخاذ القرارات داخل هذه المنظمات، وقلة البرامج التدريبية الخاصة بتكوين جيل جديد من المتطوعين، أو صقل مهارات المتطوعين، ثم قلة تشجيع العمل التطوعي، كما تطرح الباحثة توصيات عدة خرجت بها للنهوض بالعمل التطوعي، منها: إتاحة الفرصة أمام مساهمات الشباب المتطوع، وخلق قيادات جديدة، وعدم احتكار العمل التطوعي من فئة أو مجموعة معينة، وتكريم المتطوعين الشباب، ووضع برنامج امتيازات وحوافز لهم، وكذلك تشجيع العمل التطوعي في صفوف الشباب مهما كان حجمه أو شكله أو نوعه، وتطوير القوانين والتشريعات الناظمة للعمل التطوعي، بما يكفل إيجاد فرص حقيقية لمشاركة الشباب في اتخاذ القرارات المتصلة بالعمل الاجتماعي، فضلاً عن إنشاء اتحاد خاص بالمتطوعين، يشرف على تدريبهم وتوزيع المهام عليهم، وينظم طاقاتهم، والعمل على تشجيع الشباب، وذلك بإيجاد مشاريع خاصة بهم، تستهدف تنمية روح الانتماء والمبادرة لديهم.

فضيلة إنسانية

     الدكتور عبدالرحمن القحطاني أستاذ الإعلام، وباحث في العمل التطوعي، يقول: الإنسان حينما يعمل عملاً تطوعياً دون مقابل، فلابد من شيء مقابل، والمقابل ليس بالضرورة أن يكون شيئاً ماديا، بل قد يكون شيئاً معنوياً؛ بمعنى أن تشعر برضا نفسي، وتشعر أنك تقدم شيئاً للمجتمع، وتشعر براحة نفسية، والذي يعمل في مجال التطوع أجره قوي جداً، ولديه حافز قوي يدفعه إلى العمل، ويضيف: العمل التطوعي هو فضيلة إنسانية للإنسان، وليس مقتصراً على التراث العربي والإسلامي، على الرغم من أنه جزء من تراثنا وتقاليدنا وعاداتنا، لكنه موجود في الديانات السماوية، وفي جميع الحضارات البشرية، ولدى الشعوب كلها، ويضيف: التطوع هو أن يقوم الشخص الفردي بعمل مجاني لخدمة أخيه الإنسان في المجتمع من أجل تحقيق هدف معين، ومثل ذلك أن أقوم بنظافة البيئة ونظافة الشارع، أو أن أقوم بعمل جمعية خيرية تطوعية، بعيداً عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وبعيداً عن كل الآخرين؛ ذلك خدمة للمجتمع، وهذا هو التطوع في مفهوم شعوب العالم، سواء في الشرق أم في الغرب.

قوانين وضوابط

     النقطة الأخرى التي أود التطرق إليها، هي أنه لا يفتح مجال التطوع للشخص إلا بعد أن يضمن بأن هناك قوانين تحميه، ولابد من تنفيذ المهمة بفاعلية وبطريقة صحيحة والمحافظة على المواعيد، وقواعد العمل الجماعي، والتعامل الإنساني مع الجميع، هذا هو التطوع وليس إنشاء جمعيات خيرية دون أنظمة لوائح، بل يجب أن يكون لهذه الجمعيات ميزانيات وبرامج وموظفون يأخذون رواتب شهرية.

دوافع العمل التطوعي

     الدكتور أيمن إسماعيل محمود يعقوب أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام يقول عن دوافع العمل التطوعي: إن دوافع التطوع في الدول المتقدمة تختلف عنها في الدول النامية، طبقاً لظروف كل مجتمع، ففي المجتمعات المتقدمة تتم المشاركة التطوعية لدوافع اجتماعية، تتمثل في الوعي الاجتماعي، والنجاح في التعامل مع الآخرين، والرغبة في الحصول على مكانة اجتماعية، والحاجة إلى الاتصال بمجالات العمل والحياة المهنية، بينما في المجتمعات النامية؛ فالدوافع الأساسية للمشاركة التطوعية تكمن في اتجاهين رئيسين: يرتبط أولهما بمدى ما يحققه المشروع من فائدة مباشرة للمتطوع، ويرتبط ثانيهما بقيم دينية أو ثقافية معينة، فإلى جانب اختلاف الدوافع تختلف مع مستوى الأفراد بحسب المستوى العلمي، والاقتصادي، وحسب العمر الزمني، والحالة الاجتماعية، والوضع الاجتماعي، فإن هذا الاتجاه يؤكد على أن الجذب لعملية المشاركة التطوعية يرتكز علي جوانب دينية أو ثقافية وتؤثّر على المشارك.

ركيزة لبناء العلاقات

     الدكتور محمد أحمد الجوير عضو هيئة التدريس بكلية الدراسات التطبيقية بجامعة الملك سعود والمستشار بالتلفزيون السعودي، يقول: بما أن المفهوم العام للعمل التطوعي هو بذل الجهد أو المال أو الوقت أو الخبرة بدافع ذاتي دون مقابل، فهو يُعد في ديننا الحنيف ركيزة أساسية في بناء علاقة الفرد المسلم بأخيه المسلم قال صلى الله عليه وسلم : «المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا»، فالعمل التطوعي من القيم والخصائص الاجتماعية التي تساهم في شكل فاعل في تحقيق أهداف وطموحات الأفراد والمجتمعات. ويضيف د. الجوير: إن للعمل التطوعي مستنداً شرعياً، فقد حث الإسلام ورغب في أعمال الخير، ويدخل العمل التطوعي ضمناً في هذه الأعمال، ولقد جاءت آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة، تحث على عمل الخير للناس كافة، المسلم وغير المسلم، فمن هذه الآيات قوله تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: 2)، وقوله تعالى {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} (البقرة: 184)، ومن السنَّة قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب القيامة»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس أنفعهم للناس»، والناس هنا جاءت نكرة لتشمل المسلم والكافر، وهذا من كمال وشمولية الإسلام وعنايته بالبشرية جمعاء. هذه الآيات والأحاديث تعد مدخلاً يلج منه العمل التطوعي بأشكاله المتنوعة، من العون والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك يبيّن عظمة الإسلام.

أنواع العمل التطوعي:

     ويشير د. الجوير إلى أن مفهوم العمل التطوعي في عالمنا الإسلامي يرتبط بقيم التكافل الاجتماعي، وليست له دوافع ذاتية. من أنواع العمل التطوعي التي حثنا عليها الإسلام: (التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة، وفي الإغاثة، وفي حل الأزمات، وتخفيف آثار الفقر والعوز) إلى غير ذلك من الأعمال داخل المجتمع، وعلى سبيل المثال «تدريس النشء كتاب الله، وتفطير الصائمين، وقضاء حوائج الفقراء والمساكين» وغير ذلك. ويضيف د. الجوير أن أسمى أعمال التطوع هي التي تنبع من الذات التي لا تنتظر أجراً مقابلاً لذلك؛ فالذين يقومون بأعمال التطوع أشخاص نذروا أنفسهم لمساعدة الآخرين بطوعهم واختيارهم، والدافع الديني يأتي على رأس قائمة الدوافع لهذه الأعمال، ويرى د. الجوير تنمية هذا العمل في نفوس الجيل عن طريق المدرسة في مادة التربية الوطنية، فضلا عن قيام وسائل الإعلام المختلفة بالدور المناط بها وتكريس هذه القيم الأخلاقية النبيلة.

من ركائز التنمية الشاملة:

     خالد الأنصاري عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية قال: إن مفهوم (ثقافة العمل التطوعي) بمبادئه وأبعاده وقيمه وأخلاقه؛ يعد ركيزة من ركائز التنمية الشاملة في الإسلام؛ وهو عبارة عن ممارسة خيرية ارتبطت بشريعتنا الغراء؛ وقد نشأت ثقافة العمل التطوعي في الإسلام من خلال عقيدة راسخة في قلوب المسلمين، نابعة من الإيمان بالله واليوم الآخر، وهي التي دفعت المجتمع الإسلامي -على مر العصور أفراداً وجماعات- إلى المسارعة لفعل الخير؛ وتقديم يد المساعدة والعون للآخرين، ابتغاء مرضاة الله -عزَّ وجلّ-َ: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

     ولقد حث ديننا الحنيف على المبادرة في الأعمال التطوعية، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال عزَّ وجلَّ: {ومّن تّطّوَّعّ خّيًرْا فّإنَّ الله شّاكٌرِ عّلٌيمِ}. وقال صلى الله عليه وسلم : «خير الناس أنفعهم للناس».

     فنجد أن الإسلام يدعو لنشر ثقافة العمل التطوعي المتمثّل في التكافل والتعاون والرعاية الاجتماعية، وحث الناس على نفع الغير، وعلى البر والرحمة والعدل والإحسان، وإصلاح ذات البين ونصرة المظلوم وغير ذلك من الأعمال التطوعية.

     والمتأمل في دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجد فيها نماذج للأعمال التطوعية؛ حيث كانت قائمة على ذلك. وإن لمصطلح التطوع في شريعتنا الإسلامية معاني متقاربة، تحمل في طياتها مفهوم المساعدة والزيادة في فعل الخير، سواء القاصر أو المتعدي، وتقديم العون والمساعدة لجميع أفراد المجتمع.

نشر ثقافة التطوع:

     لذا يجب علينا السعي في نشر ثقافة العمل التطوعي في داخل الأسر ومن خلال المؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية؛ وجميع وسائل الإعلام، بل في المجتمع ككل؛ مما يزيد في تماسكه ووحدة صفه، ولكون هذه الثقافة عاملا من عوامل بناء المجتمعات المتقدمة والرقي بها نحو مستقبل مشرق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك