رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 مايو، 2023 0 تعليق

دورة نظمها مركز عبدالله بن مسعود لتعليم القرآن الكريم – دعوتنا ووسائل التواصل

نظم مركز عبدالله بن مسعود لتعليم القرآن الكريم -التابع للجنة العالم العربي بجمعية إحياء التراث الإسلامي الأسبوع الماضي يومي الأحد والاثنين الموافق 14 - 15 مايو- دورة بعنوان: (كيف أدعو إلى الإسلام في مواقع التواصل الاجتماعي؟) قدمها الشيخ الداعية: حيّان اليافعي، وكان من أهداف الدورة بيان مفهوم الدعوة إلى الله -تعالى- وأهميتها ومجالاتها ووسائلها، وأن العمل للإسلام واجب على كل مسلم، كذلك بيان كيفية دعوة غير المسلمين، وإنشاء الصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعليم طريقة متابعة المسلمين الجدد ومصادر المواد الدعوية.

      في بداية محاضرته في اليوم الأول للدورة، بين اليافعي أنَّ الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- تعود معانيها في اللغة العربية إلى معان عدة، من أشهرها النداء؛ فالداعي إلى الله -سبحانه جل في علاه- يدعو وينادي {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} أي يناديكم ويحثكم.

      يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله في تعريف الدعوة إلى الله-: هي الدعوة إلى الإيمان به -سبحانه جل في علاه-، وبما جاء به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا، إذًا الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به -جل في علاه-، والإيمان بربوبيته -سبحانه- وبوحدانيته وبدلالة الخلق عليه.

من دلَّ على خيرٍ

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجرِ فاعلِه»، تخيل معي إذا دعوت إلى الله فاستجاب لك شخص، فكل حسنة يفعلها هذا الشخص بسببك فهي في ميزان حسناتك بإذن الله -تعالى-، تخيل كم من الأجور ينالها الدعاة إلى الله -سبحانه و-تعالى-! إذا أسلم على يديك عشرة أشخاص، تأتي يوم القيامة وهؤلاء العشرة في ميزان حسناتك، أي حسنة يفعلونها تكتب لك عند الله -سبحانه جل في علاه.

التعريف بالإسلام

      وأما ما يتعلق بهذه الدورة وهي: (التعريف بالإسلام في وسائل التواصل)، نجد أن هذا التعريف يشمل معاني عدة، أولاً- المعرف: وهو الشخص الذي يقوم بتعريف غير المسلمين بدين رب العالمين -سبحانه جل في علاه-، وهذا الشخص لا يلزم أن يكون طالب علم، بل قد يكون رجلا من سائر أبناء المسلمين، يعطي صورة جيدة عن دين الإسلام، وينشر محاسنه، ويبين عقائد المسلمين، ويزيل بعض الشبهات التي علقت في أذهانهم، ويزيل التصورات الخطأ عن هذا الدين، وينافح ويدافع عن دينه، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا من أعظم مجالات الدعوة إلى الله، قال -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران 104)، فالمسلم الذي يأمر بالخير ويدل الناس على الخير داع إلى الله -سبحانه جل في علاه. وكذلك التعليم والبيان من الدعوة إلى الله -تعالى-، قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4)؛ فالذي يعلم الناس أحكام دينهم، ينشر أحكام الصيام وأحكام الصلاة، ويعرفهم بأحكام الزكاة، هذا داعٍ إلى الله -سبحانه جل في علاه.

البلاغ والبيان

      وأيضا من معاني الدعوة البلاغ والبيان، قال -تعالى-: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور:54)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «بلغوا عني ولو آية»، فالذي ينشر الآيات القرآنية وينشر التلاوات الخاشعة، ويبلغ كلام الله -سبحانه وتعالى-، هذا داعٍ إلى الله، وأيضًا الوعظ والإرشاد، قال -تعالى-: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، فالذي يعظ وينصح ويذكر الناس بأمور الآخرة، وبالأجر والثواب المترتب على فعل الطاعات، والمسابقة في الخيرات، هذا داعٍ إلى الله -تعالى-، ولفظ الإرشاد ورد في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} (الكهف 17).

      إذا هذه مصطلحات جاءت في كتاب الله، تبين لنا أن الدعوة إلى الله لها وسائل متعددة، وفي عصرنا الحالي كثرت هذه الوسائل بشكل لا يكاد يخفى عليكم، فهناك (الفيسبوك والتويتر واليوتيوب والانستجرام) وغيرها، لكن من أشهر الوسائل المفيدة في دعوة غير المسلمين (الفيسبوك).

اغتنام هذه الوسائل

      هذه الوسائل يستخدمها أعداء الإسلام وأعداء الفضيلة في نشر الباطل والترويج له، ونشر الشبهات وانتزاع الحياء من الأسرة المسلمة، وفي تشكيك المسلم في دينه؛ فهناك الآلاف من القنوات والصفحات ودعاة السوء يبذلون من أموالهم وأوقاتهم الشيء الكثير، لصد الناس عن دين الله -سبحانه جل في علاه-، قال -تعالى-: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (النساء 27)، فإذا لم توجد المدافعة وإذا لم توجد المراغمة، وإذا لم يوجد أهل الخير ممن يدافعون ويقللون الشر ويزاحمون هؤلاء فسيكون كما قال الله -تعالى-: {ميلاً عظيمًا}، سيحدث الميل في الأسرة المسلمة، وسيدخل الميل العظيم عليك في دارك وفي أولادك.

يجب أن ندعوهم قبل أن يدعونا

     كنت أرى أحد الدعاة إلى الله في أمريكا في نيويورك يدعو إلى الله في كل مجال، كلما رأى شخصا يذهب إليه ويتكلم معه، ويذهب إلى الكنائس، ويتكلم مع الناس في الطرقات، حتى العساكر يتكلم معهم، فقلت له: من أين لك هذه الهمة؟ فقال يا شيخ حيان احفظها مني: «يجب أن ندعوهم قبل أن يدعونا، إن توقفنا عن دعوتهم سيأتون إلينا ويدعوننا إلى دينهم»، وعندما يسكت أهل الحق يتكلم أهل الباطل، أما عندما يتكلم أهل الحق بعلم وحكمة ووعي، فلا شك سيسكت أهل الباطل وسيندحر باطلهم، قال -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء:18).

فرصة عظيمة ونعمة جليلة

      إذًا أنا أحث نفسي وإخواني على اغتنام هذه الوسائل؛ لأنها فرصة عظيمة ونعمة جليلة، سخرها الله -سبحانه وتعالى-، فمئات الأشخاص إن لم يكن الآلاف يدخلون في دين الله كل شهر من خلال هذه الوسائل وهذه الصفحات، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس بالحج، إذا جاء الحجاج اغتنم ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا الموسم ويذهب ليقول لهم: «ألا رجلٌ يحمِلُني إلى قومِهِ لأبلِّغ كلام ربي فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغَ كلامَ ربِّي»، هذا نبينا - صلى الله عليه وسلم- يا معاشر المسلمين، انظروا إلى همته، يريد من يحميه ومن يعينه على تبليغ كلام رب العالمين، وأنت اليوم لديك صفحة، ولديك ألاف المتابعين، ومع ذلك قد تتكاسل أن تبلغ كلام رب العالمين، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «بلغوا عني ولو آية». تزعم حب النبي - صلى الله عليه وسلم- وتريد أن تكون مرافقا له في الجنة، ثم تتكاسل أن تخدم دينك، وتفرط في هذا الخير العظيم، ولو اغتنمته لتسبب ذلك في خير عظيم وأجور وفيرة، تأتي لك يوم القيامة، قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} (يس12).

مما يرضي رب العزة -سبحانه وتعالى

      فهذه الآثار وهذه الدعوات وهذه المنشورات وهذه الرسائل، وهذه الأمور الخيّرة التي تنشرها هي مما يرضي رب العزة -سبحانه جل في علاه-، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ -تعالى- مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ -تعالى- لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم» رواه البخاري، مقطع واحد تذكر به بعظمة الله، أو تلاوة خاشعة لشيخ موثوق، أو تنشر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- قد يكتب الله -سبحانه وتعالى- رضاه عليك إلى يوم أن تلقاه، قال -تعالى-: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114)، ينام الإنسان وله من الأجور العظيمة التي لا تخطر له على بال، إذا هناك مجالات متعددة، وكل إنسان يبحث عن المجال الذي يحسنه، ويرى أنه قد يوفق فيه؛ فيبذل ما يستطيع في خدمة دينه.

القرب من الشباب

       إن الحكمة تقتضي أن نذهب إلى الشباب، وأن نقترب منهم، وأن نسهل وصولهم لأهل العلم، وأن نسهل وصول المواد الدعوية النافعة إلى غير المسلمين بلغاتهم، أما كان نبينا - صلى الله عليه وسلم- يخالط الناس في أسواقهم؟ ويغشى أنديتهم؟ وذهب - صلى الله عليه وسلم- ليعرض نفسه على القبائل، ولم يجلس -عليه الصلاة والسلام- ينتظر من يأتي إليه، هذه سنة الأنبياء، قال الله -تعالى عن الأنبياء-: {ويمشون في الأسواق}، وكان من سنة الله -تعالى- أن يبعث أناسًا من البشر يتاجرون ويتزوجون ويأكلون ويشربون ويخالطون الناس، يعني دعاة بأقوالهم وأعمالهم، فليس من الحكمة أن ندع هذه الوسائل ونجلس في مساجدنا وجامعاتنا، ونترك الشباب لدعاة أهل الباطل الذين يغيرون مفاهيم الإسلام، وينشرون البدع والضلالات والانحرافات، فالعاقل هو الذي يستخدم الحكمة في الدعوة إلى الله.

 

 

أهمية الدعوة  في وسائل التواصل

       تنطلق أهمية الدعوة إلى الله في وسائل التواصل الاجتماعي؟ من امتثالنا أمر الله -تعالى- يقول: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125)، حكمة وضع الشيء في موضعه، فهل من الحكمة أننا نرى اليوم شبابنا وأولادنا وجيراننا وأصدقاءنا وأقاربنا، ونرى غير المسلمين من سائر البلدان في هذه الوسائل ثم نقف مكتوفي الأيدي نتفرج ونتركهم لمن يغير عقائدهم، وينشر الشهوات والشبهات بين أظهرهم، ونحن نجلس ننتظر من يأتي إلينا لنقوم بدعوته؟

 

 

وسائل الدعوة اجتهادية

       وسائل الدعوة إلى الله -تعالى- اجتهادية، فالوسيلة التي تتخذ في إيصال هذه الدعوة تختلف من زمن إلى آخر، فالدعوة في مكة لم تكن كالدعوة في المدينة، ودعوة نبي الله نوح -عليه السلام- لم تكن كدعوة غيره، كان يدعو سرًا وجهارًا ليلاً ونهارًا، كان يسر لبعضهم ويعلن للآخرين، استخدم مختلف الوسائل، قال -تعالى-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا}، وقال: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}، اذا الشخص الحكيم الداعية الرباني هو الذي يستخدم الحكمة في دعوته، ويغشى هذه الوسائل بقصد نفع الناس ودلالتهم على الله -سبحانه وتعالى.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك