دوافع إنسانية واستراتيجية تحرك تركيا لحماية تركمان سوريا
لا تزال أنقرة مستنفرة لما يحدث في سوريا من هجمات وعدوان على القرى والبلدات التركمانية في سوريا من قبل نظام الأسد والطيران الروسي على حد سواء، ولا سيما في منطقة بايربوجاق (جبل التركمان)، ولا تزال الاجتماعات التركية على أعلى المستويات القيادية تنعقد للاطلاع على آخر الأحداث والتطورات، وبحث الخطوات التي يمكن أن تخرج بها أنقرة استجابة لنداءات الاستغاثة التي يطلقها المواطنون التركمان في سوريا.
فقد عقدت القيادة السياسية والعسكرية والاستخبارية التركية اجتماعات أمنية عدة، ترأسها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أغلو، والصف الأول من قادة الأركان والاستخبارات في أنقرة، لبحث التطورات الأخيرة في سوريا وخصوصا ما يتعرض لها تركمان سوريا، عدا قوافل الدعم الطبي والغذائي وجسر المساعدات الذي شيدته أنقرة لنجدة التركمان النازحين من قراهم هربا من الموت إلى ريف اللاذقية والقرى المجاورة للحدود التركية، الذين أمدتهم تركيا بآلاف الخيم وطواقم الإسعاف والمشافي الميدانية وغيرها.
اهتمام زائد
وفي تفسيره لهذا الاهتمام الزائد من قبل تركيا بما يتعرض له التركما في سوريا قال المحلل السياسي التركي (بكير أتجان): إنه فضلا عن الروابط التاريخية المتينة التي تربط تركيا بالمواطنين التركمان في البلاد العربية عموما وفي سوريا خصوصا؛ فإن هناك مصالح تركية أيضا في تلك المناطق التي يعيشها التركمان في سوريا تتعلق بالأمن القومي التركي، فتركيا تُعد هذه المنطقة منطقة استراتيجية مهمة، ولا سيما أنها جبال عالية تطل على البحر المتوسط، وأنه يمكن من خلالها السيطرة على المساحات البحرية المتاخمة لتركيا ومراقبتها، فضلا عن أن لديها خط مراقبة مهماً لجزيرة قبرص، ولذلك فهي منطقة استراتيجية بالنسبة لروسيا وتركيا بل وكل العالم.
مخاوف تركية
وأشار (أتجان) إلى أن لدى تركيا خشية حقيقية من مساعي نظام الأسد لتهجير سكان هذه المنطقة من التركمان واستجلاب آخرين نصيريين بدلا منهم وتوطينهم في القرى التركمانية، وهذا يُعد كارثة بالنسبة لتركيا، ولا سيما أن قوات الأسد سبق لها أن سيطرت على جبل (زاهي) الذي كان يسكنه التركمان.
وأضاف المحلل (أتجان) أن لدى تركيا مخاوف أيضا من السيطرة على هذه المناطق من قبل الأكراد، الذين يسعون لإقامة دولة كردية داخل سوريا على حدود تركيا، وهو ما لا يمكن لتركيا أن تقبل به كما أعلنت قيادتها أكثر من مرة، وخصوصا أن هذه الدولة الكردية المنشودة ستكون دولة تأتمر بأمر إسرائيل، وهذا ما يفسر الدعم الإسرائيلي لها؛ لأن حلمها (بإسرائيل الكبرى) التي تمتد من النيل إلى الفرات يكون قد تحقق.
الخطوات التركية
وحول الخطوات التركية المقبلة نصرة للتركمان قال السيد (أتجان) في مقابلة مع موقع TRT العربية: إن تركيا ستتابع التطورات الأخيرة سياسيا بطريقة مكثفة، ولا سيما في المحافل الدولية، وستقدم اعتراضا للأمم المتحدة، كما ستعترض لدى روسيا مباشرة، وستناقش الموضوع مع وزير الخارجية الروسي الذي سيزور تركيا بعد 3 أيام، إضافة إلى استمرار تدفق المساعدات التركية بشتى أنواعها.
واستبعد (أتجان) أن تقدم تركيا على أي عملية برية في سوريا، لكنه توقع أن ترسل تركيا بعض السلاح لتركمان سوريا حتى يدافعوا عن أنفسهم لكن بطريقة محدودة؛ لأن تركيا لا تستطيع التحرك كثيرا في هذا الإطار دون التنسيق مع الأطراف الدولية والغربية.
الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم العلبي أشار إلى أن لدى تركيا حساسية تقليدية إزاء الاعتداءات الواقعة على الأقليات التركمانية في المنطقة من العراق إلى سوريا، وحتى في مناطق أخرى، أما بالنسبة لمنطقة جبل التركمان فهي منطقة حدودية، وتمثل امتدادا ديمغرافيا وجغرافيا لتركيا وهذا ما يضفي عليها مزيدا من الأهمية عند أنقرة.
وقال الكاتب (العلبي) في حوار مع موقع TRT العربية: إن قوات الأسد المدعمة بطريقة كبيرة من قبل روسيا قد فشلت في تحقيق أي تقدم في تلك المنطقة بفضل حجم التسليح الكبير الذي حصلت عليه فصائل المعارضة في الآونة الأخيرة، وبدا بالنسبة لهم أن جميع الجبهات مقفلة في وجوههم، ويبدو أنهم شعروا أن منطقة جبل التركمان وجبل الأكراد الواقعة في اللاذقية ستكون أسهل من بقية الجبهات، فعمدو إلى مهاجمتها.
استشعار المسؤلية
وأضاف (العلبي) أن الأتراك يستشعرون بالمسؤولية، ويرون أنه من الضروري إفشال هذه الخطة الروسية الأسدية، ومنع النظام من التقدم أو السيطرة الكاملة على المنطقة.
وقال العلبي: إن تركيا قد اعترفت بتسليح الفصائل التركمانية وتقديم دعم جوي لمساندتهم، مشيرا إلى أن حملات التطوع بين الأتراك للقتال في جبل التركمان جزء مما يمكن أن يقدم في هذا الصدد.
ويرى مراقبون أنه لا يمكن لتركيا أن تقدم تنازلات فيما يتعلق بتركمان المنطقة العربية، ولا يمكن أن تتخلى عن دورها التاريخي في حمايتهم.
لاتوجد تعليقات