رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 يونيو، 2024 0 تعليق

دليل الحاج لأداء المناسك – حـج 1445 هـ

 

وائل سلامة - أيمن عبدالله

منذ أن أمر الله -تعالى- خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بأن يؤذن في الناس بالحج، والقلوب تهفو إلى هذا البيت العتيق، والوفود تتقاطر وتتوارد عليه من كل فج عميق؛ تلبية لنداء الله -سبحانه وتعالى. وفريضة الحج أوجبها الله -تعالى- على عباده مرةً في العمر على المستطيع، قال -عزوجل-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران:97)، ووجوب الحج مما عُلِم من دين الإسلام بالضرورة، وقد رتب الشارع على أداء هذه العبادة الثواب والأجر العظيم؛ ما يثير همة المسلم، ويشحذ عزمه، ويجعله يُقْبِل عليها بصدر منشرح وعزيمة وثَّابة، وهو يرجو ثواب الله ومغفرته وما أعده لحجاج بيته الكريم؛ فالحج من أعظم أسباب تكفير الخطايا والسيئات، فإذا حج العبد الحج المبرور فإنه يرجع من حجه كيوم ولدته أمه طاهرًا من الذنوب والخطايا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه».

   

دليل الحاج للعام 1445 هـ

مختصر مناسك الحج والعمرة

 
  • التمتع: أن يُحرِم بالعمرة وحدها في أشهر الحج فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله
  • على الحاج أن يتقي ربه ويحرص قد طاقته ألا يقع فيما حرم الله عليه لقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
  • يجب أن يتعلم الحاج مناسك الحج وأحكامه وما يحرم عليه وما يحل له وما يجب وما يُسن وهذا فرض قد فرضه الله على مريد الحج
  • إذا أراد الإنسان الحج والعمرة فتوجه إلى مكة في أشهُر الحج فمن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولاً ليصير متمتعًا فيُحرم من الميقات بالعمرة
  • الاغتسال سُنة في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء فيغتسل الحاج ويتطيب في رأسه ولحيته ويلبس ثياب الإحرام ويُحرِم عقب صلاة فريضة إن كان وقتها حاضرًا أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء
  • الإفراد: أن يُحرِم بالحج وحده فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرِمًا حتى يحل من بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس
  • قال  صلى الله عليه وسلم : «يا عمر إنك رجل قوي فلا تؤذ الضعيف وإذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر»
  • إذا وصل إلى منى بادر فرمى جمرة العقبة أولاً قبل كل شيء بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة ويقطع التلبية مع آخر حصاة ثم ينحر هديه
  • إذا طلعت الشمس يوم عرفة سار إلى عرفة فنزل بنَمِرَة إن تيسَّر له وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها فإذا زالت الشمس صلَّى الظهر والعصر قصرًا وجمع تقديم ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله ودعائه وقراءة القرآن
  • القِرَان: أن يحرِم بالعمرة والحج جميعًا أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها وعمل القارن كعمل المفرد سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه
   

إن من الواجب على كل من أراد الحج، أن يتعلم كيفية الحج وأحكامه وما يحرم عليه وما يحل له، وما يجب وما يُسن وهذا فرض قد فرضه الله على مريد الحج؛ إذ لا تصح العبادة ممن يجهلها، وأن يستصحب معه كتابًا واضحًا في مناسك الحج، جامعًا لأحكامه ومقاصده، يُديم مطالعته مع سؤاله لأهل العلم والفتوى في جميع أعمال الحج، وتحقيقًا لهذا المطلب نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال، للعلامتين الألباني وابن عثيمين -رحمهما الله تعالى.

صفة التمتع

        إذا أراد الإنسان الحج والعمرة، فتوجه إلى مكة في أشهُر الحج، فمن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولاً؛ ليصير متمتعًا، فيُحرم من الميقات بالعمرة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة». ولما قال له بعض الصحابة: أرأيت مُتْعتَنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في أخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد»؛ من أجل ذلك أمر -صلى الله عليه وسلم - السيدة فاطمة وأزواجه -رضي الله عنهن جميعا- بالتحلل بعد عمرة الحج؛ فكان يقول: «يا آل محمد، من حج منكم فليهل بعمرة في حجة»، وهذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج.

استحباب الاغتسال عند الميقات

     وعند الإحرام يستحب له أن يغتسل كما يغتسل من الجنابة، والاغتسال سُنة في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء، فيغتسل ويتطيب في رأسه ولحيته، ويلبس ثياب الإحرام، ويُحرِم عقب صلاة فريضة، إن كان وقتها حاضرًا، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء؛ لأنه ليس للإحرام نافلة معينة؛ إذ لم يَرِدْ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والحائض والنفساء لا يصليان، ثم يستقبل القبلة قائما ثم يلبي بالعمرة أو الحج والعمرة، ويقول: اللهم هذه حجة لا رياء ولا سمعة، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وكان من تلبيته أيضا -[-: «لبيك إله الحق»، ويؤمر الملبي بأن يرفع صوته بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم : «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية»، وقوله: «أفضل الحج العج والثج»،  و»العَجُّ»: هو أنْ يَجهَرَ المُلبِّي بالتَّلبيةِ، ويَرفَعَ بها صوتَهُ. و»الثَّجُّ»: هو ذَبحُ الهَدْيِ والأَضاحيِّ، ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «ما من ملبٍّ يلبي، إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر، حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا، يعني عن يمينه وشماله»، والنساء في التلبية كالرجال لعموم الأحاديث؛ فيرفعن أصواتهن ما لم تُخش الفتنة.

استحباب الاغتسال عند دخول مكة

      ويستحب إذا اقترب من مكة أن يغتسل لدخولها، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا بلغ الحرم المكي ورأى بيوت مكة أمسك عن التلبية، ويدخل المسجد الحرام مقدِّمًا رجْله اليمنى قائلاً: «بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم».

طواف القدوم

      ثم يبادر إلى الحجر الأسود فيستقبله استقبالا فيكبر والتسمية قبله صحت عن ابن عمر موقوفا، ثم يستلمه بيده ويقبله، فقد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر وابن عباس، فإن لم يمكنه تقبيله استلمه بيده ثم قبل يده، فإن لم يمكنه الاستلام أشار إليه بيد، ولا يزاحم عليه لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «يا عمر، إنك رجل قوي؛ فلا تؤذ الضعيف، وإذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر»، ولاستلام الحجر فضل كبير لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بحق، وقال: «مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا». ثم يجعل البيت عن يساره، ويطوف سبعة أشواط، يبتدئ بالحجر ويختِم به، ولا يستلم من البيت سوى الحجر الأسود، والركن اليماني؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -لم يستلم سواهما، وفي هذا الطواف يُسنُّ للرجل أن يَرْمُل في الأشواط الثلاثة الأُول، بأن يسرع المشي ويقارب الخُطا، وأن يضطبع في جميع الطواف، بأن يُخرِج كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وكلما حاذى الحجر الأسود كبَّر، ويتلو بينه وبين الركن اليماني: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة: 201)، ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذِكْر ودعاء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإن أحب أن يأتي الملتزم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب- فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله -تعالى- حاجته، فعل ذلك».

ليس للطواف دعاء مخصوص

     وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكُتَيِّبات التي بأيدي كثير من الحُجاج، التي فيها لكل شوط دعاءٌ مختصٌ، فإن هذه بدعة لم ترد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل بدعة ضلالة»، ولا يجوز أن تطوف بالبيت حائض لقوله -صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين قدمت معتمرة في حجة الوداع-: «افعلي كما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [ولا تصلي] حتى تطهري». فإذا انتهى من الشوط السابع غطى كتفه الأيمن وانطلق إلى مقام إبراهيم، وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}، وجعل المقام بينه وبين الكعبة وصلى عنده ركعتين، وقرأ فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد. ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم لما شرب له»، وقال: «إنها مباركة وهي طعام طعم، (وشفاء سقم)».

السعي بين الصفا والمروة

      ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا منه تلا قوله -تعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، (البقرة: 158)، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك، ثم يصعد على الصفا، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويكبر الله ويحمده، ويقول: «لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ثم يدعو بعد ذلك، يفعل ذلك ثلاثًا، ثم ينزل متجهًا إلى المروة، فيمشي إلى العَلَم الأخضر إلى العمود الثاني سعيًا شديدًا، أي يركض ركضًا شديدًا - إن تيسر له، ولم يتأذَّ أو يؤذِ أحدًا - ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيًا عاديًّا، قال ابن قدامة: «وطواف النساء وسعيهن مشي كله، فإذا وصل المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط، ثم يرجع إلى الصفا من المروة، وهذا هو الشوط الثاني، ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل، ويجوز أن يطوف بينهما راكبا والمشي أعجب إلى النبي -[-، فإذا أتم سبعة أشواط، من الصفا للمروة شوط، ومن المروة للصفا شوط آخر، فإنه يُقصِّر شعر رأسه، ويكون التقصير شاملاً لجميع الرأس؛ بحيث يبدو واضحًا في الرأس، والمرأة تقصر من كل أطراف شعرها بقدر أنملة، ثم يحل من إحرامه حِلاًّ كاملاً، يتمتع بما أحل الله له من النساء، والطيب، واللباس، وغير ذلك.

الإهلال بالحج يوم التروية

      فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، أحرم وأهل بالحج، من الموضع الذي هو نازل فيه حتى أهل مكة يحرمون من مكة، فيفعل كما فعل عند الإحرام بالعمرة، من الاغتسال والتطيب ولبس الإزار والرداء والتلبية، ولا يقطع التلبية إلا عقب رمي جمرة العقبة، ويخرج إلى منى، فيصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، خمس صلوات، يصلي الرباعية ركعتين، وكل صلاة في وقتها، فلا جمع في منى، وإنما هو القصر فقط.

الانطلاق إلى عرفة

      فإذا طلعت الشمس يوم عرفة، سار إلى عرفة، فنزل بنَمِرَة إن تيسَّر له، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها، فإذا زالت الشمس، صلَّى الظهر والعصر قصرًا وجمع تقديم، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله، ودعائه، وقراءة القرآن، وغير ذلك مما يقرب إلى الله -تعالى-، وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم مُلِحَّا في دعاء الله - عزوجل -؛ فإنه حرِيٌّ بالإجابة، ويُسنُّ أن يكون مستقبلاً القبلة، رافعًا يديه عند الدعاء، وكان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموقف العظيم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، وليحرص كذلك على الأذكار، والأدعية النبوية؛ فإنها من أجمع الأدعية وأنفعها. ولا يزال هكذا ذاكرا ملبيا داعيا بما شاء، راجيا من الله -تعالى- أن يجعله من عتقائه الذين يباهي بهم الملائكة كما في الحديث: «ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ، وإنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم».

الانصراف إلى مزدلفة

       فإذا غربت الشمس من يوم عرفة، انصرف إلى مزدلفة، فصلَّى بها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ثم يبقى هناك حتى يصلي الفجر، ثم يأتي المشعر الحرام (وهو جبل في المزدلفة) فيرقى عليه ويستقبل القبلة فيحمد الله ويكبره ويهلله ويوحده ويدعو ولا يزال كذلك حتى يسفر جدا، ومزدلفة كلها موقف فحيثما وقف فيها جاز. ثم يدفع بعد ذلك إلى منى، ويجوز للإنسان الذي يشُقُّ عليه مزاحمة الناس أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لمثله. ويلتقط الحصيات التي يريد أن يرمي بها جمرة العقبة في منى وهي آخر الجمرات وأقربهن إلى مكة، ومن أي مكان أخذ الحصيات أجزأه، وهي مثل حصى الخذف وهو أكبر من الحمصة قليلا.

الوصول إلى منى ورمي الجمار

      فإذا وصل إلى منى، بادر فرمى جمرة العقبة أولاً قبل كل شيء بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، ويقطع التلبية مع آخر حصاة، ثم ينحر هديه، لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر؛ فانحروا في رحالكم»، والسنة أن يذبح أو ينحر بيده إن تيسر له، وإلا أناب عنه غيره، ووقت الذبح أربعة أيام: العيد يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر، وثلاثة أيام التشريق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «كل أيام التشريق ذبح»، وله أن يأكل من هديه وأن يتزود منه إلى بلده كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن لم يجد هديا، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويجوز له أن يصوم في أيام التشريق الثلاثة؛ لحديث عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي. ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير، وإن قصَّره فلا حرج، والمرأة تقصِّر من أطرافه بقدر أنملة، وحينئذ يحِلُّ التحلل الأول، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء، فينزل بعد أن يتطيب، ويلبس ثيابه المعتادة إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط، وهذا الطواف والسعي للحج، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قَدِمَ للعمرة، وبهذا يحل من كل شيء حتى النساء.

أعمال اليوم العاشر  يوم العيد

       ولنقف هنا لننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد؟ فالحاج يوم العيد: رمى جمرة العقية، ثم نحر هديه، ثم حلق أو قصَّر، ثم طاف، ثم سعى، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب، فإن قَدَّم بعضها على بعض فلا حرج، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير، فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخر يومئذٍ إلا قال: (افعل ولا حرج)، متفق عليه.

افعل ولا حرج!

       فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم رجع إلى منى ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر، فلا حرج، ولو رمى، ثم نزل إلى مكة، وطاف، وسعى فلا حرج، ولو رمى، ونحر، وحلق، ثم نزل إلى مكة، وسعى قبل أن يطوف فلا حرج، الغاية أن تقديم هذه الأنساك الخمسة بعضها على بعض لا بأس به؛ لأن رسول الله ما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر يومئذٍ إلا قال: «افعل ولا حرج» وهذا من تيسير الله - سبحانه وتعالى - ورحمته بعباده.

المبيت بمنى

         ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك: المبيت في منى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، لقول الله - تعالى - {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (البقرة: 203)، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويجزئ أن يبيت في هاتين الليلتين معظم الليل.

أعمال يوم الحادي عشر

       فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر، رمى الجمرات الثلاث، يبدأ بالصغرى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلاً، فيقف مستقبلاً القبلة، رافعًا يديه، يدعو الله - تعالى - دعاءً طويلاً، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً عن الزحام، ويقف مستقبلاً القبلة، رافعًا يديه، يدعو الله - تعالى - دعاءً طويلاً، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم .

أعمال يوم الثاني عشر

       وبعد أن يبيت في منى ليلة الثاني عشر، يرمي الجمرات الثلاث كذلك في اليوم الثاني عشر، فإذا أتم الحاج رمي الجمار فإن شاء تَعجَّل ونزل من منى، وإن شاء تأخَّر، فبات بها ليلة الثالث عشر، ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، والتأخر أفضل، ولا يجب إلا بعد أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى، فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره، فإنه لا يلزمه التأخر؛ لأن تأخره إلى الغروب كان بغير اختياره.

الرمي بعد الزوال

       ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرمِ إلا بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم)، رواه مسلم، وكان الصحابة يَتحيَّنون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزًا، لَبَيَّنَه النبي -  صلى الله عليه وسلم  - لأمته، إما بفعله، أو قوله، أو إقراره، ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار، أن يؤخر الرمي إلى الليل، فإن الليل وقت للرمي؛ إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّتَ أولَ الرمي، ولم يوقِّت آخره، والأصل فيما جاء مطلقًا، أن يبقى على إطلاقه، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت.

طواف الوداع

         وإذا أتم الحاج رمي الجمرات، فإنه لا يخرج من مكة إلى بلده، حتى يطوف للوداع، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينفر أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت»، رواه مسلم، إلا إذا كانت المرأة حائضًا أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة، فإن طواف الوداع يسقط عنها، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - «أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن الحائض»، متفق عليه؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: «إن صفية قد طافت طواف الإفاضة»، قال: «فلتنفر إذًا»، متفق عليه، وكانت حائضًا، ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس، حين ينزلون إلى مكة، فيطوفون طواف الوداع، ثم يرجعون إلى منى، فيرمون الجمرات، ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع؛ لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.  

نصائح بين يدي الحج

       على الحاج أن يتقي ربه ويحرص قد طاقته ألا يقع فيما حرم الله عليه؛ لقوله -تعالى-: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبرورا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».  

الحذر من التهاون في رمي الجمرات

       ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات؛ فإن من الناس من يتهاون فيها، فيوكِّل مَن يرمي عنه، وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزئ؛ لأن الله - تعالى - يقول في كتابه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة: 196)، والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن لضعَفَةِ أهله أن يوكلوا مَن يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضًا أو كبيرًا لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو كانت امرأة حاملاً تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل. فيجب علينا أن نعظم شعائر الله، وألا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا؛ لأنه عبادة.

أنواع النسك

  الأنساك ثلاثة: تَمَتُّع، وإفراد، وقِرَان
  • التمتع: أن يُحرِم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية - وهو اليوم الثامن من ذي الحجة - أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله.
  • الإفراد: أن يُحرِم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج، ولا يحلق، ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه، بل يبقى محرِمًا حتى يحل من بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.
  • القِرَان: أن يحرِم بالعمرة والحج جميعًا، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك