رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد زاهد جول 4 يناير، 2016 0 تعليق

دلالات اعتداء داعش على الجنود الأتراك في العراق

معارضة العبادي على الوجود الفني للجنود الأتراك ليست في محلها؛ لأنهم 150 عنصرًا فقط أرسلوا لحماية المدربين الأتراك

ضعف الحكومة العراقية عن حماية الحدود التركية هو السبب في تحرك تركيا لحماية حدودها من داعش، وليس لتهديد سيادة الحكومة العراقية

 

في ظل خلافات تركية مع الحكومة المركزية العراقية حول وجود عدد من المدربين العسكريين الأتراك في معسكر بعشيقة قرب مدينة الموصل، شنّ عناصر تنظيم الدولة داعش، هجومًا بقذائف الهاون على المعسكر العائد لقوات الحشد الوطني العراقية، وكان فيه عناصر من الجنود الأتراك الذين ذهبوا إلى ذلك المعسكر لتدريب القوات العراقية هناك، وقد أسفر الهجوم عن مقتل ضابط من قوات الحشد الوطني، وأصيب عدد من الجنود الأتراك بإصابات طفيفة، ولكن الهجوم يحمل دلالات كثيرة، ويجب أن نعرف إن كان الهجوم يستهدف الأتراك أم يستهدف قوات الحشد الوطني التي يقودها السيد أثيل النجيفي.

وحدة صغيرة

     الوحدة العسكرية التركية ليست كبيرة ولم تذهب إلى المشاركة في عمليات قتالية وإنما لمهمات تدريبية، ومعها عدد من الجنود والمدرعات العسكرية لحمايتها فقط، وقد كان سبب إرسال هذه القوات العسكرية التركية وهي نحو 150 جندياً تركياً بعد ورود أنباء استخباراتية بأن المعسكر التدريبي الذي هم فيه قد يتعرض للهجوم، وفعلاً جاء هجوم داعش بعد أيام من وصول قوات الحماية التركية إلى المعسكر.

     لقد تعرض المعسكر إلى نحو (40-50) قذيفة هاون، وقامت وحدة الحماية التركية بالرد على مصادر النيران مباشرة بقذائف المدفعية، وتم معالجة الجنود الأتراك الأربعة في ولاية (شيرناق) جنوب شرق تركيا بعد جلبهم بطائرات مروحية تركية إلى المستشفيات التركية.

مدلولات الهجوم

     وفي الإشارة إلى مدلولات الهجوم قال وزير التنمية التركي جودت يلماظ: إن الهجوم الذي شنّه عناصر تنظيم داعش على وحدة عسكرية تركية في معسكر بعشيقة قرب مدينة الموصل العراقية، دليل واضح على قرار تركيا الصائب في إرسال تعزيزات عسكرية إلى شمال العراق؛ لأن تهديد داعش لم يتوقف عن مهاجمة المدربين الأتراك، الذين يعملون في العراق بحسب اتفاقيات تدريبية سابقة مع قوات إقليم كردستان العراق، بعضها وقع في السنوات القليلة الماضية.

ضجة في غير مكانها

     ولذلك فإن معارضة حيدر العبادي والمليشيات على الوجود الفني للجنود الأتراك والقوات التي تؤمن لهم الحماية ليست في محلها، فهي نحو 150 عنصرًا أرسلت لحماية المدربين الأتراك، أي أن الضجة التي أقامها بعض العراقيين بتاريخ 4 ديسمبر 2015 بعد إرسال المدربين الأتراك إلى معسكر بعشيقة، غير محقة وفي غير مكانها الصحيح؛ فهي أولاً ذهبت بحسب اتفاقيات سابقة مع حكومة إقليم كردستان، ولاستبدال الجنود الأتراك الذين يقومون بمهمة تدريب قوات البشمركة وتأهيلها في حربها ضد تنظيم داعش منذ نحو عامين ونصف، فلم يكن هناك من مسوغ لاستياء الحكومة العراقية المركزية، بحجة عدم علمها بالعملية؛ لأن إعلام الحكومة العراقية هي من مسؤولية حكومة كردستان، والمطالبة بسحب هؤلاء الجنود ينبغي أن يتم مع حكومة كردستان أولاً، ودون إثارة ضجيج سياسي على الحكومة التركية، إلا إذا كان الضجيج الإعلامي مطلوباً بحد ذاته، خدمة للرئيس الروسي بوتين الغاضب على الأتراك بعد مدافعهم عن حدودهم بإسقاط الطائرة الروسية بتاريخ 24/11/2015.

استجابة تركية

     الحكومة التركية استجابت لمطالب الحكومة العراقية، وسحبت مجموعة من جنودها إلى مناطق قريبة من الحدود التركية، بينما أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على عدم إمكانية سحب الجنود الأتراك من العراق، وقال أردوغان للصحفيين: «كما تعلمون، تقوم الكثير من الدول بعمليات في العراق حاليًا، إلا أن موقف تركيا مغاير تماما؛ حيث يوجد في العراق الكثير من المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، ومن الممكن أن تشكل تهديدا لتركيا في أي لحظة، إلا أن الدول الباقية ليست معرضة لخطر هذه التنظيمات وأكثرها جاء إلى العراق بناء على طلب الحكومة المركزية فيها»، فليس كل الدول التي لها قوات عسكرية في العراق جاءت بطلب من الحكومة العراقية، وفي مقدمتها قوات الإيرانية من الباسيج والحرس الثوري الإيراني، وداعش نفسها تسيطر على أكثر من ثلث مساحة العراق. وتركيا دولة حدودية مع العراق بكل ما فيه من تحديات أمنية على تركيا وفي مقدمتها تهديدات داعش نفسها، التي سبق لها اختطاف عناصر القنصلية التركية في الموصل، قبل عام، ولم يتم تحرير إلا بشق الأنفس.

أردوغان يتساءل

     ولذلك تساءل أردوغان: «هل يجب علينا انتظار دعوة الحكومة المركزية للوقوف في وجه التهديدات المحتملة على أراضينا؟»، مضيفا لا يمكننا ذلك، وعلى العكس تماما، إن كانت العراق عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع امتداد خطر المنظمات الإرهابية إلى تركيا، فإننا قادرون على اتخاذ مثل تلك التدابير، أي إن ضعف الحكومة العراقية عن حماية الحدود التركية هو السبب في تحرك تركيا لحماية حدودها من داعش، وليس لتهديد سيادة الحكومة العراقية؛ فالحكومة التركية أكثر حرصا من الحكومة العراقية نفسها على وحدة العراق وسيادته على أمنه وحدوده، وإلا لما تمكنت داعش من اقتطاع نصف العراق بتسهيلات من الحكومة العراقية السابقة.

وفد تركي

     لقد أرسلت الحكومة التركية إلى الحكومة العراقية وفدا سياسيا يتكون من مستشار وزارة الخارجية التركية (فريدون سينيرلي أوغلو)، ورئيس جهاز الاستخبارات التركية (هاكان فيدان)، لشرح موقف الحكومة التركية، ولما لم تبد الحكومة العراقية تفهما للإجراءات التركية قال الرئيس أردوغان: «إن عملية سحب الجنود الأتراك من العراق ليست ممكنة في الوقت الحالي»، فهم هناك ليسوا في مهمة قتالية ضد العراقيين مهما كانت طائفتهم، وإنما هم في مهمات تدريبية، ويقومون بمهمة تدريب الفصائل العراقية وتأهيلها في حربها ضد داعش، فإذا ما أنهوا هذه المهمة فإنهم سوف يعودون فوراً.

طلب العبادي

     ولقد أكد الرئيس أردوغان على أن عملية إرسال الجنود الأتراك في الأصل جاءت بناء على طلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قبل نحو عام ونصف، خلال زيارته إلى تركيا، وقال: إنه تم إنشاء معسكر بعشيقة قرب الموصل للجنود الأتراك وقتها، فالمعسكر أنشأته الحكومة العراقية من أجل تدريب الجنود العراقيين فيه؛ ولذلك من المستغرب أن يكون موقف العبادي على ذلك النحو من التصريحات العدائية لتركيا؛ حيث إن عمليات التدريب دامت نحو سنة ونصف دون اعتراض من حكومة العبادي كان من المحق للرئيس التركي أن يسأل قائلا: «لقد مضى على إنشاء معسكر بعشيقة نحو عام ونصف، ألا يجب سؤاله الآن أين كنت خلال كل هذه الفترة؟». 

العبادي وإثارة المشكلات

إن الدور الذي قام به حيدر العبادي بإثارة المشكلات على تركيا يرتبط بالتوقيت الزمني وما فيه من أحداث، وما يرتبط به من تصريحات إرهابية صدرت عن ميليشيات عراقية قامت بتهديد تركيا بمهاجمة قواتها في تركيا إذا لم تنسحب من الأراضي العراقية.

دلالات الاعتراض

     لا شك أن الاعتراض على وجود القليل من القوات التركية في العراق دون غيرها له دلالة على أن العراق لا يحكم من قبل العراقيين أنفسهم، وأن القرار السياسي فيه مكتوب عليه (مصنوع في الخارج)، وأن صلاحيته مرهونة بإرضاء سادة الخارج، الذين يكفلون لهم سر الحياة في الحكومة وفي السلطة السياسية أيضاً، وقد لا يكون اعتداء داعش على معسكر بعشيقة بعيدا عن التهديدات السابقة، ولكنه تم بأيد مشبوهة، لتكون رسائلها لا تحمل التهديد المزيف، وإنما التهديد الحقيقي، الذي قد يبدأ على الأراضي العراقية، ويمتد ليصل الأراضي التركية، فداعش ورقة رابحة بأيدي المليشيات وإلا لما سعت إلى إيجادها في الأصل، فليس المهم أن تتبنى داعش التفجيرات في بعشيقة أو غيرها، وإنما المهم معرفة من المستفيد من هذه التفجيرات والهجمات الإرهابية.    

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك