رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مالك فيصل الدندشي 8 سبتمبر، 2015 0 تعليق

دعوة للتربية المتوازنة المتكاملة- تربية الأبناء تشمل كل جوانب الحياة

التوازن والتعادل في مقادير الجرعات التربوية التي يربي فيها الآباء والأمهات أولادهم ضرورية، ولا سيما في المراحل الأولية من حياتهم

 

سأركز في هذا الموضوع على اهتمام أغلب المربين على طريقة التسمين في التربية، وعدم الاكتراث بالجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية عن التسمين.

ولعل قارئا يسأل: ماذا تقصد بالتسمين التربوي؟

إن الكثير من مربينا في بيوتهم تجده حريصا على أن يكون ولده كالفيل سمنة، فلا يدع صنفا من أصناف الطعام والشراب إلا ويحرص على تقديمه له؛ بل إن بعضهم يبالغ في هذا حتى يصاب الأولاد بداء السمنة، من جراء اتساع المعدة، وقد أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يظهر السمن، ففي الحديث: «خيرُ أمتي القرنُ الذين بُعِثتُ فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم واللهُ أعلمُ أذكرَ الثالثَ أم لا؟ ثم يظهُر قومٌ يشهدون ولا يُستَشْهَدون، ويُنذِرون ولا يُوفون، ويخونون ولا يُؤتَمَنون، ويَفْشو فيهم السِّمَنُ»متفق عليه.

     وهذا من الترف من زيادة المال، وتوافر السلع المتنوعة. ومن نافلة القول: إن بعض الأسر تصبح بعد مدة غير قادرة على كبح جماح أبنائهم، حينما يصابون بالشراهة في تناول أطعمتهم.

     إن ربنا يقول في كتابه الكريم: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } (الأعراف: 31)، والحديث المشهور على الألسنة: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أكلاتٍ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كان لا محالةَ: فثلُث لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابِه وثُلُثٌ لنفَسِه» رواه الترمذي وصححه، وصححه الألباني.

الجسد والروح

     وأنا هنا أريد أن أصحح مفهوما تربويا خطأ عند الأسر، وهي تركيزهم على هذا الجانب دون مراعاة للقواعد الصحية، وإن الآباء يقطعون المسافات، ويبذلون الجهد والمال حتى لا يحرموا أبناءهم من هذا المتاع؛ خوفا على صحتهم أو على رغبتهم، ولكنهم في مجال التربية الروحية، والعقلية، والخلقية، والأدبية لا يبالون بكل هذا، فيقع الخلل التربوي؛ لأن تربية الأولاد الناجحة هي التي تشمل كل جوانب الحياة فيه، وإذا كان فهم الشيء فرع عن تصوره؛ لذلك فأية تربية ناجحة لا تأخذ جانبي الجسد والروح، وما يتفرع عنهما مأخذا متوازنا بينها بحيث لا يبغي جانب على آخر، ستكون نتائج التربية سيئة على الذرية.

التربية المتوازنة

     إن التوازن والتعادل في مقادير الجرعات التربوية التي يربي فيها الآباء والأمهات أولادهم ضرورية، ولا سيما في المراحل الأولية من حياتهم والمتوسطة، ثم التي تليهما. ومن الصوارف التي تصرف الآباء عن هذه التربية المتوازنة المتكاملة، وحرصهم على جانب التسمين فقط دون غيره: هي أن التقصير في الجانب الجسدي يظهر أثره على الجسد بسرعة، فيتألم الولد؛ لذا يسارع المربون إلى تلبية الاحتياجات الجسدية لأولادهم فورا، لكن التقصير في الجوانب الأخرى لا يبدو واضحا، إلا إذا مضى وقت طويل، وفي هذا يفاجأ الأبوان بالأمراض الروحية والعقلية والخلقية، وهي متجذرة في أبنائهم وهما عنها غافلان!! فعلى سبيل المثال لا الحصر تدريب الولد على الصلاة، وهو ابن سبع سنين أو التعويد على الصيام، أو خلة الصدق، وترك الكذب، واحترام الكبير وتوقيره، وحقوق الجار والصديق، واستشعار أهمية الأمانة، وتنظيف اللسان من الفحش في الكلام واللعن، والابتعاد عن الغش في المعاملة، وحبه لخالقه ونبيه وللمؤمنين، وشوقه إلى الجنة، وخوفه من النار – والأمثلة كثيرة – عشرات المطلوبات وعشرات المنهيات ينبغي أن نربي أبناءنا عليها منذ الصغر إلى أن يصبحوا شبابا؛ إلا أننا مشغولون بتربية التسمين على حساب الجوانب الأخرى.

فقدان التوازن

     وإن الخطأ في التربية والخلل الذي يصيبها من جراء هذا الفهم الخطأ لها، أو طريقة تطبيقها هو الذي يقع فيه المربون في مجتمعاتنا، ولو أخذت ظاهرة انتشار الأخلاق السيئة، وغياب الخلق الحسن، مثل: التلاعن المنتشرة في بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا، ومثلها التنابز بالألقاب، وإهمال المربين لهاتين الظاهرتين من حيث المعالجة والتقويم، لأصابك الدوار، ولو فاتحت والد الفتى أو وليه لما أعارك انتباها للموضوع، لكنك إذا قلت له: إن ابنك مريض في عينيه، أو أذنيه، أو معه شيء من هشاشة العظام، لما ترك عيادة طبية إلا ونقل ابنه إليها طلبا للعلاج والدواء – ونحن لا ننكر عليه هذا الإجراء – لكن لو تعلق الداء بغير أمراض الجسد، لما أعار لهذا الأمر أهمية ذات بال.

     التربية بحر كبير، فمهما غرفت منه، تجد نفسك تبذل جهد المقل؛ ولذلك سنتابع الحديث عن التربية وتطبيقاتها، والعقبات التي تعترض هذه التطبيقات، ونطلع على المناهج التي نستفيد من إجراءاتها، ونأخذ الحكمة من مظانها. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك