رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين 17 أبريل، 2012 0 تعليق

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية (الحلقة الأولى)

 

أطلقوا على دعوة الإمام اسم «الوهابية»، وأحاطوها بكل شر، وجعلوها علماً على الجمود والهمجية، واخترعوا لها الأكاذيب وألصقوا بها التهم، فلو قالوا للناس: إن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب هي دعوة الإسلام الخالص، وإنه متبع للإمام أحمد ابن حنبل في الفروع، ومتأس بالإمام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير وغيرهم، لما استغرب الناس الدعوة ونفروا منها، ولكنهم أطلقوا عليها اسم «الوهابية» وصوروها بأقبح صورة، حتى أصبح الكثير من المسلمين في البلاد الإسلامية ينفرون من كلمة الوهابية أو المذهب الوهابي.

      وبلغ حقدهم الدفين على هذه الدعوة المباركة حتى وصل الأمر إلى قتل المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي، وهو ممن يتحمسون لهذه الدعوة بإيعاز من محمد علي - حاكم مصر - الذي حارب هو وأبناؤه الدعوة؛ انتقاما من أبيه لتعاطفه مع هؤلاء(1).

      وقد بلغ الأمر في بعض البلاد الإسلامية أن تصادر وتحرق الكتب التي للشيخ محمد بن عبدالوهاب وأنصاره، بل يطارد الأشخاص الذين يعدون «وهابيين» ويسجنون، وتثور عليهم الجماهير، وقد يضربونهم، فأكثر الناس لا يعرفون من الوهابية إلا أنها مذهب آخر لا يقره الإسلام.

      قال الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله-: «إن لقب الوهابية لقب لم يختره أتباع الدعوة لأنفسهم، ولم يقبلوا إطلاقه عليهم، ولكنه أطلق من قبل خصومهم تنفيراً للناس منهم، وإيهاماً للسامع أنهم جاؤوا بمذهب خاص يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى، واللقب الذي يرضونه ويتسمون به هو «السلفيون» ودعوتهم: الدعوة السلفية»(2).

      وقال الأستاذ أحمد علي: «إن تلقيبهم بالوهابية جناية على الواقع والحقيقة لهذه الدعوة، فهي جناية على التاريخ نفسه، فقد أوقع ذلك كثيراً من المؤرخين والمستشرقين في غلطة، وهي تسمية هذه الحركة الإصلاحية المباركة نسبة إلى والد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجعلوه مؤسساً لهذه الدعوة والحركة الإصلاحية»(3).

      وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز «نسبة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهي نسبة على القياس العربي، فلقد كان الصحيح أن يقال: المحمدية، أي إن صاحب هذه الدعوة والقائم بها هو الشيخ محمد لا أبوه عبدالوهاب، ومن أعجب العجب أنك لا تجد لهذا اللقب أثرا بنجد، بل يستنكر النجديون هذا اللقب لمن يخاطبهم به أو ينسبهم إليه، وهذا يدلك على أن التسمية جاءت من الخارج من خصوم الدعوة، وأكبرهم إذ ذاك الأشراف والأتراك وأكثر علمائهما»(4).

      وهذا الملك عبدالعزيز يخطب بالحجيج سنة 1347هـ الموافق 11/5/1929 قائلاً: «يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.

      نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح.

نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.

      هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو بها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله - عز وجل - خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة؛ فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب.

      أما «التجديد» الذي يحاول بعضهم إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا؛ فلا يوصل إلى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية. إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.

      إننا لا نبغي «التجديد» الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله - عز وجل - ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله؛ فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام فخذلهم الله -جل شأنه - ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام، ولما أضاعوا عزهم وفخارهم.

      لقد كنت لا شيء وأصبحت اليوم وقد استوليت على بلاد شاسعة يحدها شمالا العراق وبر الشام، وجنوباً اليمن، وغرباً البحر الأحمر، وشرقاً الخليج، لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن العدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيزاً»(5).

      إن مجرد ذكر التسمية لا حرج فيه، ولكن أن يجعلوها مذهباً خارجاً عن الإسلام ويغذوها بالتضليل والكذب والافتراء؛ فهذا شيء نحاربه أشد المحاربة.

      يقول عبدالرحمن بن سليمان الرويشد: «لم يكن إطلاق كلمة «الوهابية» التي يراد بها التعريف بأصحاب الفكرة السلفية شائع الاستعمال في وسط السلفيين أنفسهم، بل كان أكثرهم يتهيب إطلاقها على الفكرة السلفية، وقد يتورع الكثيرون من نعت القائمين بها بذلك الوصف، باعتباره وصفا عدوانياً كان يقصد به بلبلة الأفكار والتشويه، وإطلاق المزيد من الضباب لعرقلة مسيرة الدعوة، وحجب الرؤية عن حقائق أهدافها، وبمرور الزمن، وإصابة محاولات التضليل بالعجز عن أداء دورها الهدام، تحول هذا اللقب بصورة تدريجية إلى مجرد لقب لا يحمل أي طابع للإحساس باستفزاز المشاعر، أو أي معنى من معاني الإساءة، وصار مجرد تعريف مميز لأصحاب الفكرة السلفية، ماهية الدعوة التي بشر بها الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، وأصبح هذا اللقب شائعاً ورائجاً بين الكتاب والمؤرخين الشرقيين والغربيين على حد سواء.

      وبالتالي فليس هناك ما يسوّغ هجر استعمال تلك الكلمة بوصفه تعريفاً شائعاً أو تعبيراً يستخدم في إطاره الصحيح للرمز إلى المضمون الفكري المقصود، وهو التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة مظاهر الشرك والبدع، وما زج به في العقيدة السلفية وأدخل عليها من انحراف مع ضرورة العيش في قيادة إسلامية عادلة تحكّم الشريعة، وتلتزم تطبيق منهجه عملا وتحمل الرعية على امتثال ذلك بأسلوبي الترغيب والترهيب، وإن أصروا على هذه التسمية نقول لهم: قد أجاب العلامة الشيخ ملا عمران بن رضوان - رحمه الله - صاحب مدينة لنجة بهذه الأبيات، وهي فخر وشرف ووسام يفتخر بها كل نجدي وغير نجدي من الموحدين، وهو يرد على الخصوم قائلاً:

إن كان تابع أحمد متوهبا

                                    فأنا المقر بأنني وهابي

أنفي الشريك عن الإله فليس لي

                                    رب سوى المتفرد الوهاب

لا رقية ترجي ولا وثن ولا

                                    قبر له سبب من الأسباب

أيضا ولست معلقا لتميمة

                                    أو حلقة أو ودعة أو ناب

لرجاء نفع أو لدفع بلية

                                    الله ينفعني وينفع ما بي»(6)

ويقول الشيخ العلامة سليمان بن سحمان - رحمه الله - في الرد على بعض الخصوم الحاقدين على هذه الدعوة والذين لقبوها بهذا اللقب:

نعم نحن وهابية حنفية

                              حنيفية نسقي لمن غاظنا المرا

بمحكم آيات وسنة أحمد

                              نصول على الأعداء فنأطرهم أطرا

حنابلة كما على نهج أحمد

                              إمام الهدى من كان من كفركم يبرا

على السنة الغراء قد كان قدوة

                              لنا في الهدى لم يعد ما قاله شبرا(7).

ويقول أبو الهدى الصعيدي المصري - رحمه الله: «إذا كانت الوهابية كما سمعنا وطالعنا، فنحن أيضاً وهابيون»(8).

      ويقول الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي: «من معاملة الله لهم - أي خصوم الدعوة - بنقيض قصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة ولا يحبون الرسل كما زعموا، صار الآن لقباً لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات والتمسك بمذهب السلف»(9).

ويقول مسعود النووي - رحمه الله-:

      «وعلى كل حال، فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة، هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد، ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء، فلا أرى حرجا في هذه التسمية»(10).

      إن اجتماع المسلمين على الكتاب والسنة أشد على أعدائهم من السلاح والعتاد وأفتك بهم من الموت، وتوالت العصور وكانت شعلة النور الإسلامي موقدة تنير العالم، ذلك عندما كان المسلمون على صدق مع الله ورسوله، مستمسكين بعقيدة التوحيد، وتوالت الأيام وتسللت الأفكار الخبيثة إلى صفوف المسلمين، وارتدت الجموع الفارسية واليهودية والجاهلية لتتأهب وتتاح لها فرصة العمر فتنقض بانحرافاتها داخل المعاقل الإسلامية تحاول الإجهاز على المسلمين ودينهم، ولم تسهم في هذه المعارك جيوش ضارية، وإنما كانت عقائد باطلة تحاول طمس منهاج الله -تعالى- وتشويه حقائقه وإنهاء دولته وتقليص نفوذه، فتسللت الفلسفات اليونانية والإغريقية والفارسية، وظهرت التكايا والزوايا تربي الناس على الخمول والكسل والانحراف عن دين الله -عز وجل- ولكن.. هل انتهى الإسلام الذي جاء به محمد[؟... هل انتهت أمة الإسلام؟... لا.. وألف لا... فالإسلام يحفظه الله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر:9).

      فبحفظ الكتاب والسنة لا تنتهي أمة الإسلام في الأرض، وبعلماء الإسلام العاملين وقادته المصلحين سيستمر العلم والتعليم لكشف الزيغ والحركات الضالة، وسوف تتربى الأجيال على الإسلام الصحيح وتتلقى القرآن فتفهم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه، وتفهم سياسته واقتصاده في شخوص رجال ونساء، إذا رأيتهم رأيت قرآنا يجري حركة حياة ونبضات قلوب تحتضن الوجود لتغمسه في بحر الإسلام ليغدو عطاء ورحمة، وهكذا كانت الدعوات الصحيحة والدعاة الصالحون في كل عصر وُجدوا فيه.

      ولما قام الإمام محمد بن عبدالوهاب بدعوته الإسلامية كان يسلك مسلك السلف الصالح ويعيد الناس إلى الإسلام الذي كان عليه الرسول [ وأصحابه رضوان الله عليهم، ويزيل عن الناس كثيرا مما كان قد جلبه عليهم ابتعادهم عن الدين الخالص، وقد كانت هذه الدعوة الإسلامية منطلقا صحيحا للمسلمين في الإصلاح والتصحيح في العقيدة والعبادة والعمل والسلوك؛ لأن دين الإسلام هو طب البشرية كلها من كافة أدوائها، وأن التماس الهدى في غيره ضلال وضياع، فكان الإمام محمد داعية إسلاميا ظهر في زمن سيطرت على المسلمين فيه أسباب الضعف السياسي، وأنواع الضلال الفكري، وصنوف الانحراف عن الصراط المستقيم، فكان -رحمه الله تعالى- رائدا في دعوته إلى منابع الإسلام الأولى، واتباع ما كان عليه السلف (11) الصالح؛ ولذلك نسبت إلى السلفية، فالاتجاه السلفي في أساسه يعمل على نقاوة العقيدة الإسلامية وتخليصها من الشوائب التي تفسدها وتميعها، والرد على الانحرافات التي ظهرت في المجتمع الإسلامي، والصمود في وجه الفرق الضالة، وبهذا تكون الدعوة الإسلامية السلفية هي دعوة الكتاب والسنة والدين الصحيح، هي دعوة البر والبركة، ودعوة التوحيد الحق، والاتباع السليم، والتزكية والطهارة، أي إنها باختصار دعوة الإسلام الصحيح التي بعث بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، واتفاق العلماء على أن السلف يراد بهم:

أولا الصحابة، رضوان الله عليهم.

- ثانيا: التابعون لهم بإحسان، رحمهم الله تعالى.

- ثالثا: تابعو التابعين.

      وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، «ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخوّنون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن» (12).

      ومذهب السلف هو -كما قلنا- ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- وما كان عليه أعيان التابعين لهم بإحسان، وما كان عليه أتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظيم شأنه بالدين وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، كالأئمة الأربعة والسفيانين والليث بن سعد وابن المبارك والنخعي والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن، دون من رمي ببدعة أو اشتهر بلقب غير مرضي، مثل: الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة وسائر الفرق الضالة.

      والسلفية إذاً تتمثل في توحيد الله -سبحانه وتعالى- وإفراده بالربوبية والألوهية، وإخلاص القول والعمل، والاتجاه به إليه -سبحانه و تعالى- وفق ما جاءت به الحنيفية السمحة التي لا يقبل الله تعالى من أحد من عباده دينا سواها، وهي العبودية الخالصة والتعبد لله وحده لا شريك وفق ما جاء به نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد لازم الدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ما يلازم الدعوات الكبرى من نشاط فكري وحركي على الجانبين الإيجابي والسلبي (13)، ومن المؤشرات التي توزن بها ضخامة الدعوات الجديدة عنف حركة التأييد والمعارضة على السواء؛ ذلك لأن الدعوات الكبرى تفاجئ الناس عادة بغير ما عهدوا من مألوف المعتقدات والعادات فيتهيبها الناس في أول الأمر، ويستعظمون ما جاءت به، فإذا تدبرها بعض العقلاء واكتشفوا ما تنطوي عليه من الحق والخير تعصبوا لها تعصبا شديدا، ثم تجيء ردود الأفعال عن الذين يأكل قلوبهم الحسد على المكانة التي يحظى بها صاحب الدعوة بين أنصاره ومؤيديه، والزعماء الذين يتمسكون بالأمر الواقع الذي سوّدهم ولا يرحبون بالجديد الذي لا يأمنون عواقبه؛ لأن أي خلخلة للاستقرار القائم ستجلب معها زعامات جديدة تلائم الواقع الجديد، وبين هاتين الطائفتين من المتعصبين للتأييد والمعارضة ينشأ التطرف الذي يسيء إلى الدعوة في تطبيقها وتفسيرها من ناحية، وفي سوء فهمها والادعاء عليها بما ليس فيها من ناحية أخرى.

      وسمة أخرى من سمات الدعوات الكبرى لازمت دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وهي تتمثل في تعرضها على أيدي أعدائها ومعارضيها للمحن، وثبات صاحبها على المكاره؛ ذلك لأن اتساع نفوذ الدعوة على مر الأيام يدفع أعداءها إلى الشعور بالخطر على أنفسهم وعلى مصالحهم فيبذلون كل ما يسعهم من جهد للقضاء على الدعوة وعلى صاحبها، وقد يذهبون في ذلك إلى حد تدبير المكائد والتخلص من صاحب الدعوة نفسه بقتله، ثم إن هذا الأذى والاضطهاد هو الاختبار الأكبر الذي يمتحن به صدق الدعوة وإخلاص صاحبها، فإذا ثبت على دعوته وصبر على ما يلقى من اضطهاد زاد صبره صلابة وثباتا على مر الأيام؛ لأنه يزكي ويمكن لإيمانه، ويقوي توكله على الله عز وجل.

      ولكي توزن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب بميزان عادل يجب أن توضع في الاعتبار حالة المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة قبل ظهورها لتقارن بحالتها بعد انتشارها، كما ينبغي أن توضع في الاعتبار ردود الأفعال التي لابد أن تتسرب إليها وتشوبها في مقاومتها للوضع السائد الذي تعارضه وتندد به؛ لأنها في دعوتها إلى نبذ الأطماع القائمة والانحرافات السائدة تشنع بها وتقدمها في أبغض الصور لكي تصرف الناس عنها وتبين لهم شناعة ما هم عليه من فساد الحال، ثم إن ذلك لا يزيد خصومها إلا لددا في خصومتهم فيبالغون في التشنيع بها، ونشر قالة السوء عنها، وتصيد الأخطاء التي ربما وقعت من أتباعها، وحمل أفعالهم وتأويلها على أسوأ محمل، وربما فعلوا في ذلك أن يدّعوا عليهم ما ليس فيهم، وذلك كله مما يملأ قلوب أصحاب الدعوة وأتباعهم حنقا فيكيلوا لهم بمثل كيلهم، وهكذا فإن التفاعل لا بد أن يجر إلى شيء من هذه المبالغة التي يجب أن تكون موضع الاعتبار والتقدير عند الباحث، الذي يقرأ ما كتبه مؤرخو الدعوة عن عنف معارضيها.

الهوامش:

1 - الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب جـ2 للدكتور عبدالرحمن عميرة - أسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ص 6.

2 - انظر: الوهابية وزعيمها محمد بن عبدالوهاب، بقلم: حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله - مجلة العربي، العدد 147 فبراير 1971.

3 - آل سعود ص 212.

4 - الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية، أحمد بن حجر.

5 - جريدة أم القرى - ذو الحجة 1347هـ، مايو 1929م.

6 - الهدية السنية ص 42.

7 - ديوان ابن سحمان ص 51 - 98.

8 - بين الديانات والحضارات - لطه ص 142.

9 - محمد بن عبدالوهاب- ص51

10 - محمد بن عبدالوهاب مصطلح مظلوم- ص 165.

11- السلف - بالفتح - في اللغة: المتقدمون والراحلون من الآباء الأولون السابقون، وبيع السلم، وفي الشرع: اسم لكل من يقلَّد مذهبه في الدين ويُتبع أثره، كأبي حنيفة وأصحابه، فإنهم سلف لنا، والصحابة والتابعون فإنهم سلفهم، وقد يطلق السلف شاملا للمجتهدين كلهم.

      وقال بعضهم: السلف شرعا: كل من يقلد ويقتفى أثره في الدين.. والصدر الأول يسمون: «السلف الصالح»، ومنه حديث مذحج: نحن عباب سلفها. انظر السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، د. علي عبدالحليم محمود ص9.

12- رواه البخاري في فضائل الصحابة، ورواه مسلم وأبوداود.

13- من مقال للدكتور محمد محمد حسين أستاذ ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة الاسكندرية، رحمه الله تعالى.

14- الدرعية العاصمة الأولى: عبدالله الخميس- ط (1) 1402- الرياض.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك