رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 17 يناير، 2018 0 تعليق

دروس وعبر من حديث المطر

 المسلم الحصيف هو الذي يتلمس الدروس والعبر والعظات في كل موقف أو مشهد من مشاهد الكون الفسيح، فلله -عزوجل- في كل مشهد من المشاهد حكم عظيمة، ومنن جزيلة علمها من علمها وجهلها من جهلها، يظهر الله بعضها ويخفي بعضها لحكمة عنده -سبحانه-؛ لعل قلباً يتعظ أو نفساً تدكر.

     والنبي -صلى الله عليه وسلم - كان في كل مشهد من تلك المشاهد المتعددة قدوة لنا في تعلق العبد بربه مع حرصه على صلاح العباد والبلاد، يظهر ذلك في كلماته الجامعات -صلى الله عليه وسلم -؛ فقد أوتي -صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم وها نحن أولاء الآن نعيش في فصل الشتاء، وتمطرنا السماء في الليل والنهار؛ فهلا تدبرنا في كلمات النبي -صلى الله عليه وسلم - ومواقفه حال نزول الأمطار؟

فقد ورد في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: «اللهمَّ صَيِّباً نافعاً».

     وورد أيضا في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال: يارسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة؛ فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته -صلى الله عليه وسلم - فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره؛ فقال: يارسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا؛ فرفع يديه، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود.

وفي رواية قال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر». قال: «فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس».

     ففي الحديث الأول: قال -صلى الله عليه وسلم -: «اللهم صيبا نافعا» أي اجعله مطرا أو عطاء نافعا؛ فالصيب: هو المطر النازل أو العطاء، ونافعا: أي نافعا للعباد، يقع على الأرض فتنبت به النباتات، وينزل في جوفها فيسقي الناس منها فيما بعد.

التعلق بالعطاء الذي ينفع البلاد والعباد

     فانظر -رحمني الله وإياك- إلى ذلك القيد النبوي (نافعا)؛ لأنه قد يكون هناك عطاء ينزل ولكنه لا ينفع، كما صح عنه -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا»؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم - لم يجعل الجدب (السَّنَة)هنا بعدم نزول المطر إنما جعله بضياع ما يترتب عليه من البركة والمنفعة.

     فالوقفة هنا: ألا نتعلق بمجرد طلب العطاء الذي نرجوه، إنما يجب أن يكون التعلق بالعطاء الذي ينفع البلاد والعباد ويرضي رب الأرض والسموات، ولنحذر من أن يكون سعينا لتحصيل ما نطلبه مرتبطا بمجرد الرغبة في الحدوث أو الترأس والتملك ولو على جثث العباد وخراب البلاد؛ لأن هذا والله هو عين الفساد كما قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}.

دعاء الاستخارة والحكمة منه

     ولعلنا نتأمل في ذلك دعاء الاستخارة والحكمة مما جاء في نصه من قولك: «اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به».

     وفي الحديث الثاني: جاء الأعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - خائفا على ماله وعياله في حالين مختلفين حال الجدب وحال شدة المطر والنبي -صلى الله عليه وسلم - في الحالين لم يخصه بتلبية طلبه الشخصي كما أراد الأعرابي، بل نظر -صلى الله عليه وسلم - إلى ما فيه صلاح المجموع، ففي المرة الأولى دعا الله أن يغيثهم بالمطر على العموم نظرا لوجود الجدب في المدينة وخارجها.

     وفي المرة الثانية لم يستجب لرؤية الأعرابي بطلب منع المطر من أصله بل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم - دعاءه إلى ما يدفع به المفسدة الحادثة، ويجلب به المصلحة والخير للجميع؛ فسأل كشف المطر عن البيوت والمرافق والطرق؛ بحيث لا يتضرر به ساكن في مسكنه؛ فقال : «لا علينا»، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة؛ بحيث يبقى نفعه وخصبه فقال «اللهم حوالينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر»؛ بحيث يستفيد من ذلك عامة المسلمين، وقد حدث ذلك فعلا حتى ظهر وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود.

     والوقفة هنا: أنه لابد من التخلي عن النظرة الضيقة التي تتبنى تحقيق المصلحة الشخصية لفرد أو لفصيل، مع ضرورة اتساع الأفق والنظرة لتشمل بعين الاعتبار تحقيق المصلحة العامة لجموع المسلمين متابعة لسنة سيد المرسلين وبما يرضي رب العالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X