دروس من قصص القرآن الكريم – قصة آدم عليه السلام
- الله تعالى يقبل توبة عباده إذا عصوه وخالفوا أمره ثم عادوا إليه تائبين نادمين مستغفرين
- من أهم الدروس التي علمها الله للملائكة أن المعيار الذي ينبغي ألا يزاحمه غيره في التفاضل بين الناس هو معيار العلم
- بذور الكبر التي نبتت في نفس إبليس أثمرت قطيعة دائمة مع الله تعالى وقد استتبع ذلك هبوطه عن المنزلة التي كان فيها والمكانة التي تبوأها سابقًا
إنَّ أول ما جاء من القصص في القرآن الكريم، ما جاء في سورة البقرة، عن قصة خلق آدم -عليه السلام-، وهي قصة مليئة بالعبر والعظات والإرشادات، والدروس المستفادة، فقد اشتملت الآيات على مجموعتين من الإرشادات والعبر والعظات، تمثلت المجموعة الأولى في ذلك الحوار الماتع بين الله -تعالى- وملائكته وآدم، وتعليمه إياه للأسماء كلها، وأما المجموعة الثانية فتمثلت في قضية الأمر بالسجود لآدم وما تبع ذلك من أحداث، قال الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}، (البقرة: 30- 33).
الدرس الأول: أهمية وضوح الرؤية والهدف
فإن الله -سبحانه- قد أخبر الملائكة بأنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، ولما كان -سبحانه- قد جعل للملائكة وظائفَ تتعلق بآدم وذريته، في خلقهم ورزقهم وحفظهم وحفظ أعمالهم، ونفخ أرواحهم وقبضها، والاستغفار لهم، وغير ذلك مما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة من وظائف لهم، ذات تعلق بالبشر. فقد كان من جليل حكمة الخالق -سبحانه- أن يُشرك الملائكة في حوار يتعلق بالإنسان الذي سيكون موضوع عملهم في الزمن اللاحق، وهذا الحوار من الله -تعالى- الخالق -سبحانه- لملائكته، يعلمنا أهمية الحوار، وأنه في غاية الأهمية؛ لجعل جسور التواصل ممدودة فيسهل تنفيذ المهام والأعمال عن حب ورضا وعرفان، -وهذا من الخالق -سبحانه- فما بالك بمن دونه من الخلق! سواء رؤساء أو قيادات في مختلف مجالات الحياة- فحين سأل الملائكةُ اللهَ -تعالى-: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، كان ذلك سؤالا منهم عن حكمة خلق آدم، وسببه، فبادرهم الله -تعالى- بالحقيقة التي يعلمونها جيدًا، وهي أنه -سبحانه- يعلم ما لا يعلمون؛ حتى تظل هذه الحقيقة ماثلة أمامهم في قابل أيامهم وسني أعمالهم مع كل ما يستوجب الحنق والاستنكار من المخلوق الجديد وذريته، لقد سمح الله -تعالى- للملائكة بالسؤال وأجابهم قولا وأثبت لهم عملاً صحة قوله لهم، ولم يكن -سبحانه- بحاجة إلى شيء من ذلك؛ لأنهم مفطورون على الطاعة أصلاً، لكي يتعلم كل قائد -مهما كان قدر ثقة مرؤوسيه فيه- أن الأعمال الملتبسة والأوامر الشائكة لابد من توضيح لها، وتفسير -بشكل أو بآخر- لحكمتها ومغزاها.الدرس الثاني: العلم ميزان التفاضل
نبه الله تعالى-من أول خلق آدم- على أن المعيار الذي ينبغي ألا يزاحمه غيره هو معيار العلم، فقد كان هذا هو أهم درس علمه الله إلى ملائكته، فلم يكن الأمر بالسجود لآدم مجردًا عن الغاية، ولا هو تكريمًا عن تحيز أو اصطفاء بغير تأهيل وجدارة؛ بل لأجل العلم الذي ميز الله به آدم عن سائر خلقه، ودليل ذلك أن الله -تعالى- ما أمر الملائكة بالسجود لآدم بمجرد خلقه له، إنما جاء ذلك عقب حدثين علميين، هما تعلم الأسماء، ثم تعليمها، فقد عَلَّمَ الله آدم أولاً، ثم أمره أن يُعلِّم الملائكة، {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}، فلو كان المقصود تكريم آدم لشخصه، لمجرد أنه مخلوق مميز عند الله بما أودع فيه من أسرار الخلق، ومُيز به عن سائر المخلوقات من خصائص، لكان الله -تعالى- قد أمر ملائكته بالسجود له بمجرد أن نفخ فيه الروح، فصار بشراً كاملاً يتحرك، لكن ذلك لم يحدث، إنما جاء الأمر بالسجود له بعد أن علَّمهُ اللهُ الأسماءَ كلَّهَا، ثم علمها للملائكة، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن العلم هو المعيار الذي يجب أن يتم التفاضل بين الخلق على أساسه في الظاهر.الدرس الثالث: التقوى معيار التفاضل في الباطن
أدى تخلي إبليس عن مفهوم الطاعة لله -تعالى-، واعتراضه على الآمر -سبحانه-، إلى تحول شخصيته من حال الوداعة إلى حال التآمر وتدبير المكائد، فحين ترك طاعة الله، بذرت بذور الإجرام في شخصيته، كما أن بذور الكبر التي نبتت في شخصيته يومئذ أثمرت قطيعة دائمة مع الله -تعالى-، قال -تعالى- {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (ص). وقد استتبع ذلك هبوطه عن المنزلة التي كان فيها، والمكانة التي كان قد تبوأها في السابق، وهذا درس مهم من دروس قصة آدم -عليه السلام-، بل هو لب الخلاف بين ما يراه إبليس من أسباب أفضليته، وما قرره الله -تعالى- من أفضلية آدم، فآدم ليس الأفضل بالعلم فقط، ولكن بسرعة توبته واعترافه بخطئه، ومن ثم استعادته لما كان فقده بالمعصية من أسباب التقوى، وهنا يأتي درس آخر.الدرس الرابع: توبة الله -تعالى- على من تاب من عباده
فمع أول معصية عصاها الإنسان لله -تعالى-، فتح الله له باب التوبة، قال -تعالى-: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، (البقرة: 37)، فالله -تعالى- يقبل توبة عباده، إذا عصوه وخالفوا أمره ثم عادوا إليه تائبين نادمين مستغفرين، {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، (الأعراف: 23)، وقد بين الله -تعالى- في آيات أخرى بخصوص قصص آخر أن هناك ضوابط لقبول تلك التوبة، فباب التوبة المفتوح منذ آدم -عليه السلام-، يظل مفتوحاً لكل عبد من أبنائه إلا في أحوال أربعة، أولها: مالم يغرغر، فيصبح الموت متحققًا لا محالة، كما كان شأن فرعون حين أعلن توبته وهو يغرق، فإن ذلك لم يفده؛ لأنه ما تاب إلا بعد أن عاين الموت وصار غرقه محققاً، ومن هنا قال النبي - صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند الترمذي وابن ماجة-: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) يعني مالم تبلغ الروح الحلقوم، وأما الأحوال الثلاثة الأخرى التي لا تنفع فيها التوبة فقد جاء بها حديث في سنن الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كسبت في إيمانها خيرا} (سورة الأنعام، آية: 158)، الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ المَغْرِبِ».الدرس الخامس: الكفر قد لا يكون بإنكار العقائد فقط
فقد يوصف العبد بالكفر مع أنه لا ينكر شيئًا من العقائد فقط، وإنما إنكاره لشيء من الشرائع الثابتة المحكمة، قد يُلزمه ذلك الوصف، فيكون كافرًا، بإنكاره لوجوب الصلاة مثلاً أو حرمة الخمر، أو نحو ذلك، مع أنه موحد لله مؤمن به، وهنا يظهر أن نكوص العبد عن القيام ببعض الواجبات العملية إذا كان عن إنكار لوجوبها، فإنه ينقله من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر، ويكون شأنه في ذلك شأن إبليس الذي أُمر بالسجود فأبى واستكبر، مع أن إبليس حين وصفه الله بالكفر كان مؤمناً بالله وملائكته واليوم الآخر، لكنه رفض الاعتراف بواجب واحد من الوجبات المفروضة عليه، فكان بإنكاره له من الكافرين، ومن هنا وبناء على ذلك أجمع العلماء على أن من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة، والزكاة والصوم والحج وحرمة الخمر والزنا والقذف، أنه يكون كافرا بهذا، قال النووي -رحمه الله تعالى-: «من جحد مجمَعًا عليه فيه نَصٌّ، وهو من أمورِ الإسلامِ الظَّاهرةِ التي يشترِكُ في مَعرِفتِها الخواصُّ والعوامُّ؛ كالصَّلاةِ، أو الزكاةِ، أو الحَجِّ، أو تحريمِ الخَمرِ أو الزِّنا، ونحوِ ذلك فهو كافِرٌ» (روضة الطالبين، 146/2).
لاتوجد تعليقات