رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سيد عبدالهادي 5 يناير، 2017 0 تعليق

دروس من حلب

رغم الآلام التي تعتصر قلوب المسلمين والعرب لما يحدث من مآس في سوريا -لا سيما الاجتياح الأخير لحَلَب من النظام النصيري ومن يدعمه، والقصف الروسي الهمجي- رغم مرارة الألم فلابد من استنباط الدروس؛ حتى لاتتكرر الجريمة في الموصل أو اليمن أو غيرها من بلاد المسلمين.

ماذا يحدث؟

     كثير من المسلمين و العرب مايزال منغمسًا في ملَذّاته، سادرًا في شهواته، لايُلقي بالًا لأحوال المسلمين، وإنما همه في ملاحقة أخبار الفن أو متابعة مباريات الكرة، وتكون الطامّة كبرى إن كان من بعض أثرياء العرب الذين ملَّكهم الله مالًا ليساعدوا فقراء الأمة فإذا بهم ينفقونه في نوادي أوروبا وملاهيها، وعامة الناس تطحنهم الحياة المادية من أجل لقمة العيش، فلا يكاد يرفع رأسا ليسأل: ماذا يجري؟

هؤلاء أهلونا، ويلزمنا -وجميع المصلحين العرب والمسلمين- تنبيههم من غفلتهم، وإرشادهم برفق إلى أهمية التعاطف بين المسلمين، وحتمية التآزر بين العرب على المستوى العاطفي الإنساني قبل المادي؛ فإن المسلمين جسدٌ واحدٌ يفرح أو يحزن سويًا.

حكمة الله

بعض الناس قد يتعاطف، ولكن يشطط به الفكر؛ لما يرى من شناعة الجرائم؛ فيتسخط على قدر الله -عزّ وجلّ- أو يتساءل: لماذا يترك الله أولياءه أو المستضعفين يُقتلون؟

     وهؤلاء على خطر عظيم؛ إذ أعمتهم الصدمة عن حكمة الله -عزّ وجلّ- في وجود المصائب التي يبتلي بها عباده ليخفف من ذنوبهم، و يرفع درجاتهم، أو يبين لهم نوايا أعدائهم فيحذروا منهم و يستعدّوا لهم، ولولا الفساد لما وجد الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، بل لولا خلق الله للكفر لما وجد رسلٌ ورسالات، ولعل الكافر يؤمن، ولعل العاصي يتوب؛ فوجود الشر في الدنيا أمرٌ نسبيّ يترتب عليه خيرات أخرى، لايفقهها إلا من علِم حكمة الله تعالى، فعلى الدعاة و العلماء تبصير الناس بحِكَم الله، وتصبيرهم على الشدائد والمصائب.

جروزني وسراييفو وحَلَب

     «خذلت حَلَب من المجاهدين داخلَها قبل أعدائِها»، هذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها لتجنُّبها مستقبلًا؛ فالفصائل الجهادية في سوريا فصائل متناحرة كانت تتقاتل فيما بينها قبل أن تقاتل العدو، بل كان كثيرٌ من الفصائل يقاتل لتكوين إمارات أو دويلات تدين له، وكان حريٌ بهم أن ينضووا تحت قيادة أبناء البلد، كما حدث في حرب البوسنة؛ فقد كان هناك قيادة موحدة يخضع لها الكل، وعندما اشترطت الدول الغربية خروج المجاهديين العرب من البوسنة كشرطٍ لإتمام الصلح استجاب المجاهدون للمصلحة العامة ولم يؤثروا المصالح الشخصية أو الطائفية الضيّقة.

     ولعل الصورة الأوضح كانت في الشيشان؛ حيث حاصر الروس (جروزني)، ولغموا طرق الخروج، فما كان من المجاهدين بقيادة (شامل باسييف) إلا أن خرجوا ليحفظوا حياة المدنيين الأبرياء في المدينة, فهذه أمثلة تدل على التفاني و الإيثار، وإن اختلفنا معهم فكريًا، أما ما حدث من الفصائل الجهادية الأجنبية عن سوريا فكان مزيدًا من الاستعداء بانضمام أمريكا إلى الروس و الشيعة لمحاربة (القاعدة) و (داعش).

الأمل في موعود الله.. ولكن أين المؤمنون؟

يخطئ من يظن أن الحرب جولة، وأن الباطل سينتصر في النهاية؛ فهذا خلاف موعود الله للمؤمنين بالنصر والتمكين، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أهل الشام في رباط إلى يوم الدين، ولكن أين المؤمنون؟

أين المتمسكون بعقيدتهم الذين لايوالون أعداء الله؟ أين المحافظون على الصلاة و المؤدّون الزكاة؟ أين الصائمون والحافظون لفروجهم؟ أين العفيفات المحافظات على حجابهن؟ أين من يبرّ والديه ويصل رحمه ويتحرى الحلال؟

     هم موجودون بفضل الله، وسيتحقق نصر الله لهم، لكن الغبش الذي يظهر في الأمة من الفساد والترف وأكل الحرام واتباع الشهوات هو المنتفش والمسيطر، فلابد من التغيير الحقيقي في الفرد والأسرة والدولة لمحاربة الفساد الظاهر، ولابد من توحيد جهود الدول العربية ولاسيما مصر والسعودية؛ لمقاومة الزحف الطائفي، ولوقف خطة الغرب بتفتيت الدول العربية.

وأخيرًا ينبغي أن نعلم أن أعمار الأمة لاتقاس بأعمارنا القصيرة، بل تمر الأمة بسنين عزة وسنوات قهر، ثم تعود لدينها فتعود لعزتها وهكذا، فالمهم أن نكون ممن يسعى لنهضة الأمة ولانكون سببًا لكبوتها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك