دراسة ميدانية (خاصة بـالفرقان) كورونا ..وتأثيرها على المصلين
بعد انتشار جائحة كورونا وزيادة تأثيراتها السلبية في العديد من الدول، قررت دول إسلامية عدة إغلاق المساجد مؤقتا في إطار الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، ونظرًا لهذا الإجراء الاحترازي، وجد المصلون صعوبة في التأقلم معه، ثم بعد ذلك سمحت عدد من تلك الدول ومنها دولة الكويت بعودة الصلاة في المساجد، بعد إعدادها وتجهيزها بالاحتياطات والاشتراطات الصحية المطلوبة من تباعد الصفوف، ولبس الكمام في أثناء الصلاة، وغيرها من الإجراءات التي لم يعهدها المصلون من قبل، لذلك حرصت مجلة الفرقان على دراسة هذا الموضوع وتأثيراته النفسية والاجتماعية على المصلين ومدى تأثرهم بتلك الإجراءات وتأثيراتها على تأدية الصلاة على الوجه الأكمل.
منهجية العمل
صُمِّمت استبانة مكونة من عشرة أسئلة متخصصة وموجهة للأئمة والمؤذنين؛ كونهم الأشخاص المعنيين بهذا الموضوع، وتم نشرها من خلال وسائل التواصل كالواتس آب والتويتر وعلى مجموعات الأئمة والمؤذنين، وقد شارك في الاستبانة عدد 168 إمامًا ومؤذنًا من مختلف المحافظات الست داخل الكويت، كما تم استطلاع الرأي الفقهي حول هذا الموضوع لعدد من العلماء والمشايخ، وهم: الشيخ ناظم سلطان المسباح (الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية)، والشيخ رائد الحزيمي (الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية)، ود. وليد خالد الربيع (الأستاذ بكلية الشريعة جامعة الكويت)، والشيخ فتحي الموصلي (المستشار بالوقف السني بمملكة البحرين).
عدد المشاركين
شارك في الاستبانة 168 مشاركًا منهم 80 إمامًا و88 ومؤذنًا وجاءت نسبة الأئمة المشاركين 52٫4٪ ونسبة المؤذنين 47٫6٪
توزيع المشاركين على المحافظات
جاءت محافظة العاصمة بنسبة 52٪ وجاءت الجهراء 30٪ ثم الفروانية 27٪ ثم حولي 25٪ ثم الأحمدي 23٪ ثم مبارك الكبير 11٪
أسئلة الإستبانة
السؤال الأول :
- في حال تطبيق الحظر الكلي هل ترى منع الصلاة في المساجد؟
رفض 94٪ من المشاركين إغلاق المساجد حال تطبيق الحظر مرة أخرى، بينما وافق 6٪ فقط من المشاركين على هذا الإجراء، ولا شك أن هذا تأكيد على موقف الوزارة فيما ذهبت إليه من إعادة فتح المساجد، كما أنه ولا شك يعبر عن ارتباط المصلين ببيوت الله ولا سيما الأئمة والمؤذنين الذين يعبرون عن حال هؤلاء المصلين.
السؤال الثاني :
- ما أهمية إقامة الصلاة في المساجد خلال الحظر الجزئي؟
جاءت الإجابات عن هذا السؤال كالتالي:
- ذكر بعض المشاركين أن إقامة الصلاة في المساجد يعتمد على الوضع الصحي، فإن إقامتها في المساجد مع الأخذ بالإجراءات الاحترازية يكون أفضل.
- وذكر بعضهم أن إقامة الصلاة في المساجد أمر في غاية الأهمية، فمن الضروري ربط المسلمين ببيت ربهم؛ ولاسيما في فترات المحن وزمن الجوائح، فهو ضرورة شرعية، وأمان نفسي، للفرد والمجتمع، ولا شك أن ذلك يرفع الروح المعنوية ويزيد في القرب من الله -تعالى- والتضرع إليه برفع البلاء.
- كما ذكر بعضهم أنَّ إقامة الصلاة في المساجد لها مردود نفسي رائع على الناس للتخفيف من العبء الواقع عليهم، وربطهم بالعبادة، وعدم تعودهم على الصلاة في البيت، فذهابهم للمسجد متنفس لهم، كما أنه تعويد لهم على عدم التساهل والكسل في الذهاب للمسجد.
كما أكد بعضهم الآخر أنَّ الصلاة في المساجد من أهم شعائر المسلمين وسماتهم، ولها أثر طيب على المصلين، فهي دواء للقلوب، وتربط الناس بخالقهم في ظل هذه الأزمة التي تجعلهم تحت ضغط نفسي كبير.
- ومن الآراء التي ذكرها المشاركون أيضًا أنَّ في إقامة الصلاة في المساجد تقديم العزيمة على الرخصة مثل أهميتها في غير وقت الحظر وربما أكثر؛ لأن الخروج للمسجد في حد ذاته طمأنينة للناس ومراعاة لحالتهم النفسية في ظل الحظر؛ حيث يلتقي بإخوانه المصلين في هذا الوقت اليسير.
- وقال بعضهم الآخر: إن ذلك سبيل إلى رفع البلاء، قال -تعالى-: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، فوجود الناس في المساجد في هذه الأوقات تذكير لهم بنعمة الله عليهم وأحرى إلى تضرعهم وتوبتهم حتى يرفع الله هذا البلاء، فالوباء والمصائب لا ترتفع إلا بتوبة صادقة.
- كما أيَّد بعضهم الآخر الصلاة في المساجد بقوة قائلاً: الناس يجدون في المساجد متنفسا لهم في أثناء الحظر؛ فيضطرون لزيارة المسجد اضطرارًا، وهذا قد يكون سببا لاهتداء الكثير منهم.
- كما أكد بعضهم أن إقامة الصلاة في المساجد فيه ترويح عن المصلين، وتقوية علاقتهم، وتجديد ثقتهم بالله، وتأكيد على زيادة التزامهم بالضوابط والاشتراطات الصحية من خلال توجيهات الإمام، والإلمام بأخبار البلاد والتشاور حول الأمور المهمة، كما أن فيها رفعا للروح المعنوية لأهل المسجد، وتثبيتهم على الصبر، وتبشيرهم بحسن العاقبة للمؤمنين.
السؤال الثالث :
- هل منع الصلاة في المساجد خلال الحظر الكلي أثر سلبًا في نفوس المصلين؟
جاءت الإجابات عن هذا السؤال متباينة نوعًا ما، فقال بعضهم: إنها أثرت، لكن ليس تأثيرًا كبيرًا، وذلك لقدرة ديننا على استيعاب جميع الظروف، في حين ذهب بعضهم أنها أثرت على شريحة الشباب خصوصا؛ لأنهم في العادة لا يلتزمون بما تفرضه المؤسسات الرسمية من إجراءات، وقال آخر: إنَّ هذا المنع ربما كان من الضرر الذي جلب نفعًا؛ حيث شعر الناس ببيان أهمية المسجد في حياة المسلمين، وإظهار الشوق والمشاعر الصادقة تجاه بيوت الله وفي نفوس الأئمة والمؤذنين.
السؤال الرابع :
- ما دور الإمام في توجيه المصلين للتقيد بالاشتراطات الصحية والاحترازية؟
جاءت الإجابات عن هذا السؤال مؤكدةً أهمية دور الإمام في المسجد في مثل هذه النوازل، فذكر بعضهم أن دوره لا يتوقف على حدود المسجد فقط بل يتعدى إلى دور توعوي وتفاعل اجتماعي مع سكان المنطقة، من خلال الإرشاد والتوجيه والنصح.
- وذكر بعضهم أن هناك وسائل عديدة، من خلالها يستطيع الإمام توجيه المصلين للالتزام بالشروط الصحية وإيصال رسالته؛ فلديه الخطبة والدروس والخواطر الإيمانية بعد الصلوات.
- في حين رأى بعضهم أن مسؤولية الإمام تكون أيضًا في متابعة توفير مستلزمات التعقيم والإشراف عليها وتوجيه العمال لترتيب الدخول والخروج وفتح الأبواب والنوافذ.
- ورأى آخر أنه من المهم أن يلتزم الإمام في ذاته بتلك الإجراءات حتى يكون قدوة لغيره، وأن يحرص على إظهار هذا الأمر أمام المصلين.
- كذلك أكد المشاركون على أن الإمام ممثل لأجهزة الدولة كلها داخل المسجد، وهو الموجه والمرشد والناصح فعليه أن يكون حازمًا في التعامل مع تنفيذ هذه الإجراءات لكن برفق ودون تنفير.
- كما ذكر بعضهم أن الإمام أحيانًا يواجه صعوبات في إقناع بعض كبار السن الذين لا يلتزمون بالإجراءات التي فرضتها الوزارة، ويجد حرجا بالغا في التعامل معهم.
السؤال الخامس :
- هل التباعد الجسدي بين المصلين في الصلاة أثر سلبًا على أداء الصلاة نفسها؟
جاءت إجابات الأئمة والمؤذنين عن هذا السؤال كالتالي:
- رأى بعضهم أنها لا شك أثرت سلبًا على هيئة الصلاة نفسها، لكنها مسألة وقت، وتزول الغمة إن شاء الله، ولكن لابد من التباعد؛ لأنه الوسيلة المثلى لتجنب انتقال العدوى.
- في حين رأى بعضهم أن التأثير ليس بالكبير؛ لأن هذه رخصة أجازها الفقهاء.
- ورأى بعضهم أن تأثير التباعد جاء في الكثافة العددية لرواد المسجد؛ حيث تضاءل عدد المصلين إلى قرابة الثلث؛ مما دفع المصلين للصلاة خارج المسجد في أغلب الفروض.
السؤال السادس :
- هل يلتزم المصلون الإجراءات الاحترازية من لبس الكمامة وإحضار سجادة الصلاة؟
جاءت إجابات المشاركين عن هذا السؤال مبينة أن نسبة 60٪ من المصلين ملتزمون بتلك الإجراءات، بينما 40٪ منهم غير ملتزمين؛ لذا يأتي دور الإمام في توعية المصلين وتوجيههم بضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية، مع استمرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ببث التوعية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وفي الدروس ولا سيما في شهر رمضان، مع تأكيد أهمية عدم الجلوس في المساجد فترة طويلة.
السؤال السابع :
- هل منافذ التهوية في المساجد كافية للحد من تفشي هذه الجائحة بين المصلين؟
جاءت إجابات المشاركين عن هذا السؤال مبينة أنَّ نسبة 84٪ من المساجد مهيئة لذلك، و16% أجابوا بأنها غير مهيئة لمثل هذه الظروف، لذلك على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دراسة تصاميم جديدة تتناسب مع الظروف الصحية الراهنة، وإمكانية تعديل نظام التهوية في المساجد، وأيضًا زيادة المداخل لسهولة الحركة، كما نلاحظ أن بعض الإضافات الملحقة بالمسجد كالديوانية وكبر مصليات النساء كان على حساب نظام التهوية وعدد الشبابيك بالمساجد.
السؤال الثامن :
- هل قلَّ عدد المصلين في المسجد منذ تطبيق الحظر الجزئي؟
أكد 65٪ من المشاركين أن عدد المصلين لم يقل في المساجد خلال الحظر الجزئي، بينما 35٪ منهم أشار إلى أن تلك الأعداد قلت، ولا شك أن هناك من كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالضغط والسكر الذين لديهم مناعة قليلة، وأيضًا الأطفال ليس مطلوبا منهم في هذه الفترة الحضور إلى المساجد، بل من الأفضل صلاتهم في البيوت حفاظًا على سلامتهم.
السؤال التاسع :
- هل يلتزم المصلون أوقات فتح المساجد وإغلاقها مع سرعة المغادرة بعد الإنتهاء من الصلاة؟
جاءت إجابات المشاركين عن هذا السؤال مبينة أن نسبة 83٪ من المصلين يلتزمون بتلك الإجراءات، و17٪ منهم لا يلتزمون، لذلك -مع الأسف- فإن بقاء بعض المصلين داخل المسجد قبل الصلاة المفروضة وبعدها يشكل قلقًا للآخرين الذين يريدون أن يؤدوا فريضة الصلاة، فوجود هؤلاء قد يعرض الآخرين للإصابة، ولا سيما أن التعليمات جاءت بعدم المكوث في المسجد قبل أداء الصلوات وبعدها.
الرأي الفقهي :
لما كانت جائحة كورونا من النوازل المستجدة، وهناك حاجة ملحة لمعرفة الحكم الشرعي في الإجراءات المتخذة حيالها؛ حيث لم يكن لها مثيل من قبل في العصر الحديث، استطلعت المجلة آراء عدد من المشايخ والعلماء، ووُجِّه سؤالان لهم، الأول: كان عن تأثير الجائحة على المصلين وأداء الصلاة على الوجه الأكمل في ظل الإجراءات التي اتخذتها وزارة الأوقاف، والثاني عن كيفية تعامل الفقه الإسلامي مع مثل هذه النوازل من منطلق المصالح والمفاسد.
الشيخ ناظم المسباح: ضوابط الأوقاف شرعية ومقبولة
أكد الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف الشيخ ناظم المسباح أن الضوابط الوقائية والشروط الاحترازية التي وضعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ بهدف وقاية المصلين من الإصابة بفيروس كورونا، ومنها التباعد بين المصلين، هي ضوابط «شرعية ومقبولة»، لافتا إلى أن هذه الضوابط قد لا تلقى قبول شريحة من المصلين؛ بسبب أن الأمر نازلة لم تحدث من قبل، ولم تمر علينا.
من المسائل الخلافية
وعما يحدث من عدم تسوية الصف نتيجة للتباعد بين المصلين قال الشيخ المسباح: تسوية الصفوف في صلاة الجماعة من المسائل الخلافية، فقد ذهب بعض العلماء إلى الوجوب كالبخاري وابن حزم وابن تيمية وابن باز وابن عثيمين مستدلين بالعديد من الأحاديث، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لتُسَوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» وقوله: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة»، مشيرًا إلى أنَّ هذا الرأي هو الصحيح لظاهر الأدلة الآمرة بتسوية الصفوف، وأما المذاهب الأربعة فتسوية الصف عندهم مستحب، ويجعلونه من متممات الصلاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة»، فمن تعمد ترك التسوية في الصف يكون قد ترك أمرا مستحبا، وفاته ثواب فعل السنة.
عامة العلماء يصححون صلاة الجماعة
وأكد المسباح أنَّ عامة العلماء يصححون صلاة الجماعة دون تسوية الصفوف، حتى عند القائلين بالوجوب، عدا ابن حزم، لكنهم يصححونها مع الإثم؛ لأن فيها تركا لواجب، وأما القائلون بالاستحباب وهم أهل المذاهب الأربعة فإنهم يصححونها مع الكراهة، موضحًا أن مما يستدل به على عدم بطلان الصلاة هنا ما رواه مسلم عن جابر قال: «قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبّار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه»، ووجه الدلالة هنا أن جابرا وجبَّارا وقفا من الإمام في غير الموقف الصحيح، ولم يأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة.
تسوية الصفوف
وبين المسباح أن القائلين بوجوب تسوية الصف، وحصول الإثم بتركه عمدا، يسقطون الوجوب مع وجود العذر، والقاعدة أن جميع الواجبات تسقط مع العجز أو حصول المشقة من فعله، وعليه فإننا نقول -وبالله التوفيق-: إن حصول الظن الغالب في انتقال الوباء بين المصلين عند التقارب والتلامس وسجود بعضهم في موضع سجود الآخر، يعد كافيا لتحقق العذر المسقط لواجب التسوية، وهو أخف مفسدة من تعطيل الجماعة وإغلاق المساجد بالكلية، مختتما بالتضرع إلى العلي القدير أن يرفع الوباء والبلاء عن الكويت وسائر بلاد المسلمين.
الشيخ رائد الحزيمي: تغليب المصلحة العامة
من ناحيته أكد الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف الشيخ رائد الحزيمي أن هذه الجائحة أثرت على المصلين، وأدت إلى كثير من التغييرات في عادات الناس وارتباطهم بالمساجد، كذلك من ناحية الأداء الأكمل في الصلاة، فمثلا تراص الصفوف واستكمالها، وهذه الفراغات التي ما عهدناها من قبل، ولكن لأجل المصلحة العامة ولأجل الحفاظ على صحة الإنسان، فكان هذا التباعد الجسدي، وقد جاءت الفتوى من هيئة كبار العلماء بجواز هذا الأمر لتغليب المصلحة العامة.
تغييرات كثيرة
وأضاف الحزيمي أن هناك تغييرات كثيرة حدثت ليس فقط على نطاق الصلاة، ففي السابق كان هناك تجمعات للمصلين في المسجد لمناقشة الأمور الشرعية أو الدروس أو حلقات حفظ كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وكان من عادتهم مثلا أيام الاثنين والخميس يصومون ويفطرون مع بعضهم بعضا، ولكن -مع الأسف- هذا كله فقدناه ولم يعد موجودا في ظل هذه الجائحة؛ وذلك حفاظا على صحة المصلين طبعا، وكذلك كان المصلون في السابق يأتون مبكرين ويجلسون فترات طويلة في المسجد، ففقدنا بعض من تعودنا عليهم من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة خوفا على صحتهم الذين آثروا أن يصلوا في بيوتهم وحرمنا رؤيتهم، وهم أيضا حرموا من شهود الجماعة، أسال الله أن يرفع عنا هذه الغمة.
الرخص الشرعية
وأكد الحزيمي أنَّ الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية شريعة سمحاء، تتماشى مع أوضاع المسلمين، وكذلك تراعي المصلحة العامة، وتحافظ على حياة المسلم؛ لأنها من الضرورات الخمس، كما جاءت القواعد الشرعية «إذا ضاق الأمر اتسع»، ورفع الحرج عن المسلمين، من باب جلب المصالح ودفع المفاسد، لذلك كانت الفتاوى في مثل هذه النوازل بالتباعد الجسدي، وتقليل فترة الصلاة؛ بحيث لا يطول بين الأذان والإقامة، وكذلك قراءة الإمام، حتي خطبة الجمعة قلت المدة إلي 15 دقيقة بما فيها الأذان والإقامة والصلاة كما جاءت بهذا التعاليم، وهذا كله حفاظا على صحة المصلين وليبقى المسجد مفتوحا حتى لا يكون هناك وباء ينتقل للمصلين.
وأضاف، كذلك من الرخص الشرعية في مثل هذه النوازل: أنَّ الشارع الحكيم يأذن لمن وجد حرجا أو خوفا على نفسه وحياته أن يصلي في المنزل، ولا شيء عليه إن شاء الله؛ وذلك لوجود حرج وليس من عادته أن يصلي في المنزل ولكن خوفا علي حياته، حتى صلاة العيدين صليناها في بيوتنا، فالشريعة الإسلامية ليست شريعة متعنته بل هي شريعة سمحة بما يتفق مع نصوص القرآن والسنة.
أ.د. وليد الربيع: الأحكام الشرعية التكليفية نوعان
من ناحيته بين أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الكويت أ. د. وليد الربيع أن المساجد قد تأثرت كثيرا بسبب هذه الجائحة، فقد تعطلت المساجد شهورا عديدة، ولما فتحت المساجد لم يعد بعض المصلين إليها، وهم معذورون في ذلك؛ لظروفهم الصحية أو خوفا على أسرهم من انتقال العدوى إليهم، وتعطلت حلقات التحفيظ، ودروس العلم، والندوات والمواسم الثقافية، والاجتماعات واللقاءات الأخوية بعد الصلوات، واتخذت صلاة الجمعة والجماعة هيئة جديدة غير معهودة من تباعد بين المصلين خلاف التراص المأمور به، وضرورة تغطية الأنف والفم وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغطي الرجل فاه في الصلاة، وإحضار السجادة الشخصية، وإغلاق المساجد بعد الصلاة، ومنع الجلوس فيها وغير ذلك من إجراءات احترازية فرضتها الجهات المختصة، تماشيًا مع طبيعة المرحلة وما تقتضيه طبيعة المرض من شدة الانتشار بأدنى درجات التواصل والتقارب.
الأحكام الشرعية التكليفية نوعان
وأضاف د. الربيع قائلاً: من المعلوم أن الأحكام الشرعية التكليفية نوعان:
- النوع الأول: أحكام كلية شرعت ابتداء، عامة لكل المكلفين، لا تختص ببعض المكلفين دون بعض، ولا ببعض الأحوال دون بعض.
- أما النوع الثاني: فهو أحكام استثنائية شرعت على خلاف الأصل مراعاة لأحوال المكلفين الطارئة، وما يعرض لهم من أعذار تقتضي التخفيف عنهم والتيسير لهم، وهي الرخص، وهذا من رحمة الله -تعالى- بعباده وهو القائل: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (سورة البقرة:185) وقال -سبحانه-: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (سورة النساء:28).
الأخذ بالرخص محمود
وأضاف د. الربيع، الأخذ بالرخص محمود وقد يجب أحيانا، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى، فأباح الله -تعالى- التيمم بالتراب عند فقد الماء أو العجز عن استعماله، وأجاز للعاجز عن استقبال القبلة كالمريض والمربوط أن يصلي حيثما توجه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين لما كانت به بواسير: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» أخرجه البخاري، وأجاز جمع الصلاتين في حالة السفر والمرض والخوف، وتتغير هيئة الصلاة تغيرًا كبيرًا في صلاة الخوف كما وردت السنة المطهرة بذلك.
أمثلة كثيرة
وأضاف د. الربيع هناك أمثلة كثيرة تدل على قواعد شرعية عظيمة منها ما هو كلي كقاعدة: المشقة تجلب التيسير، ومنها ما هو خاص بباب الصلاة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «واجبات الصلاة والجماعة تسقط بالعذر»(الفتاوى21/223،482)، والمراد بواجبات الصلاة هنا ما يجب في الصلاة من ركن أو شرط أو واجب، فإذا قام بالمكلف عذر يمنع من فعل ذلك الواجب فإنه يسقط وتصح الصلاة من دونه، وذلك حفاظا على الصلاة وعلى الجماعة، وتقديما للمصلحة الكبرى وهي الإتيان بالفريضة والجماعة على المصلحة الصغرى وهي الإتيان ببعض الواجبات ولو فاتت الفريضة أو الجماعة.
قال شيخ الإسلام: «وكلما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه، فليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، بل يصلي في الوقت بحسب الإمكان» وذكر أمثلة ثم قال: «والمقصود هنا بيان أن الله -تعالى- ما جعل على المسلمين من حرج في دينهم، بل هو -سبحانه- يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر» (الفتاوى21/225).
صلاة الجماعة أفضل
وعن تباعد الصفوف قال د. الربيع: بعض الناس يتحرج من صلاة الجماعة مع التباعد؛ لأنها هيئة محدثة، ويؤثر الصلاة في بيته منفردا أو جماعة مع أهله، فيقال له: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، وقال بعض العلماء بوجوبها، وحقيقتها: ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام، أما التراص في الصفوف فهو من واجباتها، وهو يسقط بالعذر كما في صلاة الخوف، وهنا عذر يسوغ ذلك وهو خوف انتشار المرض بالملامسة والتقارب، فيسقط التراص، ويبقى الاقتداء مع التباعد من أجل تحصيل فضيلة الجماعة، قال شيخ الإسلام: «واجبات الصلاة وغيرها تسقط بالأعذار، فليس الاصطفاف إلا بعض واجباتها، فسقط بالعجز في الجماعة، كما يسقط غيره فيها، وفي متن الصلاة، ولهذا كان تحصيل الجماعة في صلاة الخوف والمرض ونحوهما مع استدبار القبلة، والعمل الكثير، ومفارقة الإمام، ومع ترك المريض القيام أولى من أن يصلوا وحدانا، ولهذا ذهب بعض أصحاب أحمد إلى أنه يجوز تقديم المؤتم على الإمام عند الحاجة، كحال الزحام ونحوه، وإن كان لا يجوز لغير حاجة.
من محاسن الشريعة
بين د. الربيع «أنَّ من اهتدى لهذا الأصل، وهو أن واجبات الصلاة تسقط بالعذر فكذلك الواجبات في الجماعات ونحوها فقد هدي لما جاءت به السنة من التوسط بين إهمال بعض واجبات الشريعة رأسا، كما قد يبتلى به بعضهم، وبين الإسراف في ذلك الواجب حتى يفضي إلى ترك غيره من الواجبات التي هي أوكد منه عند العجز عنه، وما كان ذلك الأوكد مقدورا عليه، كما قد يبتلى به آخرون، فإن فعل المقدور عليه من ذلك دون المعجوز عنه هو الوسط بين الأمرين»(الفتاوى23/246-247)، وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية وعظمتها، مراعاة الأحوال الاستثنائية للمكلفين، وتقرير الأحكام المخففة لهم بما يتناسب مع أعذارهم ولا يقطعهم عن عباداتهم؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، ورأس المصالح حفظ الدين بإقامة الشعائر التعبدية على أية حال، وعدم الانقطاع عن الصلة بالله -تعالى- ولو مع قيام الأعذار.
الشيخ فتحي الموصلي: مصلحة راجحة
أما المستشار بالوقف السني في مملكة البحرين الشيخ فتحي الموصلي، فقال عن تأثير هذه الإجراءات: عندما يعتاد الإنسان على شيء سواء كان هذا الاعتياد في عبادته أم في سلوكه العام، فقد يجد صعوبة في تغيير هذا الشيء، لكن إذا أدرك هذا الإنسان أن هذا التغيير في الأمر المعتاد إنما هو لمصلحة راجحة، أو لدفع مفسدة كبيرة، فهنا سيقبل هذا الاعتياد الجديد، وسيتفاعل مع هذا التغير تفاعلا إيجابيا ولو على سبيل التدريج، ولهذا من الطبيعي أن نجد مثلا إنكارا أو انزعاجا أو ارتباكا أو قلقا أو حزنا من ابتعاد المصلي عن مسجده؛ بسبب الإجراءات الاحترازية التي شرعت بها كثير من الدول، ومنها الدول الإسلامية والعربية؛ لحفظ مصلحة الناس، وحفظ صحتهم، وحفظ ضرورياتهم.
مراعاة المصلحة العامة
وأضاف الموصلي أن بعضهم قد يتأول تأويلات بعيدة، ويفسر تفسيرات غريبة، لكن الشريعة عندما تشرع أحكامها وتبين حدودها تراعي المصلحة العامة أولاً، ثم حفظ الضروريات ثانيًا، فما يطرأ على ذلك من قيل أو قال فهذا يزول مع الزمان، ويظهر خطؤه بالحال أو بالمأل.
ردود فعل طبيعية
وعن ردود هذه الأفعال، قال الموصلي: إن ما جرى على المسلمين من ردود أفعال قد تكون سلبية، ولكنها حالة طبيعية؛ لأنهم فقدوا عزيزا، ولأن النازلة غريبة جديدة غير مألوفة، ولأن بعضهم تعامل مع الأمور بعاطفة لا بمصلحة شرعية، ولكن أقول هذه الأمور المتعلقة بردود الأفعال وما نتج عنها تزول مع الوقت، بل بإذن الله -تعالى- تكون بمثابة المقدمات والأصول وبمثابة الدلالات والعلامات.
تعليم للمسلمين
وأكد الموصلي أن هذه النوازل سيتعلم المسلم من خلالها أنه عبد لله في مختلف الظروف، وأن الله -تعالى- تارة يمتحنه بالفعل وتارة يمتحنه بالترك، والموفق من حقق العبودية عند أداء الفعل والامتثال للواجب، وأيضًا من حقق العبودية عند ترك الفعل لمصلحة، وهذا معنى أنه يمتثل للأوامر حيثما تكون المصلحة في الامتثال، ويترك مستندًا إلى الرخصة الشرعية عندما تكون المصلحة في هذا الترك، فهذا في الحقيقة تمرن وتدريب علمي وتربوي وإيماني على الامتثال، فإن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتوجهون في مكة إلى بيت المقدس، ثم لما هاجروا إلى المدينة رفع الله -تعالى- الحكم ونسخ التوجه إلى بيت المقدس وصار التوجه إلى البيت الحرام، فكان امتحانا واختبارا وتدريبا لهم على وجوب الانقياد إلى حكم الشرع في أي صورة من الصور وفي أي حال من الأحوال، مادام أن هذا الحكم يستند إلى مصالح شرعية ضرورية وخرج على قاعدة الرخص الشرعية المعتبرة.
دفع الضرر الواقع أو المتوقع
كما بين الموصلي أنَّ موقف الفقه الإسلامي لتقرير بعض الرخص كغلق المساجد، والشروع في الصلاة، وطريقة التباعد مبني على قاعدة دفع الضرر الواقع أو المتوقع لوجود الحرج العام، ولما ابتليت الناس بهذا المرض وصار ابتلاؤه داخلا في عموم البلوى وفي حفظ الضروريات، فإن موقف الفقه الإسلامي في سرعة المبادرة في إصدار الفتاوى ولو كان بعضها في غلق المساجد أو في تغير صورة الاصطفاف في الصلاة دليل على أنَّ هذا الفقه هو فقه شرعي ضروري عملي إيماني تربوي مصلحي مقصدي شامل يراعي المصلحة في كل زمان ومكان، ولهذا جاءت هذه الفتاوى لتؤكد هذه المعاني ولتربي الناس علي وجوب حسن الظن بالعلماء والمؤسسات الشرعية، وأنها تملك قدرة تامة وملكة كاملة في التعامل مع النوازل والتحديات في إطار المصالح الشرعية العامة والخاصة.
الإجراءات الإحترازية لوزارة الأوقاف
حرصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية على سلامة المصلين؛ فشددت إجراءاتها الاحترازية، التي كان أهمها فتح المسجد قبل الأذان بخمس دقائق، وإغلاقه بعد الصلاة بعشر دقائق، وقيام العاملين في المسجد بتنظيم دخول المصلين وخروجهم، ووضع علامات تحدد مكان وقوف المصلين في أثناء الصلاة بما لا يقل عن متر ونصف بين كل مصل وآخر، وترك فراغ بمقدار صف بين كل صفين من المصلين، وإبقاء أبواب المساجد مفتوحة في أثناء دخول المصلين وخروجهم، لتجنب لمس مقابض الأبواب، وتعقيم مقابض الأبواب ومداخل المسجد بالمطهرات، وإقامة الصلاة بعد الأذان بخمس دقائق، وتخفيف الصلوات وعدم الإطالة فيها بما يحقق إقامة الأركان والواجبات، وإحضار كل مصل سجادة خاصة به للصلاة عليها، وعدم تركها في المسجد، ولبس الكمامة في أثناء الوجود بالمسجد، وتعقيم الأيدي قبل دخول المسجد وعند الخروج منه، باستخدام المعقمات المتوافرة عند الأبواب، والتزام المصلين بالتباعد الجسدي قبل الصلاة وبعدها، وتجنب المصافحة والتحاور مع باقي المصلين وذلك قبل الصلاة وبعدها.
تعليم المسلمين
وأكد الموصلي أن هذه النوازل سيتعلم المسلم من خلالها أنه عبد لله في مختلف الظروف، وأن الله -تعالى- تارة يمتحنه بالفعل وتارة يمتحنه بالترك، والموفق من حقق العبودية عند أداء الفعل والامتثال للواجب، وأيضًا من حقق العبودية عند ترك الفعل لمصلحة، وهذا معنى أنه يمتثل للأوامر حيثما تكون المصلحة في الامتثال، ويترك مستندًا إلى الرخصة الشرعية عندما تكون المصلحة في هذا الترك، فهذا في الحقيقة تمرن وتدريب علمي وتربوي وإيماني على الامتثال، فإن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتوجهون في مكة إلى بيت المقدس، ثم لما هاجروا إلى المدينة رفع الله -تعالى- الحكم ونسخ التوجه إلى بيت المقدس وصار التوجه إلى البيت الحرام، فكان امتحانا واختبارا وتدريبا لهم على وجوب الانقياد إلى حكم الشرع في أي صورة من الصور وفي أي حال من الأحوال، مادام أن هذا الحكم يستند إلى مصالح شرعية ضرورية وخرج على قاعدة الرخص الشرعية المعتبرة.
وبين د. الربيع أنَّ من اهتدى لهذا الأصل، وهو أن واجبات الصلاة تسقط بالعذر فكذلك الواجبات في الجماعات ونحوها فقد هدي لما جاءت به السنة من التوسط بين إهمال بعض واجبات الشريعة رأسا، كما قد يبتلى به بعضهم، وبين الإسراف في ذلك الواجب حتى يفضي إلى ترك غيره من الواجبات التي هي أوكد منه عند العجز عنه، وما كان ذلك الأوكد مقدورا عليه، كما قد يبتلى به آخرون، فإن فعل المقدور عليه من ذلك دون المعجوز عنه هو الوسط بين الأمرين» (الفتاوى23/246-247)، وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية وعظمتها، مراعاة الأحوال الاستثنائية للمكلفين، وتقرير الأحكام المخففة لهم بما يتناسب مع أعذارهم ولا يقطعهم عن عباداتهم؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، ورأس المصالح حفظ الدين بإقامة الشعائر التعبدية على أية حال، وعدم الانقطاع عن الصلة بالله -تعالى- ولو مع قيام الأعذار.
لاتوجد تعليقات