رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 8 مايو، 2017 0 تعليق

دراسات تشير إلى زيادة الإلحاد في الدول العربية والإسلامية – هل كان الإيمان بوجود الله يومًا محل شكٍّ؟!


أكد عديد من الباحثين أن دراسة ظاهرة الإلحاد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليست بالأمر الهين، وتكتنفها مجموعة من الصعوبات المنهجية التي من أهمها انخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي الميدانية؛ إذ إن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقي الموجود؛ لذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين في عدد من الدول تكون النسب في أغلب الأحيان نسبًا تقريبية.

إحصائيات عالمية

     وعن واقع ظاهرة الإلحاد عالميًا صدرت خلال السنوات الأخيرة دراسات عديدة حول هذه الظاهرة في العديد من دول العالم، كما أبرزت وجود تنوع ومستويات مختلفة في مسألة الإلحاد؛ حيث إن الـمستجوبين عبروا عن أنفسهم بـمصطلحات مختلفة مثل: (مادي , ملحد , لا ديني)،  وفيما يـخص المادية، فقد برزت بروزاً كبيراً في الدول التي تعيش تحت الأنظمة الاشتراكية باعتبار أن الأمر راجع لطبيعة النظام السياسي المتمسك بمبادئ الماركسية؛ حيث أصدر تقرير (غالوب) أرقامًا حول نسب الأشخاص الذين يعدون أنفسهم ماديين؛ فبلغت النسبة في الصين 82٪، وفي كوبا 64%  (غالوب 2004-2011)، كما تفاوتت نسب اللادينيين في الدول العربية حسب آخر ثلاث دراسات أنجزت تقاريرها حول هذا الموضوع؛ حيث رصد التقرير نفسه  سنة 1993 أن النسبة في كل من المغرب والإمارات العربية المتحدة والجزائر واليمن هي 1%.

أما مصطلح (ملحد)؛ فلأنه مصطلح مشين اجتماعيًا فإن أغلب من يعتنق هذا الفكر يحاول تجنب استعماله،  وفي هذا الصدد أكدت دراسة 2003Greeley أن 41٪ من النرويجيين و 48٪ من الفرنسيين لا يؤمنون بالله،  لكن 10٪ من النرويجيين و19٪ من الفرنسيين فقط يعترفون بأنهم ملحدون.

الإلحاد في عالمنا العربي

     أما في عالمنا العربي فقد أشارت صحف عربية عدة ودراسات أجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى تزايد ظاهرة الإلحاد في الدول العربية في السنوات السبع الأخيرة بين أوساط الشباب والشابات خاصة. فوفقاً لدراسة بعنوان(Death of God in  Iraq) للمؤرخ والباحث الأمريكي في القضايا المعاصرة في تاريخ الشرق الأوسط، (جون ريكاردو كول)  فإن ( 32% ) من الشعب العراقي «لم يعد يؤمن بوجود الله» نقلا عن (شفق نيوز)، مضيفاً على موقعه الإخباري أن شريحة كبيرة من الشباب العراقي تحولت إلى الإلحاد خلال الأعوام الأخيرة! وزعمت (مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية) أن نسبة الإلحاد في العراق تجاوزت ( 30%)،.

     وفي مقال للكاتب يوسف الأشيقر يذكر بأنه  «لا يكاد يخلو بيت في العراق من وجود فرد بالعائلة يثير قضايا دينية بطريقة غريبة وغير مطروقة سابقاً؛ مما يوصم بأنه مشكك بثوابت الدين أو متحرش بالذات الإلهية وصفاتها، أو بباقي الأعراف الدينية»، مضيفا بأن الإلحاد واللادينية واللاأدرية بدأت تنتشر بين الشباب والشابات في الشرق الأوسط مع انطلاق الربيع العربي ولاسيما على منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الثقافية.

الإلحاد في مصر

وفي مصر أعلن مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة أن الأزهر أجرى دراسة على ستة آلاف شاب؛ فوجد أن نسبة الملحدين بينهم بلغت( 12.3%).وفي السياق ذاته أشار أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر (أحمد كريمة) في حديثه لـ(الخليج نيوز) إلى أن جريمة الإلحاد بدأت تتفشى في مصر.

الإلحاد في السعودية

     وفي السعودية ذكرت صحيفة (سبق) وموقع (البصيرة) أن ظاهرة الإلحاد بين الشباب في السعودية في اتساع مستمر، ومع تحفظه الناجم عن عدم وجود إحصائية يمكن من خلالها معرفة نسبتهم في السعودية ودول عربية أخرى، فإن البراء العوهلي يرى في دراسته أن المؤشرات تؤكد أن الإلحاد واللادينية واللاأدرية والشك موجودة في بلادنا بطريقة أكبر مما يتوقعه غالبية الناس، ولاسيما بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين، ووفقا لدراسة اعدها معهد غالوب الدولي عام(2014)، أفادت بأن السعودية هي الأعلى عربيا في نسبة الإلحاد التي وصلت في حينها(9%)؛ الأمر الذي اضطر السلطات إلى إصدار مراسيم تعد التشكيك بمبادىء الإسلام والإلحاد إرهابا، فيما أصبح العراق هو الذي يتصدر الآن (2017) الدول العربية في نسب الإلحاد واللادينية.

نسب الإلحاد

     ومع أنه من الصعب الحصول على نسب الإلحاد واللادينية في المجتمعات العربية لأسباب تتعلق بهدر دم الملحد وأخرى معروفة، فإن الحقيقة التي يتفق عليها الجميع بمن فيهم رجال الدين، أن الإلحاد واللادينية قد تنامى بعد عام (2010) بين أوساط الشباب والشابات في البلدان العربية، وصار يشكل ظاهرة من وجهة نظر باحثين وأكاديميين تستدعي البحث العلمي الرصين للوقوف على أسبابها، وتحليل ما إذا كانت لها مخاطرها، وما إذا كانت إيجابية أم سلبية سياسيا؟

حركات الإلحاد المنظمة

      والكلام عن حركاتِ الإلحادِ المنظّمةِ في العالمِ العربيِّ، وكذلكَ المُجاهرة به، وإعلانُهُ على الملأ، نشأ بعدَ منتصفِ القرن التاسعَ عشر؛ حينما بدأ العالمُ الإسلاميُّ والعربيُّ، يتّصلُ بالعالم الغربيِّ، عن طريقِ إرسالياتِ الدراسةِ، أو التدريبِ؛ وتسبّبَ ذلكَ في رجوع مجموعةٍ من الطلاّبِ متأثّرينَ بالفكر الأوروبيِّ الماديِّ، الذي كانَ يقومُ على أساس تعظيم علوم الطبيعةِ، ورفع شأن العقل، وكذلكَ تنحية الدين والشرع، عن حكمِ الحياةِ والناسِ وإدارةِ شؤونهم.

     وفي بدايةِ الأمرِ لم يكن ثمَّ دعوةٌ صريحةٌ للإلحادِ أو الرّدةِ، وإنّما كانتْ هناكَ دعواتٌ للتحرّر، أو التغريبِ، أو فتح  المجال أمامَ العقل، ومُحاكمةِ بعض النصوص الشرعيّةِ إلى العقل أو الحسِّ والواقع، ومحاولةِ إنشاءِ خلافٍ وهميٍّ، وصراع  مُفتعل، بينَ العقل والشرع، ومع مرورِ الوقتِ، وزيادةِ الاتصالِ بالغربِ وتراثهِ، وانتشار موجةِ التغريبِ بينَ الناس، ظهرتْ بعضُ الدعواتِ الصريحةِ للإلحادِ وفتحِ بابِ الرّدةِ، باسمِ الحريّةِ الفرديّةِ.

      وحينما نشطَ اليهودُ في تركيا، ودعوا إلى إقامةِ قوميّةٍ تركيّةٍ، تحُلُّ محلَّ الرابطةِ الدينيّةِ، ظهرتْ مظاهرُ عدّة في الواقع، تدعو إلى نبذِ الدين، وتظهرُ العداءَ لبعض شعائرهِ، ومع مرورِ الوقتِ، تطوّرتْ هذه الحركة، حتى جاءَ مصطفى كمال أتاتورك، وقامَ بإلغاءِ الخلافةِ، وأنشأ الدولة َ التركيّة َ العلمانيّة، وحاربَ جميعَ العلماءِ وسجنهم، وراجَ على أثرَ ذلكَ الكفرُ والإلحادُ، وظهرتْ كتبٍ عدة تدعو إلى الإلحادِ، وتطعنُ في الأديان، ومنها كتابٌ بعنوان: (مصطفى كمال)، لكاتبٍ اسمهُ قابيل آدم.

هذه الجرأة في تركيا قابلها جرأة مماثلة في مصر، سمّيتْ ظلمًا وزورًا عصرَ النهضةِ الأدبيّةِ والفكريّةِ، بينما هي في حقيقتها حركةٌ تغريبيّة، تستهدفُ إلحاق ِ مصرَ بالعالم ِ الغربيِّ، والتخلّق بأخلاقهِ، واحتذائها في ذلكَ حذوَ تركيّا، التي خلعتْ جلبابِ الحياءِ والدين، وصبغتْ حياتها بطابع ِ العلمانيّةِ والسفورِ والتمرّدِ.

     في تلكَ الحقبةِ في مصر، ظهرَ العديدُ من المفكّرينَ والأدباءِ، يدعونَ إلى التغريبِ والإلحادِ، وفتح بابِ الرّدةِ، باسم التنوير تارة، وباسم النهضةِ الأدبيّةِ تارةً أخرى، ومرّة باسم الحرّياتِ الفكريّةِ، وتلقّفتْ مصرُ – في تلكَ الفترةِ - دونَ تمييز، جميعَ أمراضِ المجتمعِ الأوروبيِّ، وكذلكَ أخلاقهُ المنحلّة، وأصبحتْ قطعة من أوروبا، ومن فرنسا تحديدًا، وعاثَ في أرضها بعضُ المستشرقينَ فسادًا وإفسادًا، ثمّ سلّموا دفّةَ الإفسادِ إلى بعض المصريينَ، ممن لم يتوانوا في نشر الكفر والإلحادِ، وسعوا سعيًا حثيثًا إلى إلغاءِ الفضيلةِ والأخلاقِ الإسلاميّةِ، وإحلالِ النفعيّةِ والماديّةِ محلّها، حتّى أصبحَ دُعاة الإسلام والمُحافظةِ غرباءَ على المُجتمع ِ دُخلاءَ عليهِ، ويوصفونَ بالجمودِ والتخلّفِ والعداءِ للحضارةِ.

وبما أنّ مصر هي رئة العالم في ذلكَ الوقتِ، فقد انتقلتْ حمّى الردةِ والإلحادِ، إلى جميعِ دول الجوار، ابتداءً من الشام، ومرورًا بالعراق، والخليج بما فيها السعودية، وانتهاءً ببلادِ اليمن.

     وكان هناك مجموعة من رواد الإلحاد في العالم العربي قادوا هذه الحملة الخبيثة؛ حيث نبذوا الدينَ جانبًا، واستبدلوا بهِ الإلحادَ أو اللادينيّة وأعملوا معاولَ الهدم والتخريب، في الأخلاقِ والدين، وأرادوا جعلَ المجتمعاتِ نماذجَ مكرّرة من الدول الأوروبيّةِ المُنحلةِ الفاسدةِ، وحاولوا صُنعَ فجوةٍ بينَ العلمِ والدين، وأوهموا أنّ الدينَ يُعارضُ العلمَ والواقعَ، ويقفُ دونَ الانطلاق إلى آفاق جديدةٍ، ويُحرّمُ الإبداعَ، ويدعو إلى الكهنوتيّةِ والتقوقع.

     خلاصة القول: إن واقع الإلحاد في العالم العربي والإسلامي والأرقام التي أعلنت، التي يتم تداولها حتى الآن حول أعداد الملحدين باختلاف أنواعهم جد مفزع، وتدعو إلى القلق والخشية من انتشار موجات الإلحاد في الأجيال القادمة؛ لذا وجب على المؤسسات المعنية بهذا الشأن سواء الرسمية أم مؤسسات المجتمع المدني أن تتكاتف لمواجهة هذه الظاهرة، ولاسيما أن هناك الكثير من الغموض يكتنف الأعداد الحقيقية للمتأثرين بهذا الفكر،  والخطورة الحقيقية تتمثل في قدرة هؤلاء الملحدين في ظل التطور الهائل في وسائل التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الوصول إلى الشباب والفتيات بكل سهولة ويسر عبر الجوال أو غيره من الأجهزة الذكية؛ مما يمثل خطراً داهماً لابد أن ننتبه إليه جميعًا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك