دخول «حزب الله» المعركة في سورية هل يُسقط لبنان في الفتنة؟
هل دخل لبنان في أتون الأزمة السورية؟ سؤال يطرح بقوة على الساحة اللبنانية في ظل التطورات المتسارعة على الأرض في لبنان وسوريا على حد سواء.
والأخطر من ذلك هو: هل هناك قرار بتوريط لبنان واللبنانيين في الحريق السوري المشتعل؟
هذه الأسئلة وغيرها يطرحها اللبنانيون بعد أن دخل (حزب الله) وفريق 8 آذار علناً في المعركة التي يخوضها النظام السوري ضد شعبه، تحت عناوين شتى منها: «حماية اللبنانيين الذين يعيشون في القرى السورية المحاذية للبنان»، و«الوقوف إلى جانب سوريا التي تواجه مؤامرة أميركية - صهيونية»، و«دعم محور الممانعة الذي يضم سوريا - إيران - («حزب الله) في مواجهة المشروع الأميركي».
هذه الشعارات وغيرها كانت المسوغ الذي يعتمده (حزب الله) وفريق 8 آذار؛ لتسويغ انغماسه في الأزمة السورية، والأخطر من ذلك كله قول نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق: إن «ما يقوم به حزب الله إزاء هذه القضية هو واجب وطني وأخلاقي في حماية اللبنانيين في القرى الحدودية، وإن شهداء حزب الله هم شهداء كل الوطن؛ لأنهم كانوا يدافعون عن أهلهم اللبنانيين».
واللافت أن هذه المواقف لـ(حزب الله) جاءت بعد تطورين: الأول سياسي والثاني أمني.
فعلى الصعيد السياسي، كان هناك لقاء للقوى والأحزاب والشخصيات الموالية لسوريا في لبنان مع بشار الأسد، تناول فيه تطورات الوضع السوري، وانتقد علناً سياسة «النأي بالنفس» التي كانت تعلنها حكومة الرئيس ميقاتي.
أما التطور السياسي الثاني، فهو اللقاء الذي جمع علي الخامنئي بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في طهران.
أما على الصعيد الأمني، فإن التطور الأبرز هو دخول (حزب الله) المعركة بصورة مباشرة إلى جانب النظام السوري، وقيام عناصر الحزب بالتعاون والتنسيق مع الجيش السوري باقتحام قرى ريف القصير؛ بهدف تغيير الواقع العسكري على الأرض في منطقة حمص والعاصمة دمشق، لصالح قوات النظام السوري.
هذه التطورات السياسية والأمنية فتحت الساحة اللبنانية على مخاطر أمنية وتحديات سياسية وطائفية ومذهبية كثيرة.
فمن الناحية السياسية يمكن وصف لقاء بشار الأسد بأحزاب وشخصيات قوى 8 آذار بمثابة رسالة متعددة الاتجاهات.
فهي أولاً للجهات الإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية ولا سيما السعودية. إن الدور السوري في لبنان ما زال فاعلاً، وإنه لا يمكن تشكيل حكومة لبنانية بمعزل عن حلفاء سوريا. واللافت كان انتقاده للجهود التي تبذلها السعودية في هذا الإطار، حيث قال: «لبنان ليس شركة مساهمة، يعين فيها موظف أو يُزاح، من الخارج»، وهو ما يفسّر بعضاً من العقبات التي توضع في وجه الرئيس المكلف تمام سلام من قبل قوى 8 آذار، التي تصر على تشكيل حكومة سياسية موسعة، وعلى إقرار قانون للانتخاب يؤمن لها الأكثرية النيابية.
أما الإشارة الأخطر في لقاء بشار الأسد بأحزاب 8 آذار فهي انتقاده الشديد لسياسة «النأي بالنفس»: التي كانت تتبعها حكومة الرئيس ميقاتي؛ حيث تساءل قائلاً: «لست أفهم، ماذا تعني بالضبط هذه السياسة؟ هل المقصود منها أن يُنقل لبنان من مكانه الى قارة أفريقيا، ويبقى هناك في انتظار انتهاء الأزمة السورية، ثم يعود إلى موقعه الطبيعي؟».
واللافت سياسياً أن هذه المواقف جاءت في ظل مواقف إيرانية متشددة من الأزمة السورية، حيث نقلت صحيفة «الراي الكويتية» عن مصادر إيرانية قولها: إن القرار الإيراني يعكس تصميماً إيرانياً على مواجهة الدور العربي - التركي في سوريا، ويهدف إلى مساندة بشار الأسد في تحسين موقعه على الأرض، وجاء هذا الموقف بعد نشر خبر لقاء خامنئي بنصر الله في طهران، وتسريب حزب الله خبراً مفاده أن «القيادة الإيرانية قررت وضع كل ثقلها في المعركة الدائرة في سوريا».
وهذا يقودنا الى تحرك (حزب الله)في هجوم منسق على ريف القصير في حمص، بالتنسيق مع قوات النظام السوري؛ من أجل بسط سيطرة النظام على هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة من الناحية العسكرية؛ لأنها تربط العاصمة دمشق بوسط سوريا عبر مدينة حمص.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل قرأ «حزب الله» وفريق 8 آذار جيداً المخاطر الأمنية والسياسية والمذهبية لهذه التوجهات الداعمة للنظام السوري على الأمن والاستقرار في لبنان؟
يبدو من قرار (حزب الله) الانخراط العلني في المعركة العسكرية في سوريا الى جانب النظام السوري بطلب إيراني، أن الحزب قرر أن يدخل مغامرة سياسية وأمنية في لبنان وسورية على طريقة الـ «صولد»، حيث أحرق كل أوراقه اللبنانية والعربية والإسلامية؛ من أجل عيون النظام السوري، وهو قرار مستغرب من قيادة الحزب المعروف عنها الهدوء والتأني في اتخاذ القرارات الحساسة، ولا سيما تلك المتعلقة بالفتنة المذهبية بين المسلمين عامة، واللبنانيين خاصة، والأخطر من ذلك هو أن الحزب أصبح يتصرف وكأن الفتنة المذهبية شر لا بدّ منه في المعركة الدائرة في سوريا؛ دفاعاً عن بشار الأسد ونظامه.
فهل هناك ما يبرر هذه التصرفات ل(حزب الله)؟ أم أن العوامل المذهبية لدى الحزب تغلبت على كل الاعتبارات الأخرى، ولا سيما على عامل «الوحدة الإسلامية».
بغض النظر عن كل ما يقال هنا وهناك من كلام عن مؤامرة أميركية - صهيونية على النظام السوري أو على «محور المقاومة والممانعة»، فإن ما يجري على الأرض حالياً هو خطر جداً بكل المعايير، فقد انطلقت في الساحة اللبنانية دعوات للجهاد دفاعاً عن المسلمين في سوريا وعن أهالي القصير وحمص، وهي ردود فعل طبيعية لانغماس الحزب في المعارك، دفاعاً عن النظام السوري الذي يقتل شعبه ويدمر المساجد والمدن والقرى
فهل هناك قرار بتحضير الساحة اللبنانية لفتنة مذهبية لا تبقي ولا تذر؟ كرمى لـ «عيون بشار الأسد والنظام السوري»! سؤال برسم «حزب الله».
لاتوجد تعليقات