رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 14 يوليو، 2014 0 تعليق

داعش من احتكار الدين إلى زعم الخلافة

بعد سنوات من وجودها في العراق باسم الدولة الإسلامية في العراق، وبعد دخولها في عمق الثورة السورية باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام قررت الحركة القتالية المعروفة (بداعش) أن تغير اسمها إلى (الخلافة الإسلامية) وسمت أميرها بخليفة المسلمين،  وهذا الفعل لا يغير من تلوّن من هذه الحركة التي أصبحت منذ نشأتها تمثل خنجراً على خاصرة أهل السنة في العراق وسوريا، وعرف عنها التنكيل بالمخالفين وقتلهم بأبشع الصور فضلا عن استخدامها سلاح التكفير ضد المخالفين، ورغم ادعاءها بالسعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إلا أنها متهمة برفض التحاكم للإسلام، وعدم وجود علماء معتبرين في صفوفها.

 كما أنها لا تسمع كلام العلماء الكبار في العالم الإسلامي بل تعدهم في عداد الكفار والمنافقين، ومع هذا كله فإن هناك شكوكا تحوم حول هذه الحركة مما يؤكد غرابة تصرفاتها فضلاً عن مخالفتها للمنهج الإسلامي الصحيح رغم تدثرها بعباءة الخلافة الإسلامية المزعومة.

داعش والدور الذي تمثله

     قد يصعب على المراقبين تحديد طبيعة الدور الذي تؤديه «داعش» في العراق وسوريا، وهل تتحرك وفق منظومة المجموعات الإسلامية التي تسعى إلى استعادة الدور الإسلامي المفقود أم هي جزء من خطة أمريكية لتفتيت المنطقة وإدخالها في حالة  الفوضى الخلاقة التي وعدت بها إدارة بوش الابن السابقة وفق ما تذهب إليه بعض التقارير!.

      ويؤكد بعض المراقبين أن صعود هذا التنظيم  وتمدده السريع  يرفع من نسبة الاحتمالات التي تقول إن هناك تعاونا بينه وبين جهات استخباراتية إيرانية بينما يؤكد آخرون أن (داعش) صنيعة أميركية أو على الأقل تم اختراقها لتكون أداة هدم للمنطقة التي تريد أمريكا إعادة تغيير خريطتها، وعن التعاون الذي بين التنظيم والولايات المتحدة الأميركية يتحدّث المحلل الاستراتيجي والمستشار السياسي (كريستوف ليمان) الذي نقل في تقرير له أن قرار الحرب على العراق باستخدام كتائب (داعش) اتخذ خلف أبواب مغلقة على هامش قمة الطاقة للمجلس الأطلسي في اسطنبول في نوفمبر 2013.

 في هذا السياق بيّن (ليمان)، في تقريره الذي نشرته شبكة (أن.أس.أن.بي.سي الدولية)، أن كتائب ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام، «داعش»، استخدمت من أجل تفتيت وحدة العراق وتوسيع الصراع السوري إلى حرب شرق أوسطية أشمل، وإفقاد إيران لتوازنها.

      وكان من بين الحاضرين في القمة المذكورة الرئيس التركي عبدالله غول ووزير الطاقة الأميركي (أرنست مونيتس) ورئيس المجلس الأطلسي (فريدريك كمبي) ووزيرة الخارجية السابقة (مادلين أولبرايت) والمستشار السابق في الأمن القومي (برنت سكاوكروفت). وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير لديه علاقات امتدت على مدى فترة طويلة مع (هنري كيسنجر) ووزير الموارد الطبيعية لإقليم كردستان في شمال العراق،  والمجلس الأطلسي هو إحدى مجموعات التفكير الأميركية النافذة في السياسة الخارجية والجيوسياسة الأميركية والأطلسية.

      وشدد رئيس المجلس الأطلسي (فريدريك كمبي) على أهمية قمة الطاقة والوضع في الشرق الأوسط قبل القمة في شهر نوفمبر قائلا: نحن ننظر إلى الفترة الحالية بوصفها نقطة تحول، تماما مثل عامي 1918 و1945. وتركيا هي بلد مركزي بكل المقاييس بوصفها محدثة استقرار على المستوى الإقليمي، وتتوقف نجاعة كل من الولايات المتحدة وتركيا على مدى قدرتهما على العمل بانسجام.

     ما يشهده العراق من تطورات سريعة ودراماتيكية على الأرض والإعلان الأخير الذي صدر عن (داعش) وإعلانها عما سمته (بدولة الخلافة الإسلامية) دفع الكثير من الخبراء والمحللين إلى الحديث عن مؤامرة تستهدف العراق وكامل المنطقة، في إطار مخطط دولي لتفتيت المنطقة وإطالة الصراع بها، وإن ما تفعله هذه المجموعة في العراق والشام يمثل جزءا من الفوضى الخلاقة التي وعدت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندليزا رايس) والفوضى الخلاقة هي خلق حالة من عدم الاستقرار التي سوف تؤدي في النهاية إلى خلق نظام سياسي جديد، ولذلك فإن وجود مثل هذه الفوضى التي تحدثها (داعش) مطلوب استراتيجيا لتوفير حالة من تسهيل عملية تغيير الخرائط وترسيم الحدود الجديدة التي تقتضيها المصلحة الأمريكية الإسرائيلية، بعيدا عن الخطابات العاطفية الرنانة وادعاء (الخلافة الإسلامية) المزعومة التي لا تنطبق عليها الشروط المطلوبة للخلافة وقيادة الأمة الإسلامية.

حقيقة أمر الخلافة المزعومة

تحدث العديد من العلماء والمشايخ عن حقيقة الخلافة التي أعلنه البغدادي ومجموعته حيث أكدت هيئة الشام الإسلامية أن إعلان هذه (الخلافة)مخالف للشريعة جالب لكثير من الفتن والشرور والمفاسد والمصائب على أهل الإسلام، وهذه بعضها:

1. إعلان (الخلافة) بهذه الطريقة ومن أولئك القوم هو هدم لمقاصد الخلافة، من حفظ الدين وسياسة الدنيا به، بل هو تشويه لصورة الإسلام بإظهار دولته دولة القتل والإجرام والتلذذ بقطع الرؤوس والأيادي.

2. تأثيم الأمة الإسلامية كلها بعدم مبايعة هذا (الخليفة) المجهول، واستباحة قتالها ودمائها إن هي رفضت الخضوع لهم! مع أن البيعة لا تكون إلا لمن يتبعه سائر الناس وينتظم به أمر العامة، وهو المقصود بحديث: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، وليس الذي يُفرض من فئة لا تعترف بالأمة ولا علمائها السابقين واللاحقين.

3. إضعاف المسلمين وتحجيم انتصاراتهم وجهادهم في الشام والعراق، وإيقاظ الفتن بينهم، وإشغالهم عن حرب عدوهم الطائفي.

4. تعطيل وإعاقة أعمال الدعوة والعلم والجهاد والإغاثة، التي تقوم بها كل الكيانات والكتائب والتجمعات التي لا تنضوي تحت لوائهم.

5. تمكين أعداء الإسلام من بلاد المسلمين، وإعطاؤهم ذريعة استباحتها مجددًا؛ فسياستهم تقتضي الترويج والدعم لهذا النموذج السيء «للخلافة»؛ لذلك هم لا يقاومونه بل يسهلون له التسلح والانتشار، وحصار مناطق المجاهدين، لتصبح هذه الجماعة المارقة مطية لأعداء المسلمين في تدمير مناطق السنة وتقسيمها، ثم ينقلبون عليهم وعلى بقية المسلمين ويحاربونهم باسم مكافحة الإرهاب والتطرف.

     وفي السياق نفسه جاء عن (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) أن إعلان الخلافة الإسلامية من قبل (داعش) للخلافة «إعلان باطل شرعاً»، أن «الخلافة من الناحية الشرعية والفقهية تعني الإنابة، فالخليفة – لغة وشرعاً هو نائب عن الأمة الإسلامية، ووكيل عنها من خلال البيعة التي منحتها للخليفة، وهذه النيابة لا تثبت شرعاً وعقلاً وعرفاً إلا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها للخليفة، أو من خلال ممثليها الذين سموا في السابق بأهل الحل والعقد وأولي الأمر، من العلماء والأكفاء والمسؤولين وأصحاب القرار، والجماعات الإسلامية»، مضيفاً أن «مجرد أمر إعلان جماعة للخلافة، ليس كافياً لإقامة الخليفة، وهو أمر مخالف لهذه الحقيقة الشرعية».

ودعا الاتحاد المنادين بحلم الخلافة، أن يكونوا واقعيين، وأن ينظروا إلى ما يصيب إخوانهم هنا وهناك، من جراء إصرارهم على موقفهم، الذي يعد بمثابة الانقضاض  على ثورة الشعب التي يشارك فيها أهل السنة بكل قواهم، من العشائر والفصائل المتنوعة من مناطق عديدة في العراق.

خلافة أم خوارج؟

     كثيرا ما نسمع من المنتقدين لهذه التيارات التي اشتهرت بتكفير المسلمين واستباحة دمائهم باطلاق لفظة الخوارج عليهم، وتأكيدهم أن هؤلاء تنطبق عليهم أوصاف الخوارج بينما تحاول هذه التيارات التملص من هذا الوصف رغم إسرافهم في إراقة دماء المخالفين وتكفيرهم في كثير من الأحيان، وفي هذا الصدد علينا أن نفهم أن معنى الخوارج ينطبق على كل من يفعل الأفعال التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم مهما أنكر صاحبها؛ لأن الخوارج وصف شرعي لا ينتهي بمرحلة معينة كما يعتقد به بعضهم، والخوارج هم  الذين يخرجون على كل مَن لم يوافقهم مِن الأئمة، عدولاً كانوا أم جائرين.

الخوارج مستمرون إلى خروج الدجال

وفي هذا الصدد جاء في الأدلة أنه كلما طلع منهم قرن قطعه الله بما يدل على تتابع خروجهم إلى يوم القيامة،

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَنشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قُطِع». قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلما خرج قرن قُطِع، أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال».

     وعن عبد الله بن عمر قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ «، قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَالَ: « يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَا أَسْمَعُ . حديث صحيح رواه أحمد

     و يرى بعض علماء السلف أنه في حال تمكن الخوارج واستتباب الأمر لهم قد تحدث مفاسد عظيمة تضر بالأمة بأسرها، قال وهب بن منبه :«ولو مَكَّنَ الله لهم من رأيهم، لفسدت الأرض، وقطعت السبل والحج، ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذا لقام جماعةٌ كلٌ منهم يدعو إلى نفسه الخلافة، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضا، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري مع من يكون».

     ويبدوا أنه من الممكن أن نتأكد حدوث مثل هذه الأمور حاليا في أماكن سيطرة هذه الجماعات من انتشار القتل بأتفه الأسباب وادعاء الكل بأنه أمير للمسلمين أو خلفية لهم رغم عدم اختياره من قبل أهل الحل والعقد من المسلمين أو عدم استطاعته لحفظ بيضة المسلمين فضلا عن جر الويلات على بلدان المسلمين، فلينظر كل مسلم ماذا استفادت به الأمة منذ أن بدأت هذه الحركات في استجلاب القوات الغربية إلى ديار المسلمين؟! غير تدمير لأفغانستان، والعراق وغير ذلك من المفاسد التي لم تخرج منها الأمة إلى اليوم ومع ذلك جاء البغدادي وجماعته ليساعدوا في تقسيم العالم العربي بما يخدم المصالح الغربية، والأغرب من ذلك فإن الرجل يدّعي أنه خليفة للمسلمين ويقول في خطابه الأخير مقولة أبي بكر الصديق: «وليت عليكم ولست بخيركم»! من الذي اختار هذا الرجل حتى يقول وليت عليكم يا للعجب، هو الذي نصب نفسه ثم يقول هذا الكلام؛ أليس هذا افتئات على أمر الأمة وعلمائها، يقول عمر -رضي الله عنه- موضحاً خطورة الافتئات على الأمة: « مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا» رواه البخاري وغيره، قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: «والمعنى: أنَّ من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل».

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك