رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 9 فبراير، 2015 0 تعليق

داعش المفسدون في الأرض لا يمثلون إلا أنفسهم

  التحريق من المثلة، بل هو من أشد أنواعها سواءً أكان التحريق حال القتل أو بعد القتل

ما قامت به داعش جريمة ترفضها كل الأديان والأعراف ولاتمت للإنسانية بصلة

 

بعد 41 يومًا من الأسر، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقًا، وظهر في الفيديو وهو محبوس داخل قفص حديدي والنيران تلتهمه، في الوقت الذي ذكر فيه التليفاز الأردني أن الكساسبة قتل منذ شهر تقريبًا.

     ومع انتهاء قصة الطيار الأردني معاذ الكساسبة هذه النهائية المأساوية والمشينة، يدخل تنظيم الدولة مرحلة جديدة من حياته التي لا تتجاوز الشهور السبع (في حالة إعلان الخلافة)، ولا سيما مع وصول خطه البياني إلى مستوى مرعب سواء من حيث العنف المفرط وغير المفهوم، أم من حيث التخبط على صعيد الجبهات التي فتحها في سوريةً في العراق.

تحول جديد في مسيرة التنظيم

     ومن الواضح والمؤكد أن التنظيم بعد إحراق الكساسبة ربما يبدأ تحولا آخر في مسيرة العنف التي انتهجها، فتاريخ الإعدامات الميدانية التي اتخذت في الغالب الذبح طريقة موّحدة مع بعض التلوين باستخدام الرصاص، ودخول الحرق إلى قاموسه، يدل على مدى الإفلاس الذي وصل إليه هذا التنظيم وجعل شعبيته التي يمكن وصفها بأنها شعبية عاطفية، كونه يرفع شعارات رنانة تؤثر تأثيراً جلّياً على العاطفة البشرية سواء من ناحية الدين أم ناحية العرض.

عمل إجرامي لا يجوز بحق الكافر

ولا شك أن هذا العمل يُعد عملاً إجراميًا لا يجوز أن يفعل بكافر محارب للمسلمين وقع في أيديهم، فضلاً عن أن يكون ذلك الفعل في حق مسلم يحارب مسلمًا آخر.

وهذه الأفعال التي نشاهدها بين الحين والآخر قد وردت أدلة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضية بتحريم المثلة في حق الكفار المحاربين للمسلمين إذا وقعوا في أيدي المسلمين من هذه الأدلة:

 (1) ماجاء  في صحيح مسلم برقم (1731) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا... الحديث».

(2) ما جاء البخاري (2474) عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ النُّهْبَةِ، وَالْمُثْلَةِ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ».

(3) ما أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعثنا رسول الله في بعث، فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما»، وفي بعض ألفاظ الحديث: وإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله»

     وقد حكى الإمام الصنعاني ابن الأمير علامة اليمن  في (سبل السلام) (4/200) الإجماعَ فقال: « ثُمَّ يُخْبِرُهُ بِتَحْرِيمِ الْغُلُول مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ وَتَحْرِيمِ قَتْلِ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالْإِجْمَاعِ

وقال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُثْلَةَ».

وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: « أَيْ حَرَّمُوهَا فَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ عَرَفْت فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ السلَفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْحُرْمَةَ ».ا.هـ.

     وقال الإمام ابن عبد البر في (الاستذكار):» والمثلة محرَّمة في السنة المجمع عليها، وهذا بعد الظفر، وأما قبله فلنا قتله بأي مثلة أمكننا، نقلاً عن (مواهب الجليل) (355/3) وقال ابن عابدين في حاشيته: « نهينا عن المثلة بعد الظفر، أما قبله فلا بأس بها اختياراً » (131/4).

وقال الإمامُ الشوكاني في (النيل) (8/263): قَوْلُهُ: « وَلَا تُمَثِّلُوا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ.ا.هـ

     والتحريق من المثلة، بل هو من أشد أنواعها سواءً أكان التحريق حال القتل أو بعد القتل، ومما يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (468/6): حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: «كانوا يكرهون أن يحرق العقرب بالنار ويقولون: مثلة» هذا في حق هذه الحشرة فكيف بغيرها فهذا حكم الإسلام في هذه التصرفات التي تشوه بجمال الإسلام وتظهره على غير صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

السديس يهاجم (الدولة الإسلامية) بضراوة

     وقدر حذر علماء كثر من هذا التنظيم المشبوه، منهم على سبيل المثال الشيخ عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام الذي صبّ جام غضبه عليه واصفا القائمين عليها ب(خوارج العصر) متهما إياهم بتشويه شعيرة الجهاد الحق ذروة سنام الإسلام.

     وأشار السديس إلى أن فئة  أشبه بالخوارج والقرامطة فهموا النصوص الشرعية على غير مقاصدها، مؤكدًا أن هؤلاء شوّهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وانحرفوا بأفعالهم عن سماحته ووسطيته.

     وقال السديس إن كل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظن أن ما يفعله هؤلاء الدعاة خوارج العصر هو من الإسلام، وما هو من الإسلام في شيء، والإسلام الحق منهم براء، مستدلا بقوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.

     وحذّر السديس  الشباب من أن يتم التغرير بهم وينساق وراء هذه الدعوات والشعارات البراقة  التي تهدف إلى هدم المجتمع وتفككه، مشيرًا إلى أن المصطلحات الشرعية التي يستخدمها هؤلاء للتغرير بالشباب باتت واضحة لكل ذي عينين، وقال إن هؤلاء اتخذوا الدين لرخيص مآربهم، ومسلك لأهوائهم الشنيعة، وركبوا رؤوسهم، وافتاتوا على ولاة أمورهم وعلمائهم، وهاموا زهوا وتيها وغرورا.

مجمع البحوث الإسلامية

      إلى ذلك أدان محي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بمصر، قيام (داعش) بإحراق الكساسبة، الذي تشارك بلاده في التحالف الغربي – العربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ضد التنظيم.

 وتابع عفيفي أن «ما فعله داعش من قتل الكساسبة حرقًا هو مخالفة لله وأوامره، حيث إن الله كرم الإنسان حيًا وميتًا».

      ومضى قائلا: «قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، أي أن الله كرم الإنسان لمطلق إنسانيته وهذا التكريم للإنسان في حياته ومماته».

 وتابع: «الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى المشركين في غزوة بدر حتى لا تأكلها السباع أو الطير كنوع من التكريم لإنسانيتهم رغم مواقفهم المعادية للرسول صلى الله عليه وسلم ».

      ورأى أن «ما قامت به داعش هو جريمة يرفضها حتى عالم الحيوان، وهي من الأفعال الشنيعة والإجرامية التي ترفضها كل الأديان والأعراف ولا تمت للإنسانية بصلة فضلا عن عالم الحيوان.. الإسلام بريء من داعش وأفعالها الإجرامية، وللأسف نرى جرائم مثل هذه ترتكب باسم الإسلام وهو منها براء».

أعمال مشبوهة

     أخيرًا فلا شك أن الذين يقومون بمثل هذه الأعمال فهم إما أنهم مستأجرون لتشويه صورة الإسلام باسم الإسلام، أو جاهلون بالإسلام وأحكامه، وعلى هذا وذاك فالضرر بالإسلام والمسلمين من قبلهم حاصل، والنفع للإسلام من قبلهم غير واصل؛ فعلى الشباب التيقظ والبعد عن هذه الأفعال، وليحكموا الشرع والنقل الصريح والعقل الصحيح، وعليهم ألا يحكمون العواطف والحماس غير المضبوط بالضوابط الشرعية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X