رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 23 فبراير، 2015 0 تعليق

داء التكفير وخطورته وضوابطه

     أمتنا تعيش زمن طوفان الفتن، وواقعها المرير يعج بنكبات تجرع المسلمين مرارتها، وأعظمها شرا المجازفة بالتكفير، ذلك المستنقع المحموم والخطر المحتوم، ونجم عنها سفك الدماء والعنف والتدمير والإرهاب والتفجير! ذاقت ويلاتها الأمة وما زالت.. فكيف بالمسلم الذي دخل الإسلام بيقين يخرج منه بشبهة؟!

     ولقد جاءت النصوص الزاجرة عن هذا المرتع الوخيم والمسلك المشين، فقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النساء:94)، وحذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من هذا فقال: «لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض»، وعن ثابت بن الضحاك  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله» رواه البخاري، وثبت أيضا في الصحيح مرفوعا: «إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر، ولم يكن كذلك فقد باء بالكفر».

وسدد العلماء على هذا المنهج الفتاك، فقال شارح الطحاوية: «فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل ويخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت».

      لقد كان الجهل بحقيقة الدين منشأ انحراف التكفير، وعدم التفقه في أصوله ومبادئه، والابتعاد عما كان عليه خير القرون اعتقادا وسلوكا، فاستباحوا دماء الأمة وأموالها وأعراضها متقربين بذلك إلى الله عز وجل، دون دليل ولا مستند شرعي متأثرين بأهل البدع، واعتنقوا أفكارهم حتى أصبح تكفير الحكام والعاملين تحت ولايتهم شائعا عندهم، ووصل الأمر إلى تكفير العلماء القائمين بأمر الدين علما وعملا، وفتوى وحسبة، ونصحا وتوجيها لأئمة المسلمين وعامتهم، حتى بلغت الفتنة عند هؤلاء إلى تكفير سائر المجتمعات الإسلامية المعاصرة من غير استثناء.

     فالخوارج هم أول من عُرفوا في الأمة بالتكفير بالذنوب، وتكفير أهل الإسلام بغير حق، لكن التكفير لم يبق محصورا فيهم، بل شاركهم من هم شر منهم؛ حيث كفروا خيار الأمة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  واعتقدوا ردتهم.

     ومما مدّ في أجل هذا الفكر المتهافت وبسط رواجه هو التقصير في التصدي له وذكر أسبابه التي من أهمها ضحالة العلم وقلة الفهم والخطأ في منهجية الطلب والتحصيل، فلم يؤخذ العلم من أهله المعروفين، بل زهد فيهم، وأفقدت الثقة بهم، مع عدم الدارية بمقاصد الشريعة وقواعد الفقة ورعاية المصالح العليا في الأمة، والتعلق بشبه ومتشابهات، مع ترك للنصوص المحكمات الواضحات، فضلا عما يعج به واقع الأمة من أنواع للظلم والاضطهاد، غير أن ذلك ليس بمسوغ للخطأ والعنف ولا يعالج بالعنف.

      فلو تأملنا حادثة من قتلوا عبدالله بن خباب بن الأرت، ثم دخلوام منزله فقتلوا ولده وجاريته أم ولده، ثم عسكروا بنهروان، فسار إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أربعة آلاف من أصحابه، فلما اقترب منهم أرسل إليهم، أن سلموا قاتل عبدالله بن خباب، فأرسلوا إليه، إنا كلنا قتلة، فقاتلهم علي رضي الله عنه  ولم يفلت منهم إلا تسعة.

     وجعل علي يمشي بين القتلى منهم، ويقول: بؤسا لكم، لقد ضركم من غركم، (الشيطان)، وأنفسٌ بالسوء أمَّارة غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون.. لقد أصبحت علاماتهم ظاهرة لتخبطهم ولجهلهم وتأويلاتهم الفاسدة للنصوص، ولسوء مقاصد القائمين عليها؛ فأفسدوا كثيرا وانحرفوا عن جادة الدين.

فالتكفير حكم شرعي ومحض حق لله -سبحانه وتعالى- ورسوله  صلى الله عليه وسلم ، قال الطحاوي -رحمه الله- «ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله».

وتقام عليه الحجة، ولا يكون متأولا، ولا يكون جاهلا أو مكرها، أو مريد ذلك، ويكون بالغا عاقلا مسلما مدركا.

قال ابن القيم رحمه الله:

الكفر حق الله ثم رسوله

بالنص يثبت لا بقول فلان

من كان ربّ العالمين وعبده

قد كفراه فذاك ذو الكفران

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم».

والكفر أنواع، قال الحافظ الحكمي -رحمه الله-: «إن أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة: كفر جهل وتكذيب، وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار، وكفر نفاق».

     نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من أن تلوك ألسنتنا أعراض المسلمين وأن تكفرهم، ونسأل الله -سبحانه- أن يزيل الكراهية والحقد والحسد عن نفوسنا، ويوحد صفوفنا، ويجمعنا على الحق والعدل والحمدلله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك