خير أيام العمل الصالح
من خصائص الأيام العشر من ذي الحجة أن الله -جل وعلا- اختارها واصطفاها وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق، والله -جل وعلا- يخلق ما يشاء ويختار، فجعل -سبحانه- هذه الأيام خير الأيام وأفضلها.
أفضل أيام السنة على الإطلاق أقسم الله بها تشريفًا لها
ومن خصائص هذه الأيام وفضائلها: أن الله -تبارك وتعالى- أقسم بها تشريفًا لها وتَعليةً من شأنها وذلك في قوله -جل وعلا-: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفجر:1-3)، قال ابن عباس وغيره من المفسرين: المراد بالعشر في الآية: العشر الأوَل من شهر ذي الحجة.
خير أيام العمل الصالح
ومن خصائص هذه الأيام: أنها خير أيام العمل الصالح ؛ فما تقرب إلى الله متقربٍ بعبادة أفضل من التقرب إليه -تبارك وتعالى- في هذه الأيام الشريفة الفاضلة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
تجتمع فيها أمهات الطاعات
ومن خصائص هذه العشر: أنها أيام تجتمع فيها أمهات الطاعات ما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة؛ ففي هذه العشر تجتمع عبادات: الصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من الطاعات الجليلة والعبادات العظيمة، ولا يتأتى اجتماع هذه الطاعات إلا في هذا الوقت الشريف الفاضل.
جعلها موسمًا لأداء حج بيته الحرام
ومن خصائصها: أن الله -تبارك وتعالى- جعلها موسماً لأداء حج بيته الحرام، وجعل فيها أيامه العظام، ففي هذه العشر يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وفيه يصعد الحجاج من مكة إلى منى ملبِّين بالحج «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، وفيها يوم عرفة وهو خير يوم طلعت فيه الشمس، وفيها يوم النحر وهو أعظم الأيام عند الله كما صح بذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ».
ماذا قدمنا تجاه هذه الأيام الفاضلة؟
فهذه جملة من الخصائص والفضائل لهذا الموسم العظيم الفاضل؛ فماذا قدمنا تجاه هذه الأيام الفاضلة ؟ أحالنا مع هذه الأيام مماثلة لحالنا مع أيام السنة؟ أأدركنا قيمة هذه الأيام وفضلها ومكانتها؟ أم أنها وبقية أيام السنة عندنا سواء؟ هل تحركت قلوبنا في هذه الأيام توبةً وإنابةً إلى الله وإقبالاً على طاعته أم هي ساكنة؟ لقد جَرَتْ عادة تُجَّار الدنيا ألا يفوِّتوا المواسم العظيمة، بل يستعدون لها أتم استعداد بجلب البضائع وإحضار السلع وبذل الأوقات وبذل الجهود العظيمة، وهذا موسمٌ رابح لتجارة الآخرة وحُسن الإقبال على الله -جل وعلا-، فما حالنا مع هذه الأيام؟.
التوبة إلى الله -عز وجل
إنَّ ضعف إيمان الشخص وذنوبه المتراكمة تحرمه من الخيرات في أوقاتها، ولهذا ينبغي علينا جميعاً أن نغتنم هذه العشر بالتوبة إلى الله -عز وجل- والجد والاجتهاد في العبادة وحسن الإقبال عليه، وكثرة الدعاء والإكثار من ذكر الله -جل وعلا-؛ فإن هذه العشر موسم عظيم للإكثار من ذكر الله كما قال الله -جل وعلا-: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج:28)، قال ابن عباس وغيره: الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأوَلُ من شهر ذي الحجة. فينبغي علينا أن نحفظ هذه الأوقات الفاضلة بكثرة الذكر لله -جل وعلا-، وكثرة الدعاء والاستغفار، وملازمة الطاعة والعبادة ولاسيما الفرائض، فالله -جل وعلا- يقول: {مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ}، ولهذا مما ينبغي أن يعنى به المسلم في هذه العشر الصلوات الخمس في أوقاتها مبكِّرا إليها، خاشعًا خاضعًا، مطمئنًا ذاكرًا، راجيًا رحمة ربه -جل وعلا-، خائفًا من عذابه.
خاتمة العشر ونهاية أيامها
وقد جعل الله -تبارك وتعالى- خاتمة هذه العشر ونهاية أيامها عيداً للمسلمين يفرحون فيه فرحةً عظمى، وسرورًا كبيرًا بما يسَّر الله لهم في هذه العشر من الطاعات والعبادات والقربات، ولهذا حين يلتقي المسلمون يوم العيد مَن حج منهم ومن لم يحج يهنئ بعضهم بعضا قائلين ما قاله الصحابة الكرام في ذلك اليوم «تقبل الله منا ومنك»؛ وهذه كلمة لها وقعها ووزنها ومكانتها ممن نافس في العبادة وأقبل على الطاعة، وأما من يأتي يوم العيد مضيعاً مفرطاً مكِبًّا على الذنوب والآثام والخطايا فعلى ماذا يهنَّأ؟! وبأي شيء يقال له تقبل الله منا ومنك؟ ولهذا ينبغي أن نحسب ليوم العيد حسابا، بأن نعِد الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات، التي نفرح يوم العيد بأدائنا لها وحسن تقربنا إلى الله بها، ونسأل الله -عز وجل- أن يمدّنا جميعا بعونٍ منه وتوفيق، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.
لاتوجد تعليقات