رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 13 أغسطس، 2018 0 تعليق

خير أيام الدنيا.. كيف يستثمرها المربي؟

إنّ من نعمة الله -تعالى- على عباده هذه المناسبات الدينية المباركة، والأيام والشهور التي فضلها الله -عزّ وجل- على سائر الأوقات؛ وأوْدع فيها من الجلال والروحانية ما يجعل القلوب مقبلة فيها على العبادة والتزود للمسير بقية أيام العام.

وهي للمربين زادٌ خاص، وفرصة مناسبة جداً لتأسيس الأصول الإيمانية في نفوس الأبناء، وبتكرار هذه المناسبات كل عام يقوى الإيمان في قلوبهم، وتتأكد القيم الصحيحة في أذهانهم، حتى تصير العبادات المرتبطة بتلك الأزمان الفاضلة عادة راسخة لديهم.

وإليكم - أعزائي - ونحن نستقبل خير أيام الدنيا وموسم الحج الأكبر، أهم المعالم التربوية التي نبثها في نفوس أبنائنا في هذه الأيام المباركة.

تعظيم حرمات الله

     الصعود بالأبناء روحياً إلى معاني (تعظيم حرمات الله): والمقصود جعل الأبناء يستشعرون جلال المناسبة الدينية التي يقبلون عليها من خلال حديثنا معهم وفرحنا نحن واستشرافنا لهذه الأيام، امتثالاً لقول الله -تعالى-: {ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (الحج:30)؛ «فتعظيم حرمات الله من الأمور المحبوبة لله، المُقرّبة إليه، التي من عظّمها وأَجَلّها أثابه الله ثواباً جزيلاً، وكانت خيراً له في دينه ودنياه وأخراه عند ربه، وحرمات الله هي:كل ما له حرمة وأُمِرَ باحترامه من عبادة أو غيرها، كالمناسك كلها وكالحرم والإحرام وكالهدايا وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها؛ فتعظيمها يكون بإجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل» - تفسير ابن سعدي/سورة الحج -، كذلك يكون تعظيم الحرمات بالتوية والإنابة واستعظام إتيان الذنب في هذه الأيام لشرفها وحرمتها عند الله -تعالى.

الحديث مع الأبناء عن عشر ذي الحجة

     حيث تجتمع الأسرة في حلقة حول الأب، أو الأم، يقوم فيها ببيان عظمة هذه الأيام العشر، قال -تعالى-: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}. والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح، ويبين سبب هذا الفضل، وهو اجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره». ويقوم الوالدان بعرض هذه المعلومات بأسلوب مشوِّق يتناسب مع الفئة العمرية للأبناء.

برنامج عملي

     برنامج عملي لتدريبهم على أداء العبادات بنهج مكثف في هذه الأيام: مثل أداء الصلوات المفروضة على وجهها الأكمل، والتبكير لها، وإتمام ركوعها وسجودها، وتحقيق خشوعها، والحفاظ على السنن الرواتب، والإكثار من قراءة القرآن، والصدقات، وإعانة المحتاجين.

- وكذلك صيام ما تيسر من أيام هذه العشر؛ فهو داخل في جنس الأعمال الصالحة، وآكدها صيام يوم عرفة لغير الحاج، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام يوما في سبيل الله بَعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا»، (متفق عليه، واللفظ للبخاري).

- الإكثار من التهليل، والتكبير، والتحميد، لقوله صلى الله عليه وسلم : «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»، ويُستحَبّ للوالدين أن يدربا أبناءهما عملياً على هذه العبادة، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ... وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا».

الاهتمام بيوم عرفة وتعظيمه

     فيوم عرفة أكمل الله فيه الدين، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:5)، قال عمر رضي الله عنه : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

     ويوم عرفة هو غرة العشر من ذي الحجة، قال -تعالى-: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: «كل زمان فاضل من ليل أو نهار فإنّ آخره أفضل من أوله، كيوم عرفة ويوم الجمعة، وكذلك الليل والنهار عموماً آخره أفضل من أوله، وكذلك عشر ذي الحجة والمحرم آخرهما أفضل من أولهما».

- ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر المباركة ذبح الأضاحي تقرباً لله، مع سرد قصة الفداء والتضحية وما فيها من عبر على الأبناء. قال  صلى الله عليه وسلم : «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ» (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).

المقاصد الشرعية

تعريف الأبناء بالفوائد الإيمانية والمقاصد الشرعية من أداء فريضة الحج، مثل:

- إظهار الخضوع والطاعة لله -عزّ وجل-ّ، وبذل المال والجهد في سبيل مرضاته.

- ما يظهر واضحاً في اجتماع المسلمين من شتى بقاع الأرض من تأليف القلوب وتدعيم رابطة الأخوة الإيمانية على اختلاف ألوانهم وأماكنهم.

- المساواة بين الحجاج في لباس الإحرام الخاص بالحجيج، وما فيه من التذكير بأكفان الموتى وهم راجعون إلى ربهم -تبارك وتعالى-، وأن التفاضل بين العباد لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح.

- ما في نسك (الرجم) من تقوية المسلم على الشيطان ووسواسه، وأن «كيد الشيطان كان ضعيفاً».

     وأخيراً أعزائي المربين، لنتذكر جميعاً أن أيام العشر وموسم الحج الأكبر..أيام حياةٍ للقلوب، فيها الخير والبركات والأجور الكثيرة، والفضائل الجزيلة..فيها تزكو الأنفس، وتنال الآمال؛ فلا يفوتنا نصيب أبنائنا من هذا الخير العميم، فليصحبونا وليلازمونا آباء وأمهات، في البيوت والمساجد حال التعبد والقيام والإعلان بذكر الله -تعالى-؛ فإنهم إنّ لم يعيشوا معنا هذا الموسم الجليل ويتذوقوا حلاوة الإيمان فيه فقد أضعنا حقهم في التربية على العبادة، وإن غنمنا من هذه الأيام غنيمتنا وضربنا لهم معنا بسهم، فقد والله حبوناهم ومنحناهم ما هو خير من الدنيا وما فيها.. تقبل الله -تعالى- منا ومنهم ومنكم.

 

 

الحديث مع الأبناء

استشارة: ما الموضوعات التي يمكن للمربي أن يتناولها مع أبنائه في هذه الأيام؟

- الإجابة: يستطيع المربي مع قدوم العشر الأوائل من ذي الحجة واستقبال موسم الحج من كل عام أن ينتهز هذه الفرصة التربوية العظيمة لربط الأبناء بشعائر دينهم العظيم المكانية والزمانية أيضاً، وذلك من خلال الجلسات الحوارية الأسرية الهادئة، التي لها أثرها البالغ في حياة الطفل، ولو كانت إحداها في شرح معاني مفردات التهليل والتحميد والتكبير، وشيء من دلالات أسماء الله وصفاته، وبيان الحكمة من الصلاة، والصوم، وإعانة المحتاجين، وأثر أيام العشر، ويوم عرفة على العباد، على أن يدعم المربي كلامه بسوْق الآيات والأحاديث والآثار الرائعة التي توثق المعلومة وتثبتها لدى الأبناء، كما يؤدي هذا الحديث الإيماني المفعم بأجواء الأسرة الدافئة إلى ترسيخ محبة الله -سبحانه- وتعظيمه، وتوقيره في نفوسهم.

لا بأس أيضاً بطباعة حديث في فضل عشر ذي الحجة، وآخر في فضل الحج المبرور؛ مما يسهل على الأبناء حفظه، وتعليقه في مكان ظاهر بالمنزل، ولو أمكن إعلان جائزة مناسبة لمن يحفظه من أفراد الأسرة، لكان هذا جميلاً.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك