رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 25 نوفمبر، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – نعم في الدنيا جنَّة

  • مقال الشيخ سالم الناشي جعلني أتفكر وأتأمل أننا في جنة ولكننا لا ندركها فإسلامك جنة وإيمانك بشعبه جنة وعملك الصالح بأنواعه جنة واستقامتك على منهج السلف الصالح جنة
  • جنة الدنيا إنما تكون في أمرين: الإيمان والعمل الصالح وقد ذكرهما الله تعالى في سورة صغيرة في كتابه وهي سورة العصر

اليوم بعدما انتهيت من إعداد هذه الكلمة والاستعداد لها بدأت أقلب في تويتر فوجدت مقالةً قد كتبها أحد الفضلاء، وعندما قرأت هذه المقالة عزمت على أن أغير تلك الكلمة، لأني في الحقيقة وجدت المقالة جذابة ومؤثرة ومهمة في آنٍ واحد من حيث الأسلوب، وكذلك من حيث المضمون، وقد صدّر كاتب هذه المقالة مقالته بتساؤل بديع إذ تساءل: هل في الدنيا جنة؟

في الحقيقة جذبني هذا العنوان، وعندما قرأت المقالة كاملة وجدت أن الكاتب قد أبدع وأجاد وتفنن في استحضار الأدلة والأحاديث وأقوال السلف في بيان أن في الدنيا جنة، وهي المقدمة لجنة الآخرة.

جنة الدنيا في أمرين

        وجنة الدنيا إنما تكون في أمرين: الإيمان والعمل الصالح، واللذان نقرؤهما في أصغر سورة في كتاب الله -عز وجل-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، هذا من الإيمان ومن العمل الصالح، وهكذا وجدت الكاتب قد وضعنا أمام قضية مهمة، وهي أن جنة الدنيا إنما تكمن في الإيمان بالله -تعالى- بأسمائه وصفاته، كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما، مثل الإمام السعدي -رحمة الله عليه- في تفسيره أن الانسان إذا آمن بأسماء الله -عز وجل- وصفاته وعلمها، ثم دخل ذلك العلم في قلبه فقد بدأ مشوار الدخول في هذه الجنة، التي لايمكن الدخول لها إلا من هذه البوابة بوابة العلم والإيمان.

العمل بطاعة الله -عز وجل

        فإذا دخل هذا الايمان في قلبك تدخل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة العمل بطاعة الله -عز وجل- لتمارس الإيمان عمليا، هنا الإنسان يعيش في سعادة وفي متعة لا تستطيع أن تقارنها أبدًا بأي متع الدنيا، واستشهد الكاتب هنا باستشهاد رائع وهو قول الله -عز وجل-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

نحن في جنة ولكننا لا ندري

         لذلك إخواني ذلك المقال جعلني أتفكر وأتأمل أننا لدينا أشياء كثيرة وإننا في جنة ونحن لا ندرك أننا في جنة، فإسلامك جنة، وإيمانك بشعبه جنة، وعملك الصالح بأنواعه جنة، استقامتك والتزامك بدين الله -عز وجل- على منهج السلف الصالح جنة، دعوتك إلى الله -عز وجل- جنة، قراءتك للقرآن، صدقاتك، أعمال البر جنة، برك للوالدين وصلتك بأرحامك جنة، ومعارفك بأحبابك وخلانك تلك جنة، والأصل أن تدخل إلى كل تلك الفروع من الباب الأصلي، وإلا تعرض المرء لخطورة قول الله -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}.

بساتين تلك الجنة

       أما الذي يدخل من الباب الأصلي والمدخل الأوحد لتلك الجنة وهو باب الإيمان بالله -تعالى- والعمل الصالح، ثم بعد ذلك يتنعم في بساتين تلك الجنة ويرتقي بفروعها ويقطف من ثمارها ويتنعم بظلالها وأشجارها يكن على يقين أنه إن مات على هذا الإيمان فإنه يكون مستبشرا بقول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}.

أجاد الكاتب في تلك المقالة

        ففي الحقيقة لقد أجاد هذا الكاتب في تلك المقالة حقيقةً، فأما الكاتب فهو الأخ الكريم الشيخ سالم الناشي، وأما المقال فستجدونه في مجلة الفرقان في صفحة (أوراق صحفية)؛ لذا فهي مقالة مهمة جدا أعادت لنا بوصلة إدراك نعيم المؤمن في الدنيا، ووضعت نصب أعيننا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» والحديث ليس للحصر وإنما هناك نعم أخرى مغبونٌ فيها كثير من الناس، مثل: العمل الصالح والاستقامة والمنهج الصحيح والدعوة إلى الله -تعالى-، وأعمال خير لا يدرك أنه كان بها في جنة إلا عندما يسلب الله -عز وجل- منه جزءا منها أو كلها -عافانا الله وإياكم من ذلك.  

ذِكر الله جنة الدنيا

         قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، تطمئنُّ بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من جانبه وفي حماه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله. وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يُحرَمون طمأنينة الأنس بالله، ليس أشقى ممن ينطلق من هذه الأرض مقطوع الصلة بما حوله، ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لِمَ جاء؟ ولمَ يذهب؟ ولمَ يعاني ما يعاني في الحياة؟ وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشرٌ إلا أن يكون مرتكنًا إلى الله، مطمئنًّا إلى حماه، مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد؛ ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كلِّه، فلا يصمد إلا المطمئنُّون بالله. فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات، بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق. جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت، فأَخبِرْني بشيء أتشبَّث به، فقال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله»، وتدبَّرْ حديث أبي الدرداء ومعاذ بن جبل، أن رسول الله قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قلنا: بلى، قال: «ذكر الله -عز وجل»، فالذكر يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويملأ القلب غنى وانشراحًا، والذكر يجلب الرزق، ويفرِّج الكرب، وينفِّس الهمَّ، والذكر يكسو وجهَ الذاكر مهابة وجلالًا ونضرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك