رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 21 أكتوبر، 2024 0 تعليق

خواطر  الكلمة الطيبة  – ميزان الحُكْم على الناس

  •  علينا أن ننظر إلى الأشخاص بنظرة العالم الذي قد ملأ الله قلبه بصيرة ويزن الأمور بمقاييسها الدقيقة حتى لا يقع في الظلم
  • الشهادة على الناس والحكم عليهم أمر عظيم فعلى الإنسان ألا يتساهل فيه أبدًا
 

هناك ميزان لا يستطيع أن يتعرف عليه جيدًا إلا من تمعن ونظر في منهج أهل السُنَّة والجماعة، وهذا الميزان هو مصداق لقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، والشهادة على الناس في الحقيقة أمر عظيم؛ لذلك الإنسان لا يتساهل فيه أبدًا، ولابد له أن ينظر إلى هذا الأمر بنظرة العالم الذي قد ملأ الله قلبه بصيرة، ويزن الأمور بمقاييسها الدقيقة حتى لا يقع في الظلم.

        ولذلك بعض الناس إذا أراد أن يُقيّم إنسانا فإنه قد يقيم حالة معينة في الإنسان هي الحالة الغالبة، ثم يتناسى باقي الأمور ثم تكون هذه الأمور التي نسيها هي الأصل، وهي التي يبنى عليها تقييم هذا الإنسان، ودعونا نذهب معكم إلى ناحية تطبيقية، دعونا نضع الميزان ونسترجع معيار أهل السُنَّة والجماعة كيف كانوا يضعون ميزان الاعتدال في جرح أحد من الرواة أو من العلماء أو من أهل الإسلام أو تعديله.

الحسن بن صالح الحمداني

         يأتي الإمام الذهبي -رحمة الله تعالى عليه- ويسرد سيرة (الحسن بن صالح الحمداني)، فلننظر إلى كلام العلماء فيه: «كان متقنًا، كان فقيهًا، كان زاهدًا، كان عابدًا، كان ورعًا، كان يُرى أثار الخشوع على وجهه»، رجل قام من الليل بسورة النبأ فما أكملها وسقط مغشيًا عليه، كان يقوم الليل هو وأهل بيته فيقسمه عليه هو وأمه وأخوه، لا يريد أن ينقطع القرآن وقيام الليل عن البيت، فيبدأ من بعد العشاء هو ثلث الليل، وأمه ثلث الليل، وأخوه الثلث الأخير من الليل، فلما ماتت أمه كان يقوم بما كانت تقوم به أمه، فأصبح نصيبه الثلثين وأخوه ثلث الليل، فلما مات أخوه أصبح يصلي الليل كله.

مقالات جميلة وجليلة

        هذا الرجل له مقالات جميلة وجليلة، منها قوله -رحمه الله-: «لو أصبحت ولا أجد معي درهم لما رأيت إلا أني قد حزت على الدنيا بما فيها»، وهذا استفاده من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها» يعني رجل وصف بالعلم والفقه والإتقان فضلا عن أنه عاش في زمن كان يعيش فيه سفيان الثوري وهو من أئمة الحديث الكبار، وكان الرجل يروي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحديث عن هذا الباب يطول.

رغم كل ما سبق حذر منه العلماء!

رغم ما كل ما ذكرناه سابقًا من أخلاق وفضائل إلا أنَّ الإمام الذهبي قال فيه: «قد حذر علماء الأمة منه، وحذروا من أخذ الحديث منه» فيا سبحان الله! أبعْد كل تلك الصفات ويحذر منه علماء الأمة؟! لم؟ قال ذلك بعدما أظهر بدعة القول بجواز الخروج على الأئمة الظلمة، هل إمام ظالم لايجوز الخروج عليه؟ نعم لأن هذا هو الأصل، فلأنه خالف هذا الأصل لم تشفع له كل هذه الحسنات لقبول نقله وروايته.

الحكم بالشرع لا بالعاطفة

         فهم لم يحكموا بالعاطفة وإنما عظموا الشرع وميزانه على ميزان العاطفة، رغم كونه نموذجا إلا أنهم حكموا ميزان الشرع على الجانب الآخر فقالوا إنه يفتي بالخروج خلافًا لأهل السُنَّة والجماعة فضلا عن  أنه لم يحارب قط، فهو يفتي بجواز الخروج على الحاكم الظالم وهو لم يخرج قط، لماذا؟ إذا تأملت لوجدت أن هذا القول ينسف تلك الفضائل كلها؟ لم؟ لأن هذا هو نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، إذا هذا الميزان الذي سار عليه أهل السنة والجماعة، هذا هو ميزان النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول لا تغتر ابتداءً بكون فلان عابدا أو زاهدا أو قارئا أو حافظا، فهذا مثل ما قال أحد السلف عن الخوارج: إنهم «أوتوا ذكاءً ولم يؤتوا زكاءً» ماعندهم طهر في القلب. فما هذا الطهر الذي افتقدوه؟ إنه طُهر المنهج الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، عجيب فهو كان في جيل سفيان الثوري الذي كان في جيل التابعين الذين رأوا الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين هم خير القرون.

خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي

         بعض الناس يفهم من حديث «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أن كل الناس الذين عاشوا في تلك القرون هم من أهل تلك الخيرية، أبدًا يا إخواني، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خير الناس فيمن عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعه ونهج نهجه ثم من رأى الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-، وعاصرهم واتبعهم بإحسان، ثم من عاصر تابعيهم واتبعهم بإحسان فأنت إن عايشت إحدى تلك الدوائر واتبعت هذا السلف الصالح بإحسان فأنت من خير الناس، لكن إذا انحرفت عن المنهج فقد خرجت عن دائرة الخيرية تلك ولن تزكيك الأمة وأنت على هذا المنهج الخطأ. وفي مثل هذا ينخدع كثير من الناس بأمور العاطفة، يقولون فلان هذا ماشاء الله معروف بعلمه أو بزهده أو بورعه أو بعبادته او بإتقانه للعلوم، ولكن السؤال هل أوتي زكاءً؟ هل أوتي منهجًا صحيحًا وقويمًا؟ هل سار على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة؟

ميزان لا نختلف عليه

           لذا فإن الله -عزوجل- قد وضع لنا ميزانا، لا نريد أن نختلف عليه؛ لذلك هذا الميزان نريد أن يكون لنا بوصلة حتى اليوم فلا يغرنك أن فلانا ماشاء الله حافظ أو متقن أو ذكي أو عابد، ولكن اسأل ماهو منهجه؟ ما الذي يدعو اليه؟ ما توجهه؟ لذلك لا نريد أن تكون حلقات القرآن حفظا، وإنما نريد أن تكون حلقاتنا علما، فمن حفظ القرآن وختم بفضل الله لا نريد أن نأتي به لنعطيه جائزة، وإنما قبل ذلك نأتي به ونقول له لن نعطيك الجائزة إلا عندما نعلمك تفسير القرآن الذي حفظته بفضل الله، فلابد أن تتعلم المنهج الصحيح، ثم بعد ذلك نكافئه ونعطيه الهدايا ونقول له مشكور! أنت الآن أُوتيت الذكاء وأوتيت الزكاة.

مشكلة الخوارج

لذلك هؤلاء الخوارج ما مشكلتهم؟ القصة ليست حفظا؛ فكلهم حفظة وكلهم متقنون، بل منهم من كان يروي الحديث كأنه الإمام البخاري، ولكن إذا أتيت به ووضعته مع الإمام البخاري فإن البخاري يرجح بحفظه ومنهجه وهذا لا يرجح بحفظه فقط، فالذي يرجح البخاري منهجه القويم والدين الوسط واتباعه لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-؛ لأنهم أخذوا بقول الله -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

قضية حساسة جدا

        تلك القضية حساسة جدًا، واليوم الشباب يطالع منصات التواصل الاجتماعي، ويطالع من يتصدر فيها ونرى كثيرا منهم ينخدعون ببعض الذين يتصدرون في تلك المنصات، فينخدع في حفظ فلان وعلم فلان وغير ذلك ثم يذهبون بهم إلى الهاوية! من تكفير، وثورات وخروج على الحكام، وتبديع الناس، واستباحة أعراض الناس وأموالهم ودمائهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك