رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 26 يناير، 2025 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة {فَـلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَـا}

  • الحياة الدنيا لا تدوم على حال ولا تصفو لأحد تمام الصفاء وقد رُكبت على التقلب والتغير ما بين قبض وبسط وسعة وضيق وفرح وحزن

قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث والجزاء على الأعمال، {حَقٌّ} أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، وقد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.

        وكما أنَّ الله -عزوجل- وعد وعودًا دنيوية تحققت، فهناك أيضًا وعود أخروية ستتحقق، وهي ما جاءت به الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -تعالى-، ولقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم - الدنيا فقال: «الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ، وإنَّ اللهَ مُستخلِفَكم فيها؛ فناظرٌ كيف تعملون»، فالدنيا تأخذ القلب بزينتها وشهواتها من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا، فكل هذه النعم قد يتعلق بها الإنسان تعلقا يفوق تعلقه بالآخرة؛ لذا يقول الله -عزوجل- {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.

الحياة لا تدوم لأحد

        إنَّ طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تدوم على حال، ولا تصفو لأحد تمام الصفاء، وقد ركبت على التقلب والتغير، ما بين قبض وبسط، ولقاء وفراق، وسعة وضيق، وفرح وحزن، وضحك وبكاء، وعافية وبلاء؛ لذلك قال الله -تعالى-: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، ثم قال الله -عزوجل- {لا يغرنكم بالله الغرور} أي لايمنيك أصحاب الأماني فيصدونك عن حقيقة هذه الحياة «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}

       ثم قال الله -تعالى-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: الشيطان الذي هو عدوكم في الحقيقة لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت؛ فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائمًا لكم بالمرصاد.

       {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد، إن شئت فانظر الى السابقين من الأمم السابقة بل من أجدادنا وأهلينا أين ذهبوا؟ بل كل يوم نحن نودع من يرحلون عنا إلى أين يذهبون؟ وكثير من الناس الذين يرحلون عنا؟! لذا فالوعد حق، والموت حق، والرحيل للدار الآخرة حق، فلا ننسى ذلك الوعد، كن مغتربا؛ لذلك يعجبني حال كثير من المغتربين، تراهم يتبسطون في أمورهم؛ لأنهم يوقنون بالعودة إلى بلادهم، فكذلك نحتاج أن نكون مع الآخرة أن نوقن بعودتنا لها وأن نعمل لذلك.

{ولا تنس نصيبك من الدنيا}

       نحن لا ندعو إلى ترك الدنيا بالكلية فليس هذا أمر الله ، قال -سبحانه-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- : أي قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند اللّه، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، أي: لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعًا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعًا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك، {وَأَحْسَنُ} إلى عباد اللّه {كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} بهذه الأموال.

كن في الدنيا كأنك غريب

        عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بمنكِبي، فقال: «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ»، وكان ابنُ عمرَ - رضي الله عنه - يقولُ: إذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساءَ، وإذا أمسيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ، وخُذْ من صِحَّتِك لمرضِك، وفي حياتِك لموتِك.

        وكان عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّهُمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم - فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ»، هذا الدعاء من الأدعية. العظيمة؛ لاشتماله على أعظم المقاصد، وأرجى المطالب، وأعلى الأماني في الدنيا والآخرة، في مرافقة سيد الأولين والآخرين في أعلى جنات النعيم، ولا شك أن هذا أعظم وأعلى المنازل؛ ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يلازم هذا الدعاء في خير الأعمال، وأفضلها، ألا وهي الصلاة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم - يقول: «قد صليت منذ كذا وكذا، ما صليت فريضة ولا تطوعًا إلا دعوت اللَّه به في دبر كل صلاة»، ويقول -صلى الله عليه وسلم -: «إنه من دعائي الذي لا أكاد أن أدع»، أي هذا الدعاء، وهذا يدل على كمال همّته، وشدّة حرصه لمطلوبه، وسبب هذا الدعاء، أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد وهو مع أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ (النساء)، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم - «اسأل تعطه، اسأل تعطه».

حقيقة الحياة الدنيا

     قال الله -تعالى-: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنعام: 32)، قال ابن كثير: «أي إنما غالبها كذلك»، وقال -تعالى-: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 64)، قال ابن كثير: «يقول -تعالى- مخبراً عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها، وغاية ما فيها لهو ولعب {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي الحياة الدائمة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء بل هي مستمرة أبد الآباد»، وقال -تعالى-: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (الرعد: 26)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طه:131)، قال ابن كثير: «يقول -تعالى- لنبيه محمد -[-: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد (أزواجاً منهم) يعني الأغنياء، فقد آتاك خيراً مما آتاهم، وعن جابر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمرَّ بجدي أسكَّ ميِّتٍ، فتناوله بأذنه ثم قال: «أيّكم يحب أن هذا له بدرهم؟»، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟»، قالوا: والله لو كان حيَّاً لكان عيباً فيه، لأنه أسكَّ، فكيف وهو ميِّتٍ؟! فقال: «والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X