رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 13 نوفمبر، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – طلب العلم من الجهاد في سبيل الله

  • بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط ولكن الله عز وجل جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله أيضا
 

عندما نسمع كلمة «في سبيل الله» تنصرف أذهاننا إلى شيء عظيم وهو فعلا عظيم ألا وهو: (الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى-)، فالله -جل وعلا- قد فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وأعد الله -عز وجل- لمن جاهد في سبيله الأجور الكثيرة العظيمة والفضائل الجليلة التي جعلها الله لهم في مستقر رحمته وجنته، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه أن يبين للناس أن كلمة «في سبيل الله» أيضا لها معان واسعة لأعمال يحبها الله -عز وجل-، فلا تقتصر هذه الكلمة على صنف واحد من الأعمال وهو الجهاد في سبيل الله، ولكن أي عمل تستطيع من خلاله أن تحارب أعداء الدين، عده الشارع -سبحانه و-تعالى-- من الجهاد في سبيل الله.

        وإذا أردنا أن نعرف فضل الجهاد في سبيل الله فلنقرأ هذا الحديث: مرَّ رجلٌ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بشِعبٍ فيهِ عُيَيْنةٌ من ماءٍ عذبةٌ فأعجبتْهُ لطِيبها، فقال: لو اعتزلْت الناسَ فأقمتُ في هذا الشِّعبِ ولن أفعل حتى أستأذنَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكَر ذلكَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تفعلْ فإنَّ مقامَ أحدِكم في سبيل اللهِ أفضلُ منْ صلاتِهِ في بيتهِ سبعينَ عامًا، ألا تحبُّون أن يغفرَ اللهُ لكمْ، ويدخلُكم الجنةَ؟ اغزُوا في سبيلِ اللهِ، منْ قاتلَ في سبيلِ اللهِ فُواقَ ناقةٍ وجبتْ لهُ الجنةُ».

من أفضل الأعمال عند الله -تعالى

        إن من أفضل الأعمال عند الله -عز وجل- الصلاة بالليل والناس نيام، وهي من أول الأعمال التي وصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما دخل المدينة «أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ».

أعمال يتهاون فيها الناس

        ومن الأعمال الجليلة التي يتهاون فيها بعض الناس: مقام الجلوس لطلب العلم، مثل: حضور حلقة من حلقات العلم، وتفسير كتاب الله، وسماع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغيرها من العلوم الشرعية، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-: «مجلس علم تجلسه، خير لك من الدنيا وما فيها، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها»، فضلا عن أن هذا المجلس يعد من الجهاد في سبيل الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من خارجٍ خرج من بيتِه في طلبِ العلمِ، إلا وَضعت له الملائكةُ أجنحتَها رضًا بما يصنعُ، حتى يَرجعَ».

سعي الإنسان في طلب العلم

        بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط، ولكن الله -عز وجل- جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله، فمجرد خاطرة أو كلمة إذا احتسبناها فهي في سبيل الله، فبهذا الوعي نحن نجاهد المشركين والمنافقين والمعرضين والمبتدعين وأصحاب الأهواء، فنرد على شبهاتهم فإذا لم نطلب العلم لا يوجد معنا سلاح، ولذلك الله -عز وجل- أول ما أوحى إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (اقرأ) قال أهل العلم: تعلَّم حتى تكون متحصنا بالسلاح، وقال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال الله -تعالى-:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فجعل العلم قبل القول والعمل وهكذا بوب هذا الباب الإمام البخاري، فمجالس العلم ولو كانت قليلة أو بسيطة لا تستهن بشيء ولو كان بسيطا.

قصة واقعية

           أذكر أنه كان في يوم من الأيام عندنا لقاء مع الشيخ عثمان الخميس منذ سنوات عدة، وكان الموضوع عن الصلاة، وأحكامها وما إلى ذلك، فقلت لشاب أن يحضر معي اللقاء ودعوته إليه، فسأل عن الموضوع، فقلت له الموضوع عن «الصلاة» فقال نحن طلبة شريعة وما إلى ذلك واستبسط الموضوع، فقلت تعال تحفنا الملائكة ونأخذ أجر مجلس علم فرفض وقال: إنه يريد أن يتابع بعض أعماله. ومرت السنون وقدر الله أن أقابله في مسجدي بعد خطبة الجمعة وبعد الصلاة جاء سلم علي، وجلس وجاء أحد الإخوة المصلين وقال والله يا شيخ عندي سؤال في الصلاة، فقلت له أبشر عندنا هنا متخصص وهو خريج كلية الشريعة، تفضل فوالله يا إخوة سأل سؤالا بسيطا لا أذكر السؤال ولكن أذكر أنه سؤال بسيط، فقلت يجاوبك الشيخ فقال: تفضل يا شيخ أنت جاوبه فجاوبت الرجل وذهب فسألته لم لم تجاوب الرجل؟ السؤال سهل! فقال والله نسيت، فقلت له أنت تدري لماذا نسيت؟ لأنك لم تدرك أن العلم ينسى إن لم تتعهده بالمدارسة ومجالس العلم، وإلا فالمعلومة صيد تقيد بالكتابة والقراءة والمراجعة، وذكرته بالموقف السابق مع درس الشيخ عثمان الخميس عن الصلاة، فلا تحتقر المعلومة أيا ما كانت فيتحقق لك مقام طالب العلم في سبيل الله أفضل عند الله من صلاة رجل ستين عاما خاليا.    

فضل طلب العلم

  • يكفي شرفًا لأهل العلم أن الله -عز وجل- استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو -تبارك و-تعالى--، قال -عز وجل-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} (آل عمران: 18)، الملائكة شهدوا وأولو العلم أيضًا شهدوا ألا إله إلا الله.
  • العلماء هم ورثة الأنبياء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإن العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ»، الأنبياء لم يتركوا لنا مالًا أو جواهرَ، أو ذهبًا أو فضة، وإنما تركوا لنا العلم، الذي عنده العلم قد أخذ أوفر الحظوظ، فلا شيء في الدنيا أشرف من العلم، لذلك أمر الله -عز وجل- نبيَّه أن يستزيدَه من العلم، قال -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114)، قال العلماء: لو كان شيء أشرف من العلم، لأمرَ اللهُ نبيَّه أن يستزيده منه كما أمره أن يستزيده من العلم.
  • العلم نور يهدي الله به من يشاء في هذه الدنيا، قال -تعالى-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} (الرعد: 19)، «الناس في الدنيا صنفان، إما شخص لديه علم ونور يهتدي به، وإما أعمى لا يرى.
  • رفع الله -عز وجل- قدر أهل العلم لا لحسبٍ ولا لجاه ولا لمال، وإنما بسبب العلم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ»، وسلوك الطريق المقصود به الطريق الحسي الطريق الذي يسير عليه الإنسان، الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام، ويسير فيه الإنسان، لكي يتعلم، ويذهب إلى مكان العلم، ومنه أيضًا الرحلة لطلب العلم، فجابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أحد صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار سافر شهرًا كاملًا في طلب حديث واحد.
  • أجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له».
  • يكفي في فضل العلم أنه علامة على إرادة الله -عز وجل- الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهْه في الدِّينِ»، يعني كما أن الله -عز وجل- يشرح صدر الإنسان لطلب العلم ويصبره على الطلب، ويأتي ويبذل ويذاكر ويجتهد، هذا من علامة إرادة الله -عز وجل- الخير بهذا العبد، لا يمر عليه يوم في حياته إلا ويتعلم مسألة ويفهم مسألة، ويزداد علمًا، لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا، ورزقًا طيِّبًا، وعملًا متقبَّلًا»، وقوله: «من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين»، هذا يدخل فيه جانبان، فقه العقائد: العقيدة التوحيد، أصول الإيمان، وفقه الأحكام والشرائع: تعلُّم الحلال والحرام، وأمور الدين، يتعلم ذلك من الكتاب والسنة.
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك