رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 4 نوفمبر، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – سبل الاستقامة

  • حقيقة الاستقامة في الشرع تتضمن أمرين الأول: السَّير على الطريق والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات
  • مشاهدة المنة توجب على العبد المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس توجب الذل والانكسار والافتقار إلى الله والتوبة في كل وقت
 

اليوم نقف معكم على كلمة مختصرة لشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولكنها في الحقيقة تحمل معاني كثيرة، يقول -رحمه الله- وهو يشرح كيف يسير الإنسان في هذه الدنيا على طريق الاستقامة حتى لا ينحرف به الطريق؟ يقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة ومطالعة عيب النفس»، أي المسلم البصير، الذي يطلب العلم ويعرف من كلام الله -تعالى- ما يعرف، ويعرف من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يعرف، لابد أن يتزود بالعلم والمعرفة في طريقه إلى الله -عزوجل.

       وأول ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله -تعالى-: {اقْرَأْ} وقال الله -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- وأن يسير في هذا الطريق وهو جاهل، قال -تعالى-:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، يعني إياك أن تتعبد إلى الله -عزوجل- بجهل، فتلك مصيبة.

منن الله -عزوجل- كثيرة

          فيقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة وبين مطالعة عيب النفس» ومنن الله -عزوجل- كثيرة قال -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}»، نعم الله تعالى كثيرة لا يستطيع الإنسان عدها، لكن أعظم النعم وأعظم الرزق هو نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم، واليوم- على كثرة انتشار تلك الفتن حول العالم- علينا أن نحمد الله -عزوجل- على سلامة العقيدة والمنهج؛ لأنه على عقيدة أنه مسلم، ثانيا على أنه على عقيدة صحيحة، ثم ثالثا لأنه على منهاج وطريق قويم على طريقة أهل السنة والجماعة، وترى الناس كيف يعصفون ببعضهم وسط تلك الفتن وهم لا يستطيعون تحمل الواقع لقلة العلم وانتشار الجهل وعدم الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم الوعي بسيرته، فضلًا عن سير الأنبياء والمرسلين من قبل. ما منا من أحد إلا وفيه عيوب وليس عيبًا واحدًا، ولكن الله -عزوجل- تجمل على عباده بالستر، والحمد لله جل وعلا الذي ما جعل لهذه العيوب روائح، وإلا لأفتُضحنا عند الناس، ويقول الإمام القحطاني -رحمه الله- في نونيته:

والله لو علموا قبيح سريرتي

                                      لأبى السلام على من يلقاني

ولأعرضوا عني وملوا صحبتي

                                      ولبؤت بعد كرامة بهوان

لكن سترت معايبي ومثالبي

                                      وحلمت عن سقطي وعن طغياني

فلك المحامد والمدائح كلها

                                      بخواطري وجوارحي ولساني

ولقد مننتَ عليَّ رب بأنعم

                                      مالي بشكر أقلهن يدان

مطالعة عيب النفس

       وقضية مطالعة عيب النفس لابد وأن تشغلنا في أنفسنا، فعندما نعلم عيوبنا وندرك أننا سنقف بين يدي الله -تعالى- للحساب على هذه العيوب، فيكون ذلك دافعا للعمل على إصلاحها قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} يعني زكى هذه النفس، والإنسان إذا ركز في هذا الأمر ووضع أمامه عيوب نفسه فإنه سينشغل بنفسه عن عيوب الآخرين، وهذا ليس معناه غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المقصود هو الانشغال بالدرجة الأولى باصلاح نفسك كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ فأنت أخي الكريم اسلك سبيل الاهتداء، وطهر نفسك ثم وأنت في الطريق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

ما اللمم؟

        قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، فما هو اللمم؟، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأَيْتُ شيئًا أشبَهَ باللَّمَمِ ممَّا قال أبو هُريرةَ: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كتَب اللهُ على ابنِ آدَمَ حظَّه مِن الزِّنا أدرَك ذلك لا محالةَ: فزنا العينِ النَّظرُ وزنا اللِّسانِ النُّطقُ والنَّفسُ تتمنَّى ذلك وتشتهي، ويُصدِّقُ ذلك الفَرْجُ أو يُكذِّبُه»، يقول: ما رأيت شيئا أشبه بها-: أي يفسرها- قال إلا مما سمعت من أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه».

أعلم الأمة بعلم التأويل

        وتخيل صحابي ينقل عن صحابي، أعلم الأمة بعلم التأويل، ينقل عن أكثرها علما بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من أدب الصحابة، وفي هذا الحديث بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزنا نوعان: زنا جوارح وزنا فروج، وزنا الفروج عافانا الله من الكبائر التي فيها حدود، ولكن هناك زنا لجميع الجوارح حتى القدم كما ذُكر في رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالصغائر بريدٌ للكبائر، وزنا الجوارح -عافانا الله- طريق لزنا الفرج؛ ولذلك عندما نتكلم عن عيوب النفس ترى عيوبك قد توصلك إلى شيء عظيم إن لم تهتم بإصلاحها وتزكيتها فتعيق المسير بينك وبين الله -سبحانه وتعالى. ويقول ابن القيم -رحمه الله-: «لابُدَّ للسالِكِ مِن همةٍ تُسيَّرهُ، وتُرقَيهِ، وعلم يُبصِّرُه، وَيهدِيهَ»، فلابد للمرء من همةٍ في قلبه تدفعه للسير في طريق الوصول إلى رضوان الله -عزوجل- وترقيه فيه، ولابد له من علمٍ نافع يهتدي به للطريق الصحيح.  

حقيقة الاستقامة

        حقيقة الاستقامة في الشرع تتضمن أمرين: السَّير على الطريق، وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ..}، والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات، وهذا المعنى تُفَسِّرُهُ بقية الآية: {.. وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)؛ فيكون المعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيَكم الموت وأنتم على ذلك، وتتحقق الاستقامة بأمور، أولها: أداء الفرائض والواجبات، وأهمها وأُسُّها التوحيد «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله»؛ هو أوجب الواجبات، وأعظم الحسنات، وأفضل الطاعات، وهو أول ما أمَر الله به عباده، وهو حقه عليهم، وهو مفتاح دعوة الرسل، وتحقيق ذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين له، ويتبع ذلك تحقيق متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك مقتضى الشهادتين.. وثانيها: الصلوات الخمس وهي قرينة التوحيد في الكتاب والسُّنَّة.. وثالثها: الزكاة، والصيام، والحج، هذه أركان الإسلام.. ورابعها: أداء الواجبات الأخرى كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق العباد، وكلها تدخل في الفرائض، فتكون مما يحقّق الاستقامة.. وعليه فالاستقامة إنما تتحقق بأداء حقوق الله، وحقوق العباد. ومما يحقق كمال الاستقامة أيضاً: أداء النَّوافل، ومِنْ حِكمة الله أَنْ شَرَّع لعباده نوافل الطاعات في مختلف العبادات؛ كالصلاة، والصدقة، والصيام، والحج وسائر الطاعات التي فرضها الله على عباده، فشرع مِن جنسها ما هو تطوع. ومما يحقق الاستقامة كذلك: اجتناب المحرمات، واجتنابها يكون بامتثال المأمورات، واجتناب المحظورات، وأهمها الكبائر، ومن اجتنب الكبائر فهو على خير كثير، قال الله -تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (النساء:31)؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدَهم أنهم إذا اجتنبوا كبائرَ المنهيات غُفر لهم جميعَ الذنوبِ والسيئات، وأدخلَهم مُدخلاً كريماً كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».. اهـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك