خواطر الكلمة الطيبة – دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم
- الحسد هو تمنِّي زوال النِّعمة عن الآخر وهو في جوهرِه اعتِراضٌ على عطاء المنعم سبحانه وتعالى
- الحسد صفة ذميمة لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة وهو بوابة الآثام ويبدأ بالقريب قبل البعيد
- الحسد مرض ينشأ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني أسماء الله تعالى وصفاته
استنفر العالم قبل مدة من أجل مرض كورونا، وجاءت منظمة الصحة العالمية لتضع بروتوكولا عالميا للعلاج وللوقاية من هذا المرض، والسؤال إذا مات الإنسان من مرض وهو على الإيمان والإحسان إلى أين يذهب؟ بإذن الله إلى جنة الله -سبحانه وتعالى-، ولكن هناك مرض عضال لم تتكلم عنه منظمة الصحة العالمية، ولا الأمم المتحدة تداعت له، ولا نرى حديثًا عنه في الإعلام ولا تجمعت له الدنيا مع أنه داء عضال، وقد ينتهي هذا الداء بموت قلب الإنسان ومشكلة هذا الداء أنه يذهب بدين الإنسان، وإذا ذهب دين الإنسان فإنه يخسر الدنيا والآخرة وهذا هو الخسران المبين، نسأل الله العفو والعافية.
إخواني، دعونا نذهب معًا الى هذا الحديث الذي قد رواه الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني وهو حديثٌ حسن -وهي رتبة من رتب الأحاديث الصحيحة- والحديث يرويه الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم الحسَدُ، والبغضاءُ هيَ الحالِقَةُ، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعَرَ ولكن تحلِقُ الدِّينَ، والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكُم بما يثبِّتُ ذاكُم لكم؟ أفشوا السَّلامَ بينكُم». تخيل معي: دب، أي موجود بالفعل، ها هو ذا قد وصل، معناها لابد من أخذ الحيطة والحذر، ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - (سَيَدُّب) وإنما (دَبَّ) أي هو موجود بالفعل، نسأل الله السلامة.داءٌ خطره عظيم
وكما يقولون المرض كان حالات ثم أصبح ظاهرة، وعندما يكون في طور الحالات فهي نسب ضيئلة لا تُذكر، إنما عندما يصل المرض لطور الظاهرة فيكون عندئذ ذا نسب كبيرة وعالية قد تكون 20% و30% وقد تكون أكبر من ذلك، معناها شيء عظيم (دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم) ماهو يارسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «الحسد والبغضاء»، فعلينا ألا نستهين بهذا الداء الخطير؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاءه وحي من السماء من عند ربه -جل وعلا- من فوق سبع سماوات: يا محمد هناك داء الأمم قبلكم قد جاءكم، ومعناها أنه ينتشر ويزيد، ما هو؟ قال: «الحسد والبغضاء».حقيقة الحسد
الحسد: هو أن تتمنى زوال النعمة التي جاءت لأخيك من عند الله -سبحانه وتعالى-، وبعض الناس ينظرون إلى الحسد من منظور ضيق: وهو أن الحسد محصور في أنَّ الفقراء يحسدون الأغنياء. هذا ليس بصحيح، وإنما ترى في الحقيقة بعض الأغنياء يحسدون الفقراء، كيف؟ وعلى ماذا؟ الغني عنده قصور وعنده سيارات وعنده أموال وعنده مزارع وعنده شاليهات إلخ، كيف له أن يحسد الفقير؟! قد يحسده على صحته، قد يحسده على جماله، وغيره من أمور الدنيا التي قد ينعم الله بها على الفقير.مصدر الحسد واحد
الحسد ليس له علاقة بأني أنا أحسن منك شهادة ولا غنى ولا منصبا ولا نسبا ولا حسبا، ممكن هذا الذي نراه بمنزلةٍ عالية يتوجه بالحسد لمن هو أقل منه، والعكس بالعكس، لماذا؟ وما السر إذًا؟ السر أن مصدر الحسد واحد، ومن الذي يشعل الحسد في قلوب الناس؟ إنما هو الشيطان فما يفرق معه من يحسد من؟ غني يحسد فقيرا، أم فقير يحسد غنيا ليست مشكلة، صحيح لمريض أو مريض لصحيح ليست مشكلة، جميل (لدميم) أو (دميم) لجميل لا مشكلة، تخيلوا إخواني الكرام: مريض ويحسدونه؟! وهذا الذي جعلني أقول هذه الكلمة. كيف مريض ومحسود، يقولون: ألا تعجب فأولاده حوله، وهو مريض منذ عشر سنوات، وأولاده كلهم حوله طوال اليوم على مدار 24 ساعة! أعوذ بالله، رجل مريض على الفراش ومحسود!، رجل لايقدر أن يقوم بنفسه، ولولا الله -عزوجل- ثم التربية التي تربى عليها أولاده -بارك الله فيهم- لعانى الكثير، وهم بجواره يؤدون واجبا عظيما تجاه أبيهم، والناس تحسد المريض على أولاده الذين يخدمونه! تخيل أخي في الله! وأنت الحمد لله تمشي على رجليك، تذهب وتجلس وتشرب وتأكل وتسافر وتقضي مصالحك وتسوي رياضة، وهو يلازم فراشة من المرض، ثم وهو في هذه الحال تجده محسودا! من هنا فإن الحسد ليس له منظور معين لنقول هذا حسد، وانما الحسد يأتي لأي انسان بأي صفة وبأي طريقة، متى يأتيك؟ إنه يأتيك عندما يضعف إيمانك، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البغضاء
وكذلك (البغضاء) عندما يصير في قلبك كره وبغضاء لإنسان إما يكون مصدره الحسد، وإما أن يكون هناك شيء شخصي، ليس حسد وإنما كره؛ لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن (البغضاء)، فلا يكره المؤمن المؤمن، بل حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلاقات الزوجية قال «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ» انظر لتلك المعادلة الشرعية التي لا يقولها أي أحد، لا يقولها إلا وحي، ولا تأتي إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .البغضاء هي الحالقة
و(البغضاء) هي الحالقة، «تحلق الدين»، «لأنها تأتي بالبغي» (أي الحسد والبغضاء والظلم) وقال: «ثم الهرج» من كثرة مايحسده قتله، ومن كثرة مايبغضه أذاه وتسلَّط عليه، والمؤمن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه»، تخيل أنه ما يجُرَك على أن تجَرِّئ لسانك على فلان وأن تُجَرِّئ يدك على فلان إلا الحسد والبغضاء.حالقة الدين
النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إليه وقال: «لا أقول حالقة الشعر (أي: الحسد والبغضاء) وإنما حالقة الدين»، تخيل انت تصوم رمضان وتزكي وتصلي وتذهب للعمره والحج، وتقرأ القرآن من المصحف، وتصلي السنن وتحافظ على الصلوات، وتبر والديك وتبر أرحامك، ولكن عندك حسد وبغضاء يحلق دينك تماما، الله أكبر يوم القيامة يقول لقد صليت وصمت وزكيت وفعلت كذا وكذا فيقال لك: حسدك هذا أذهب عليك سنوات من الأعمال الصالحة والبغضاء التي كانت في قلبك تجاه فلان أذهبت أعمالا صالحة أخرى، فأين أعمالك؟مرض خطير وفتاك
إخواني ترون هذا مرض خطير وفتاك، قد يقف المرء أمام ربه -جل وعلا- ليس عنده حسنات ولا أجر، ثم لم يقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحد وإنما قال: «والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم» إفشاء السلام مع ابتسامة مع المصافحة تخفف الغل والحسد الذي بقلبك، ومعها ثانية ومعها ثالثه حتى يزول بإذن الله.التحصين بالإيمان
فكما هو التطعيم ضد وباء كورونا جرعات جرعة أولى وجرعة ثانية وجرعة ثالثة بعدها الأمور تهدأ وتستقر، نقول هنا: إن لهذا الداء الخطير وهو الحسد والبغضاء يكون تطعيمك بالإيمان ومن الإيمان أن تسلم على من لقيته، وإن سلمت فإن ذلك يخفف الحسد والحقد في قلبك، وستصل -بإذن الله- للشفاء من هذا المرض وتميت الشيطان وتطفئ ناره لتصل إلى سلم المؤمنين الموصل -بإذن الله- إلى رضوان الله -عزوجل.
لاتوجد تعليقات