خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة الأنس بالله تعالى
- أول ما يذهب الوحشة من القلب هو الإيمان فالإيمان يُشعر القلب بنور ما فيه ظلمة وبأنس ما فيه وحشة وبفرح ما فيه حزن وبألفة ما فيه نفرة - لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه وأنس بذكره ومناجاته في سره وشغل به عن غيره
إخواني الكرام، هناك حالة تمر على الإنسان تسمى حالة الوحشة، وهي حالة من الخوف، وأيضًا حالة من الألم، وهذه الحالة من الاستيحاش تأتي -غالبا- للإنسان عندما يكون منفردا أو في مكان مظلم أو في مكان منفرد؛ فيشعر بشيء من الوحشة، يسمونه انقباضا في القلب، والله -سبحانه وتعالى- هو أرحم بعباده من أنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم؛ لذلك شرع الله -عزوجل- لهم ما يرفع هذه الحالة من الاستيحاش وجعل ما أوحى الله -عزوجل- به للنبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب عزيز وسنة مطهرة ما يكون سببا للأنس في القلب.
والاستيحاش، حال تصيب الإنسان، وهي مزيج من حال مادية ومعنوية، أما الحال المادية فكالمثل الذي سقناه آنفا، عندما يكون في مكان مظلم أو منفرد لوحده، أو في مكان هادئ هدوءا شديدا، فإنه يستوحش، وربما تكون في بيتك أحيانا ما شاء الله على مرافقه وسعته، ولكن عندما تكون بمفردك فيه في حال السكون، قد تشعر بتلك الوحشة؛ لأن الإنسان يحب الأنس؛ لذلك الله -عزوجل- من رحمته خلق من آدم -عليه السلام- حواء، وجعله يأنس بها، وعندما أنزل الله -سبحانه وتعالى- آدم وحواء من الجنة إلى الأرض -بسبب أكلهما من الشجرة التي نهى الله عزوجل عنها- جعل حواء في مكان، وآدم في مكان؛ فأصبح آدم يبحث عن حواء حتى وجدها، قيل وجدها والتقى معها في عرفة، فلذلك سميت عرفة، ومن المعاني التي قيلت في عرفة: إنه المكان الذي تقابل فيه آدم وحواء في الأرض فسميت عرفة.الحالة المعنوية للاستيحاش
توجد حال أخرى من الاستيحاش، وهي الحال المعنوية؛ فقد يكون هناك أناس كثيرون، في مكان كله أضواء، لكن تشعر في الحقيقة بانقباض! لماذا؟ لكون هؤلاء الناس مثلا ليسوا على دينك، كأن تمر في إحدى البلدان غير المسلمة، على مجمع مثلا كله خمور ومسكرات وحفلات، وأنت رجل مسلم ومؤمن ومستقيم، فتجد هذا المكان يزعجك؛ فتشعر بوحشة في هذا المكان، أو أنك تمشي في مكان فتجد تجمعا ما؛ فتخاف من كونهم عصابة مثلا قد يعتدون عليك، يسرقونك أو يقتلونك، هذا أيضًا فيه نوع من الوحشة.أُنْس الإنسان المسلم
الشاهد أن ربي -سبحانه وتعالى- أراد أن يجعل الإنسان المسلم يأنس ولا تدخل في قلبه الوحشة؛ بسبب عظيم، قال -تعالى-: {الذين آمنوا} فأول شيء يذهب الوحشة هو الإيمان، الإيمان يجعل القلب يشعر بنور ما فيه ظلمة، وبأنس ما فيه وحشة، وبفرح ما فيه أحزان، وبألفة ما فيه نفرة، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ}.ذكر الله عزوجل
السبب الثاني مع الإيمان هو ذكر الله -عزوجل-؛ فكلما تكثر من ذكر الله -عزوجل- يزداد القلب فرحًا وأنسًا بالله -عزوجل-؛ لذلك الله -عزوجل- جعل ذكره في أشياء كثيرة، كذكر اللسان بالتسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن، ومن ذكر الله الصلاة وهي أعظم أنواع الذكر، صلاتك لله -عزوجل- هي ذكر، وكذلك من ذكر الله -عزوجل- التفكر في خلق السماوات والأرض، أن تتفكر في خلق الله -جل وعلا-؛ لقوله -تعالى في أهل الايمان-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، يمتلئ القلب حينها بذكر الله وبالأنس بالله -عزوجل.الوحدة والعزلة المشروعة
لذا فالإنسان قد يحتاج الى ما يسمى بالوحدة والعزلة، ولكن ليست على مفهوم بعض الفرق الضالة، التي دمرت الناس ببدعها، وأدخلت على دينهم ما ليس فيه، وأول حالات العزلة والوحدة المشروعة تكون في صلاتك، حينها تكون في عزلة مع ربك -عزوجل-، كما قال -[ عن العبد إذا قام يصلي، فإنه يقف تجاه ربه، ليعبده بما شرع، يقول: {الحمد لله رب العالمين}؛ فيقول الله -جل وعلا-: حمدني عبدي، {الرحمن الرحيم} مجدني عبدي، {مالك يوم الدين} أثنى علي عبدي، فهذا كله ثناء من العبد على خالقه الذي تفضل بالرد على عبده الضعيف. وأحب شيء إلى الله -عزوجل- هو قراءة القرآن؛ فأنت تناجي به الله -عزوجل-، الناس حولك لكنك لست معهم، وإنما تقرأ كلام ربك، وتأنس به، وكذلك تتكرر هذه العزلة الطيبة في صلاتك للسنن والنوافل منفردا، وأعظمها إذا جن الليل فقمت من فراشك كي تناجي ربك، زوجتك نائمة واولادك في فراشهم فتختلي بنفسك في غرفة من الغرف وتصلي وتناجي ربك وتسبح وتذكر الله -عزوجل-، وتلك خلوة طيبة.لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه
هناك كلمة جميلة ذكرها الإمام البغوي في كتابه (العزلة)، دعوني اقرأ لكم هذا النص وبه أنهي كلامي، قال الإمام الخطابي: « إنما لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه (هذا بالإيمان)، وأنس بذكره (ذكر الله -عزوجل- باللسان أو بالصلاة)، وأنس مناجاته في سره (في أوقات السر والخلوة)، وشغل به عن غيره (يعني تركت أمورا من أجل ذكر الله -عزوجل- وطاعته) فهو مستأنسٌ بالوحدة مغتبطٌ بالخلوة»؛ لذلك لا تعجبوا من كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية عندما قال: «ماذا يفعل أعدائي بي؟ فجنتي في صدري أينما ذهبت فهي معي، إن سجنوني فسجني خلوة، وإن طردوني فطردي سياحة؛ فهي معي أينما أكون». وإذا كنت تشعر بوحشة مع صلاتك وخلوتك بالله -عزوجل- فلتعلم أن هناك خللا ! ابحث عنه؛ فأنت وحدك الذي تعرفه، قال -تعالى-: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.حلاوة الأنس بالله
إن حلاوة الأنس بالله لا تحصل إلا بالاشتغال بذكره، ودوام عبادته، والبعد عن القواطع والشواغل التي تُقسِّي القلب، وتحول بينه وبين التفكر في آلاء الله، والتذكر لنعمائه؛ وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن للإيمان حلاوةً وطعمًا؛ كما في قوله: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا ونبيا).
لاتوجد تعليقات