خواطر الكلمة الطيبة – الإخلاص قضية العمر
- احذر من أن تكون أعمالك لتحصيل مرضاة الناس أو للهروب من ذمهم عليك أن تضع نصب عينيك رضا رب العالمين وهذا هو مفهوم الإخلاص
- ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب وأن يعتني بها غاية العناية فالقلب عليه مدار صلاح العبد فإذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله
كلمة جليلة ذكرها الإمام ابن قدامة المقدسي -عليه رحمة الله- في كتابه منهاج القاصدين، وهذا الكتاب القيم ذكر فيه ابن قدامة خلاصة ما وصل إليه في مسائل متفرقة في علوم مختلفة، وذكر في هذا الكتاب سبب هلاك كثير من الناس، حتى قال في نهاية عبارته «وهذا الذي أهلكهم فوجب معالجتة».
فما هذا المرض الذي اهتم أن يلفت الأنظار إليه ابن قدامة حتى قال فيه إنه وجب معالجته؟، يقول -رحمه الله-: «اعلم أن أكثر الناس إنما هلكوا: لخوف مذمة الناس، وحب مدحهم؛ فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضى الناس؛ رجاء المدح، وخوفًا من الذم، وذلك من المهلكات فوجبت معالجته»، فمثل هذا سعى إلى مرضاة الناس ومدحهم والهروب من ذمهم؛ فأصبحت حركاته وسكناته على منظور مدح الناس وذمهم وقال: «وهذا من المهلكات التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، «فوجب معالجته».هل هذا يرضى الله -عز وجل؟
القضية يا إخواني عندما تريد فعل أي شيء فقط ضع أمامك: هل هذا يرضى الله -عز وجل- أم لا؟ فقط نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، هل هذا يُسخط الله -عز وجل- أم لا؟ نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، لأنك إذا تطالع مدح الناس وذم الناس فالناس أهواء، هذا يمدح على شيء وذاك يذم على الشيء نفسه بالظبط، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، أما إرضاء الله -عز وجل- غاية تدرك.كيف تُدرك محبة الله -عز وجل؟
بأن أتعلم محاب الله -عز وجل- التي ذكرها في كتابه الكريم، وذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، وأعمل بها وأجتهد عليها، ستصل إلى محاب الله -عز وجل-، فرضا الله -عز وجل- الوصول إليه سهل وليس صعبا، يبتدئ بالإسلام وأركانه، والإيمان بأركانه، والإحسان والعمل فيه وتمشي على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - الموصل في النهاية الى محاب الله -عز وجل-، وجعل الله -عز وجل- في النهاية الجزاء هو الجنة، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. ذلك الله رب العالمين جاء رجل الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا محمد إن مدحي زينٌ، وإن ذمي شينٌ» فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك الله رب العالمين» يعني ليس أنت، ليس كلامك هو الذي يرفع ويخفض، قال ابن القيم تعليقا على تلك الواقعه: «فعليك بمدح من كل الخير بمدحه، واحذر من كل الشر في ذمه» وأجمل منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ، رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ» فمن أراد الناس خسر الناس وخسر الله -تعالى-، ومن أراد وجه الله -تعالى- وقدم رضاه على غيره رضي عنه وأرضى عنه الناس، فهو الذي إذا مدحك ورضى عنك سخر القلوب لك، وإذا ذمك والله ما ينفعك أحد، كم من جنازة لم يعلم بها أحد أو مشى معها قليل من الناس، ولكن الله أرسل لها جموع أهل السماوات السبع ليشيعوها، وكم من جنازة رجل في هذه الدنيا مشت وراءه جموع من الناس وما مشى معه إلا ملائكة العذاب.احذر أن تكون من هؤلاء!
لذا فاحذر من أن تكون أعمالك لتحصيل مرضاة الناس أو للهروب من ذمهم، لكن دع تلك الأمور كلها خلفك فهي لن تنفعك أبدًا، عليك أن تنسى هذه الأمور وضع في هدفك وبوصلتك رضا رب العالمين، وهذا هو معنى الإخلاص الذي ندرسه في كتب العقيدة والتوحيد، واعلم أن تلك القضية هي القضية الأولى في حياتك ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة، وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.الزهد في الثناء والمدح
وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده»، واستدل بحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا محمد أعطني فإن مدحي زين وذمي شين، قال: «ذاك الله -عز وجل»، يعني هو الذي مدحه ينفع وذمه يضر، ومع الأسف أننا نغفل عن مثل هذه الأمور ونتشبث بالدنيا ومظاهرها وأهلها، فمَن منا يستحضر حديث: «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم؟».ذكر الله -تعالى
وعلى هذا فعلى الإنسان أن يلهج بذكر الله -جل وعلا- سواء كان خاليًا، أم في ملأ يُذَكِّرُهم بهذا الذكر ويكون له مثل أجورهم، فيذكره الله -جل وعلا- في نفسه إن ذكره في نفسه، ويذكره في ملأ من الملائكة وهم خير من الملأ الذين ذكره فيهم هذا العبد. بعض الناس لو قيل له: إن فلانًا من الوجهاء أو من الأعيان أو من الوزراء أو من الأمراء ذكرك البارحة وأثنى عليك، تجده لا يكاد يَقر له قرار من الفرح! وهذا العبد مثله لا يملك له ضرًا ولا نفعًا ولا يستطيع أن ينفعه بشيء إلا وقد كتبه الله له، ولا يستطيع أن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فينتبه المسلم لمثل هذه الأمور، ويتعاهد نيته، والنية -كما يقول أهل العلم- شرود.الاهتمام بأعمال القلوب
وتبعًا لهذا ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب، وأن يعتني بها غاية العناية، ولا شك أن القلب عليه المدار، فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فعلينا أن نُعنى ونهتم بهذا الأمر، ونسعى في إصلاح قلوبنا بما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أدوية وعلاجات لأمراض القلوب، ونستفيد ونستعين بما كتبه أهل التحقيق من أهل العلم في هذا الباب، كابن القيم وابن رجب -رحمهما الله-، وعلينا أن نتعاهد هذه القلوب، ونقطع الطرق المؤدية إلى فسادها، فالشيطان هو قاطع الطريق في هذا المجال.كيف نحقق الإخلاص لله -تعالى؟
الإخلاص شرط من شرائط قبول العمل الصالح الذي يبتغى به وجه الله، فإذا لم يكن العمل خالصًا له فإنه حينئذٍ لا يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقبل، وعلى هذا فعلى كل مسلم أن يسعى جاهدًا في تصحيح نيته، وأن يخلص عمله لله -جل وعلا-، وألّا ينظر في عمله قبله ولا بعده ولا في أثنائه إلى المخلوق، وإنما ينظر إلى الخالق الذي كلفه بهذا العمل. ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد يقول: «إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلتَ: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلتُ: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه.
لاتوجد تعليقات