رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 20 نوفمبر، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – ابن عمرو رضي الله عنهما يغبط نفسه

  • من أراد الخير والبركة والسكينة والطمأنينة فليكن مع العلماء الربانيين كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم : البركة مع أكابركم

خرجَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى أصحابِهِ وَهُم يختَصِمونَ في القَدَرِ، فَكَأنَّما يُفقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ! فقالَ بِهَذا أُمِرتُمْ؟ أو لِهَذا خُلِقتُمْ؟ تَضربونَ القُرآنَ بعضَهُ ببَعضٍ؟ بِهَذا هلَكَتِ الأمَمُ قبلَكُم! قالَ: فقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو: ما غبَطتُ نَفسي بمجلسٍ تخلَّفتُ فيهِ عن رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ما غبَطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ وتخلُّفي عَنهُ.

        النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته، وعندما نقول كان في بيته ويسمع ما يحدث في المسجد، معناها أنه كان في بيت أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن بيتها كان مجاورًا لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان - صلى الله عليه وسلم - في حجرته في فناء البيت، فسمع الصحابة -رضي الله عنهم- يتناولون مسائل العلم حتى وصل بعضهم الجدال في كتاب الله -تعالى- في مسائل خطيرة، وهي مسائل الإيمان بالقدر، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب! قال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ أبهذا أمرتم؟ أم لهذا خلقتم؟ هل الله -عز وجل- أمركم أن تتكلموا في هذه المسائل التي تعد مسائل غيبية، قال -تعالى-: {عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}، فلا أحد يعرف الغيب إلا هو -سبحانه وتعالى-، أو ما يوحي به الله -عزوجل- من أمور غيبية لنبي من الأنبياء أو لرسول من الرسل فقط، غير ذلك فلا، قال -تعالى-: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

تقدير الله -عزوجل

          ألم يُقدّر الله على إبراهيم -عليه السلام- أن يُلقى في النار؟ وعلى يونس -عليه السلام- أن يرتمي في البحر فيبتلعه الحوت؟ وعلى يوسف -عليه السلام- بدخوله السجن سنوات طويلة من عمره؟ فكل هذا من أقدار الله -عزوجل-، وكذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يدري ما سيحدث معه، فقد هاجر من مكة -وهي أحب البلاد إليه- إلى المدينة، فكل هذه أقدار الله، لا يعلم بها أحد.

أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟

        ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟ إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا يضربون كلام الله بعضه ببعض، والاختلاف هذا ربما يولد الحروب ويرفع السيوف، وهذا ما حدث مع علي - رضي الله عنه - مع الخوارج؛ لأن الخلاف كان على غير علم وفقه فحصل ما حصل. كذلك يا إخواني نحن يمر علينا أحداث ومواقف تفرح أنك لم تشارك فيها سواء بتويتر ولا انستجرام ولا تكلمت؛ لأن كلمتك قد تجرك للفتن فيكفيك أن تقف حيثما وقف الأكابر؛ فهم عندهم من العلم والمعرفة ما لا يوجد عند غيرهم.

قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه 

       انظر إلى قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في العراق، فعن عمرو بن سلَمة قال: كُنَّا نجلِس على باب عبدالله بن مسعود قبل صَلاة الغَداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: أخَرَجَ إليكم أبو عبدالرحمن بعدُ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعًا. فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنِفًا أمرًا أنكرتُه، ولم أرَ - والحمد لله - إلا خيرًا. قال ابن مسعود: فما هو؟ فقال أبو موسى: إن عشتَ فستراه. قال أبو موسى: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتَظِرون الصلاة، في كلِّ حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. قال ابن مسعود: فماذا قلتَ لهم؟ قال أبو موسى: ما قلتُ لهم شيئًا انتِظار رأيك أو انتظار أمرك. قال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيِّئاتهم، وضمنت لهم ألاَّ يَضِيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فوَقَف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعُدُّوا سيِّئاتكم، فأنا ضامِنٌ ألاَّ يَضِيع من حسناتكم شيء، ويْحَكم يا أمَّة محمد! ما أسرعَ هلكتَكم! هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، وهذه ثِيابُه لم تبلَ، وآنيته لم تُكسَر، والذي نفسي بيده إنَّكم لعلى مِلَّة هي أهدى من ملَّة محمد، أو مُفتَتِحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، وايمُ الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثم تولَّى عنهم. فقال عمرو بن سلَمة: رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يُطاعِنُوننا يوم النهروان مع الخوارج!

أدب أبي موسي - رضي الله عنه 

        فانظر إلى أدب أبي موسي - رضي الله عنه - وهو صحابي جليل ولكنه رجع إلى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - فأنكر عليهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وهنا فائدة عظيمة وهي أهمية رجوع الداعِيَة إلى مَن هو أعلم منه أو أفقه في واقعة معيَّنة إذا ما تطلَّب الأمر، ولا سيَّما إذا أَشْكَلَ الأمر عليه ولم يَتَّضِح، فالواجب عليه أن يتوقَّف وأن يكون له مرجعيَّة، كما فعل أبو موسى مع ابن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا.

تحرُّك الداعِيَة وتفاعُله

         ومن الفوائد المهمة في هذا الحديث وجوب تحرُّك الداعِيَة إلى الله وتفاعُله مع مجتمعه، فعبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - لَمَّا سمع عن أمر هذه الحلق، أتاها وزجر أصحابها، وهذا هو عمل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأئمَّة الدين، فإنكار الداعِيَة إلى الله على مَن خرج عن الجماعة بقول أو فعل ليس من هديهم أمر في غاية الأهمية؛ لأن الحقَّ يدور مع الجماعة؛ إذ لا يجتَمِعون أبدًا على ضلالة، وكما قال ابن مسعود -  رضي الله عنه -: هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، ولم يصدر منهم الذي تَفعَلون، بل ولم يَستَسِيغوه، فكيف تُقِيمون عليه؟

الرجوع إلى العُلَماء الربانيين

        كذلك فمن أراد الخير والبركة والسكينة والطمأنينة فليكن مع العلماء الربانيين، فعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البركة مع أكابركم»، فتقديم العلماء واجب في كل أمر جليل وفي كل خطب جلل، وهذا مثال يرويه أبو مسعود الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا»(رواه مسلم)، يقول النووي شارحًا: «ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الأمام».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك