خواطر الكلمة الطيبة – {إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ}
- معنى نصر المؤمنين لله نصرهم لدينه ولكتابه وسعيهم في أن تكون كلمته هي العليا وأن تقام حدوده في أرضه وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه
- لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ألا وهو توحيد الله تعالى والقيام بأمره واتباع النبي صلى الله عليه وسلم
نقف اليوم مع سؤال سئل في الأرض، وأتى الجواب عنه من السماء، وجاء هذا السؤال بعد حادثه عظيمة، فرح لها أهل الإسلام، وجاء الجواب ليعزز هذه الفرحة، والذي يحكي لنا هذه القصة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضى الله عنهما-، فبعد ما نصر الله -عزوجل- النبي في غزوة بدر، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران: 123).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعبر عن هذا الشكر بأنه رجل دعوة ومأمور بتبليغ هذا الدين، فعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: لمَّا أصابَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُريشًا يومَ بدرٍ، وقدمَ المدينةَ، جمعَ اليَهودَ في سوقِ بني قينُقاعَ فقالَ: «يا معشرَ يَهودَ أسلِموا قبلَ أن يصيبَكم مثلُ ما أصابَ قريشًا» قالوا يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ؛ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ، وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا، فأنزلَ اللَّهُ -عزوجل- في ذلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ}.
رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم
وهذا التحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود من رحمته - صلى الله عليه وسلم - بهم، فكان يحذرهم من باب أن الله -تعالى- قد أرسل محمدًا رسولا مؤيدا كما أيد الأنبياء والمرسلين من قبل، وما من نبي إلا ونصره الله وأيده، وإن مر عليه ما مر.هذا شأنهم دائمًا
وقول الرجل اليهودي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا»، فكأنه يريد أن يطفئ نور الفرحة الموجودة في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا شأنهم دائمًا. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه كبار الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- يسمعون هذا الرجل وهو يهدد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة، وإنما جاء الجواب من السماء {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران: 12).من المقروء إلى الواقع المشاهد
يقول الشيح السعدي -رحمه الله-: في هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر -تعالى-، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى، وسيفعل هذا -تعالى- بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر -تعالى- أنَّ الكفار مع أنهم مغلوبون في فهم الدنيا محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار، وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم؛ فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم.التشكيك في موعود الله -تعالى
ولكن قد يقول قائل وهو يشكك في وعد الله -عزوجل- في قوله -تعالى-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (القمر:45)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: هذا أمر منه -تعالى- للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، والقصد بذلك وجه الله؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.الخلل ليس في موعود الله
فالخلل ليس في الآية، وإنَّما الله -عزوجل- عندما وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر إذا نصرت الأمة ربها، والتزمت هدي نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الناس اليوم لم يحققوا هذا الشرط، فتخلف عنهم موعود الله -تعالى-، فكلما ارتبطنا بدين الله -عز وجل- وعدنا إليه عودة صحيحة سيتحقق الموعود في هذه الآية.صفات من وعدهم الله بالنصر
وقد أوضح الله -تعالى- هذا المعنى في آيات كثيرة، وبين في بعضها صفات الذين وعدهم بهذا النصر كقوله -تعالى-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، ثم بين صفات الموعودين بهذا النصر في قوله -تعالى- بعده: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وكقوله -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله -تعالى-: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقوله -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات. وبين الله -تعالى- صفات من وعدهم بالنصر في الآيات المذكورة: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ}، يدل على أن الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، ليس لهم وعد من الله بالنصر البتة.معنى نصر المؤمنين لله
ومعنى نصر المؤمنين لله - نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، ويحكم في عباده بما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وكما قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم.
لاتوجد تعليقات