رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 25 أغسطس، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ

  • دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصا بالكفار بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث فهذان الرجلان مسلمان كما يدل عليه سياق الحديث
  • النميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد وهي كبيرة من كبائر الذنوب تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين المتحابين
 

عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: «بَينَما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمشي بَيني وبَينَ رَجُلٍ آخَرَ؛ إذْ أتى على قَبرَيْنِ، فقال: إنَّ صاحِبَيْ هذَيْنِ القَبرَيْنِ يُعذَّبانِ؛ فَأْتِياني بجَريدةٍ، قال أبو بَكرةَ: فاستَبَقتُ أنا وصاحِبي فأتَيتُه بجَريدةٍ فشَقَّها نِصفَيْنِ، فوَضَعَ في هذا القَبرِ واحِدةً، وفي ذا القَبرِ واحِدةً، قال: لَعَلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما دامَتا رَطْبتَيْنِ، إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ، الغِيبةِ والبَولِ»، وأبو بكرة الثقفي - رضي الله عنه - هو: «نُفَيع بن الحارث، وقيل نُفَيع بن مسروح» وسُمي أبو بكرة؛ لأنه نزل من الحصن يوم حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقيف على بكرة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكرة، واشتهر باسمه أبو بكرة الثقفي.

        يقول: « كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيدي» وهنا نجد الرواية تعطينا وصفًا دقيقا لحال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابي - رضي الله عنه -، وهذا له معان عديدة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا عندما يمشي معه أحد أن يمسك يده، لماذا؟ إمساك اليد له معنى، إما هو إبداء للمودة والمحبة، أو دليل على القرب، الشيء الثالث عندما تريد أن ينتبه من معك لبعض الكلمات بأن تضغط على يده في محل تلك الكلمات كي ينتبه لها. هذا حديث عظيم فيه وعيد وتهديد، وعذاب شديد لمن تعدى حدود الله في الطهارة والصلاة، أو تعدى على عباد الله بالنميمة والأذى، وقد اشتمل هذا الحديث على إشارات مفيدة وفوائد عديدة.

الفائدة الأولى: إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر

وقد دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصا بالكفار، بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث، فهذان الرجلان مسلمان، كما يدل عليه سياق الحديث.

الفائدة الثانية: التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل الْبَدَن وَالثَّوْب

        وفي الحديث التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل أو النجاسة بالْبَدَن وَالثَّوْب، ووُجُوب إِزَالَة النَّجَاسَة ولو لم يرد الإنسان الصلاة؛ ولهذا قال العلماء: يستحب لمن أراد البول أن يطلب الموضع اللين الطاهر الذي يأمن فيه من تطاير البول على ثوبه وأسفلِ بدنه، وقد جاء الحديث بثلاثة ألفاظ: الأولى «لا يستتر من بوله» والثانية: «لا يستنزه من بوله» والثالثة: «لا يستبرئ».

أما رواية «لا يستتر من بوله»

فقال بعض العلماء: إنه يكشف عورته عند بوله، ولا يجعل لنفسه سترًا دون نظر الناس، وقال آخرون: لا، بل المعنى إنه لا يستتر ويتوقى من رشاش البول، وهذا يتفق مع الرواية الثانية «لا يستنزه» أي لا يتوقى من البول.

وأما رواية «لا يستبرئ»

فتدل على زيادة التوقي، وفيها معنى آخر وهو أنه يبول ثم يقوم مباشرة قبل التأكد من انقطاع البول، وهذه العجلة تفضي إلى بقاء شيء من البول وخروجه بعد ذلك مما يؤدي إلى ملابسة النجاسة ونقض الوضوء بسبب تفريطه وتهاونه. إذًا، على الإنسان أن يتوقى من النجاسات، ويبادر إلى إزالتها، ومع هذا نقول: يجب ألا يصل الأمر بالإنسان إلى الوسوسة، بل عليه أن يفعل الواجب ولا يلتفت إلى الاحتمالات.

كيف لا تهتم؟

      فكيف لا يهتم المرء بهذا الأمر وهو مقبل على الصلاة، وكيف لا يهتم وقد جعل الله -عزوجل- الطهارة واجبة على المسلم في جسده وثوبه وفي مكانه، وكيف يهمل هذا الأمر وهو سيقف أمام الله -سبحانه وتعالى-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس الطاهر ويطهر بدنه ويهيئ مكانه للصلاة أمام الله -عزوجل-؛ لذا كان هذا الإهمال يسبب للعبد عقوبة، قال - صلى الله عليه وسلم - «الطهور شطر الإيمان»، تخيل ذلك الإيمان الذي هو بضعٌ وسبعون شعبة شطرها أجر وحسنات ومنزلة كان في قضايا الطهارة، لكن أيضا لا توسوس فيها.

الفائدة الثالثة: التحذير من النميمة وآفات اللسان

قال - صلى الله عليه وسلم - في الآخر الذي يعذب في قبره: «وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، والنميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين المتحابين. النمام أفاك أثيم، ينقل الحديث إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك، فالله يجمع بين عباده ويؤلف بين قلوبهم، والنمام يفرّق ويفسد؛ ولهذا أخبر الله أن النمامين فيهم المهانة والكذب والفجور {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (القلم:10-12) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة نمام» قال بعض العلماء: إنه لا يوفق لحسن الخاتمة والعياذ بالله.

أشد النميمة

       وأشد النميمة ما يكون بين الأقارب والأرحام، فقد يبتلى الرجل بابن نمام يفسد قلبه على إخوانه، وقل مثل ذلك في الزوجة والأب والأم، فيفسد الأب ابنه على زوجته فيقول: زوجتك تفعل كذا وكذا، وتفسد الأم ابنتها على زوجها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من خبب امرأة على زوجها».

ألا يخشى النمام عذاب القبر؟

        ألا يخشى النمام أن يعذبه الله في قبره، كما جاء في هذا الحديث؟ بل نقول -يا عباد الله-، ألا نتقي الله في ألسنتنا؟ فإن هذا الحديث ليس خاصًّا بالنميمة، بل يشمل آفات اللسان من الغيبة والفحش والبذاءة وغيرها، ودليل ذلك ما جاء في رواية لابن حبان وصححها الألباني: قال - صلى الله عليه وسلم -: «كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة» وعند أحمد والطبراني بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على قبر يعذب صاحبه فقال:» إن هذا كان يأكل لحوم الناس» يعني الغيبة.

الفائدة الرابعة: التحذير من صغائر الذنوب

التحذير من صغائر الذنوب، وأنها قد تكون سببًا للعقوبة، ولا سيما مع الاستمرار، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، إنه لكبير». قال بعض العلماء: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اِعْتِقَادهمَا أَوْ فِي اِعْتِقَاد الناس، وَهُوَ عِنْد اللَّه كَبِير، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى- {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور:15)، ويدل على هذا رواية ابن حبان، قال: كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رَعِد كُمُّ قميصه، فقلنا: ما لك يا رسول الله؟ فقال: أما تستمعون ما أسمع؟ فقلنا وما ذاك يا نبي الله؟ قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين، قلنا: فيم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة. وقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ تركه عليهما؛ أي: أنه لَا يَشُقّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز مِنه، وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، ويدل على هذا أنه عبر في الحديث بالفعل المضارع بَعْد حَرْف كَانَ، مما يفيد أن الاستمرار على الذنب وإن كان صغيرًا يعرض المرء للعذاب العظيم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك