رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 8 يوليو، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – أهمية تدبر آيات القرآن

  • الناس بحاجة إلى من ينقلهم من مشاعر الدنيا إلى مشاعر الآخرة من الموضوع الواقعي إلى الموضوع الغيبي من القضية المناخية إلى القضية العقائدية
 

من المهم جدا أن نتدبر آيات القرآن حتى تكون عندنا حكمة في الأطروحة مع الناس، ونحن -أهل الإسلام عموما وأهل العلم خصوصا- مأمورون بأن ننزل إلى الساحة؛ حتى ندعو الآخرين، وهذه رحمة من الله -سبحانه و-تعالى.

والقرآن الكريم هو أعظم رحمة لنا؛ فقد أعطانا المادة العملية التي نستطيع أن نتكلم بها مع الناس في أي موضوع، ومما شغل الناس وكان حديث الساعة هو موضوع الحر والكلام عن الحر، وتجد الناس في هذه الأجواء بين مستهزئ وساخر، وبين متسخط وناقم.

قضية إيمانية

        وأحوال الناس -ولا شك في هذه الأمور- تعود إلى الإيمان؛ لأن الذي قدر هذا هو الرحمن -سبحانه وتعالى- فالموضوع جد خطير، ورحمة من أهل الرحمة على العباد أن يعلموهم ما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم حتى لايخرجوا من الإسلام بكلمة لعلها تفسد على الإنسان حياته الأخروية كلها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، فممكن كلمة في هذا الموضوع الخطير وهو موضوع الحر تخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر عياذًا بالله.

خطورة السخط على قدر الله

       قد تذهب بنا كلمة في هذا الموضوع الى دائرة السخط على قدر الله عياذا بالله، وكأنه يقول بلسان حاله -عياذا بالله- وكأن الله -تعالى- ما أحسن عندما قدر هذا، وفي هذا اعتراض على قدر الله -عز وجل- والله -عز وجل- يقول:  {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، والله -سبحانه وتعالى- لايقدر شيء إلا لحكمة ولعلم ولطف.

آية عظيمة

       والأن دعوني انتقل معكم إلى آية عظيمة من سورة النور وهي آية رقم 44 يقول الله -عز وجل-:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ}، وقد أجاد الإمام العلامة السعدي -رحمة الله عليه- عندما جمع كلام المفسرين في تلك الآية؛ فيقول -رحمة الله عليه- في قوله -تعالى-: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي الحر والبرد، والبرد والحر، يقلب الله -عز وجل- من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ثم قال: ومن ليلٍ إلى نهار، ومن نهارٍ إلى ليل، ثم قال: ويداول الأيام بين عباده {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي يقلبها، أنت كنت صغيرا فكبرت، كنت فقيرا فأصبحت غنيا والعكس، كنت سقيما فأصبحت صحيحا والعكس، كنت قويا صرت ضعيفا والعكس، كنت في أمان وصرت في خوف والعكس، «يقلب الله الليل والنهار» فالآية ليست تتكلم فقط عن الليل والنهار، وإنما كل ماتراه من اختلاف الأحوال هو في سياق هذه الآية، هذا التقليب ليس يقتصر فقط على قضية كونها قضية كونية وإنما يريد الله -عز وجل- أن تنتقل بها الى أمر غيبي؛ بحيث تدلك هذه الآية على وجود الله -عز وجل-، وعلى قدرته وقوته، وغِناه -سبحانه-، وعلى مُلكه -عز وجل. إذا هذه المعاني كلها وصلت إليك في حل الغنى والفقر والبرد والحر والصحة والمرض والأمن والخوف، اعرف بأنك الآن وصلت لأعظم قضية وهي:

قضية التوحيد

        ستصل إلى حقيقة معنى لا إله إلا الله، وعند ذلك ستهون عليك الأمور، خوف بعد أمن هذا بتقدير الله -عز وجل- ونأخذ بأسباب الأمن، مرض بعد صحة هذا بتقدير الله -عز وجل- عندي رضا في قلبي وآخد بأسباب الصحة، أنت في فقر بعد غنى ترضى بقدر الله -عز وجل- وتسعى في أسباب الغنى، أنت في كل أحوال حياتك فكما أن الله -عز وجل- عنده وحده القدرة بأن يقلب الليل والنهار، فإنه -سبحانه- قادر على تقليب حياتك من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة، ومن خوف إلى أمن، وهكذا يا إخواني في سائر الأمور؛ فالله -سبحانه- قادرٌ على كل شيء؛ فالموضوع ليس نهارا وليلا ولا حرا وبردا فقط.

القدرة الإلهية

         مكة وادٍ غير ذي زرعٍ عند البيت المحرم؛ فمن حيث مفاهيم المناخ لا يوجد فيها شيء أصلا يجعلها مأوى للناس، بل أعطوني تفسيرا، كيف ونحن في عز الصيف في هذا العام وفي موسم الحج تأتي الغيوم لا ندري من أين؟ كيف اجتمعت وكيف أتت؟ جمعها وأتى بها الله -عز وجل- وأمطرت يوم عرفة وفي أيام منى نزل المطر، وسيول صارت كيف لهذا أن يحدث في عز الصيف فجأة؟! شيء عظيم إنها القدرة الإلهية {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}.

المشاهد القلبية

        الله -عز وجل- أراد منا شيئا مهما، أنه كما أن لديك نظرا بصريا يجعلك تدرك الأمور، أن تنقل تلك المشاهدة البصرية إلى مشاهدة قلبية فيكون للقلب بصر مثل بصر العين فترى الأمور بعين بصيرتك، وتحكم هذا معتقد صحيح، وهذا معتقد باطل، وتزن الأمور بميزان الشرع، وتميز مايرضي الله عما لا يرضيه،  وننتقل بالأمر من قضية حسية كونية إلى قضية إيمانية قلبية، من بصر إلى بصيرة، ومن عين إلى عقل وقلب.

حاجة الناس إلى التوجيه

        فاليوم الناس تحتاج منك تغريدة أو مقالة أو كلمة في ديوانية، تنقلهم من هذه الدنيا ومن هذا الموضوع الحسي إلى الموضوع المعنوي، من الموضوع الواقعي إلى الموضوع الغيبي، من قضية مناخية إلى قضية عقائدية، ففي هذا الحر الشديد الله -عز وجل- قادر على أن يجمع غيوما وينزل أمطارا، وأن يُخفض درجات الحرارة بأكملها علما بأن الله -عز وجل- لا يقضي أمرا إلا له فيه حكمة بالغة ولطف لا نعلمه، وانظر لموضوع الحر مع أولادك وأسرتك بعين البصيرة، واشرح لهم بعين الحر والإيمان، وعين الحر والعقيدة، قدرة الله -عز وجل- في الخلق وتكلم عن هذه الآية الصغيرة التي هي في الحقيقة جزء من آية ولكن فيها الخير العظيم.

حاجة القلب إلى تدبُّر القرآن

        القلب فيه وحشة لا تُزال إلاَّ بالأنس بكتاب الله -تعالى-، والتَّأمُّل في آياته، وفيه قلق وخوف لا يؤمِّنه إلاَّ السُّكون إلى ما بشَّر الله -تعالى- به عباده، وفيه فاقة لا يغنيها إلاَّ التَّزوُّد من حِكَمِ القرآن ومواعظه وعبره، وفيه حيرة واضطراب لا ينجيه منها إلاَّ الاعتصام بكتاب الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 57-58)، والأصل أنَّ قلوب المؤمنين وجلودَهم تخشع وتخضع وترقُّ وتسكن وتطمئنُّ عند ذكر الله -تعالى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 23)، فمَنْ أراد أن يخشع قلبه، وينشرح صدره، فلا غنى له عن التَّفكُّر والتَّمعُّن في الآيات الكريمات، ولا يكن همُّه - إذا افتتح السُّورة - أن يقول في نفسه: متى أختمها. قال الآجرِّي -رحمه الله-: «فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قَبُحَ فيه، فما حذَّره مولاه حَذَره، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّب فيه مولاه رَغِبَ فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصِّفة فقد تلاه حقَّ تلاوته، ورعاه حقَّ رعايته، وكان له القرآن شاهدًا وشفيعًا وأنيسًا وحِرْزًا، ومن كان هذا وَصْفَه نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كلُّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة»، فقراءة القرآن بالتَّفكُّر هي أصل صلاح القلب واستقامته، ولا شيء أنفع للعبد في معاشه وأقرب إلى نجاته في معاده من تدبُّر القرآن العظيم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك