رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هناء الأيوب 27 يونيو، 2019 0 تعليق

خطورة حركة العصر الجديد (3)


تكمن خطورة حركة العصر الجديد في خطورة الفكر الباطني التي تحمله، الذي يُعد من أقبح الأفكار والدعوات، وتكمن خطورته في الأمور الآتية:

نشر المعتقدات الباطلة

     نشرها للمعتقدات والديانات الوثنية، والفلسفات الشرقية القديمة، ولكن بثوب حديث براق، وقد أصبح لها أتباع وأشياع، يسعون لنشر معتقداتهم عبر تطبيقات وممارسات عديدة، والخطورة الكبرى تكمن في أن أتباع هذه الحركة غالبًا يقعون في الشركيات دون أن يُقدروا خطورة مايعتقدون مثل: المميزات الشفائية في الأحجار الكريمة- ممارسة اليوجا- التعامل بالسحر- الاستعانه بالجن، وغيرها.

     وذلك يتعارض ولا شك مع الأصول العامة لأغلب الديانات السماوية، حتى إن كثيرا من القساوسة حذروا منها؛ فحريّ بنا -نحن المسلمين- التصدي لها ومحاربتها؛ فلا يغتر بالثياب البراقة المزخرفة الجذابة التي توحي بسلامة تلك التطبيقات وخلوها من الشوائب، مما قد يجر المسلم من حيث لايدري إلى مستنقع الشرك أو الإلحاد والخروج من الدين والعياذ بالله.

إضفاء الصبغة العلمية

     ومن خطورة هذه الحركة، أنها تحاول إضفاء الصبغة العلمية على كل الممارسات الباطنية التي تتبناها؛ لذلك نرى أن برامجها وتطبيقاتها، تحمل ألفاظاً متلبسة غامضة توحي بعلميتها، وتختار ألفاظًا معروفةً عند الناس كي تروج، وراجت -مع الأسف- في حين أنها برمتها تصنف في الأوساط العلمية المعتمدة إما علمًا زائفًا، أو سحرًا وشعوذةً، أو أوهامًا وخرافات مثل: (البرمجة اللغوية العصبية، وقانون الجذب، والتنفس التحولي، والتنفس العميق، والتأمل التجاوزي، والتأمل الارتقائي، والاسترخاء، العلاج بالطاقة، والحرية النفسية، والعلاج بخط الزمن، والإسقاط النجمي، وفتح العين الثالثة، اليوجا، وطاقة المكان، وطاقة الأحجار الكريمة، والداوزينج، وغيرها من المسميات  التي هي بعيدة كل البعد عن العلم الصحيح، وعن أي عقيدة سماوية، بل وحتى عن الفطرة والبديهيات والعقل؛ لذلك أدرك العقلاء في الغرب فورًا انتماء تلك الممارسات إلى عالم الروحانيات الباطنية والسحر والشعوذة؛ فألزموا المدربين بالإفصاح عن ذلك.

     ولكن - مع الأسف- تلقف الكثيرون من العرب والمسلمون تلك الأفكار، ولم يمحصوها أو يبحثوا قليلاً عن أصولها وحقيقتها، بل أخذوا يدافعون عنها وعن روادها بشراسة، متبعين مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وقالوا: لا دخل لنا بأصولها بما أنها تحقق لنا السلام والشفاء وكل ما نريد، حتى أصبحوا مُعاونين بطريقة غير مباشره للقائمين على تلك الحركة الباطنية.

مصطلحات ومفردات

     من هنا لابد لنا من إدراك أن تلك الحركة تتخفى تحت مصطلحات ومفردات مبهمة لنا بوصفنا عربا، وتعطي معنى مخادعاً في الظاهر، وتستر المعنى الحقيقي في الباطن، وفي الواقع أنه عندما يسأل أحد ما عن معنى مصطلح، أو مفردة من تلك التي تتداول بين ممارسي روحانيات العصر الجديد، كالذات العليا، أو المرشد الروحي، أو الأجسام الأثيرية، أو الطاقة الإيجابية والطاقة السلبية، وغيرها كثير؛ فهو يسأل عن معاني مفردات نابعة من العلم الباطني؛ لذلك يفضل أن يكون توضيح المعنى من هذا العلم نفسه، وليس من أي مكان آخر، حتى تعطي التفسير الصحيح المقصود من وراء تلك المفردة، وسيتضح للسائل حينها، أن هناك فرقا بين المعاني السطحية التي تتداول بين الناس، التي يروجها رواد الحركة في الغرب، والمعنى الحقيقي الذي أُخفي عنهم بقصد أو بجهل!

فساد المعارف

     كما تكمن خطورتها بفساد المعارف التي تتبناها الحركة لفساد مصادرها؛ حيث إن مصادر المعرفة لديها مشوبا؛ مما يتسبب في اختلال المعرفة تبعاً لذلك، وهذا لا يناسبنا بوصفنا مسلمين؛ فالعلم في الإسلام لا يصح إلا من طريق الوحي، أو البحث العلمي التجريبي الموثق، وما عداهما فلا يمكن ضبطه ولا القطع بصحته.

      قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «العلم شيئان: إما نقل مصدق، وإما بحث محقق مع القطع بصحته، وما سوى ذلك فهذیان مسروق»، فما لا يُثبته العلم هو دعوى غيب لا تثبت إلا بالوحي، أما مزاعم الكشوف والإلهامات والتجارب الباطنية والاستشفاء الذاتي فمداخل شيطانية ، لا يقبلها عقل ولا نقل.

العلوم الغيبية

     وقد اعتاد أتباع حركة العصر الجديد على الاعتقاد بمصادر مباشرة للعلوم الغيبية تتجاوز طريق النبوة؛ فالمعارف عندهم قد يكون مصدرها التأملات الشرقية، والممارسات الخرافية بما يشبه الكهانة، حتى ردد بعضهم عبارات مشينة مثل قولهم: «لكل منا وحيه الخاص- من يقول: إن الوحي مصدر علوم الغيب وحده؟!»، ونحو ذلك مما يتفق مع عقائد غلاة التصوف وباطنية الشرق والغرب، ويتعارض صراحة مع مصادر التلقي عند أهل الكتاب والسنة.

السحر والشعوذة

     بعض البسطاء لا يدركون أن قول: «فلسفات أو عقائد وثنية باطنية»، يعني أنها لابد أن يدخلها الكثير من التواصل بالأرواح، وقد ينكر بعضهم فكرة السحر والشعوذة من خلال تلك الممارسات الروحانية؛ وذلك لأنهم يجهلون أن كل تواصل بالأرواح الذي هو عالم الجن في شرعنا الإسلامي يدخل تحت مسمى السحر  وهو محرم؛ فقد خدعهم الغرب باسم الروحانيات والملائكة والتشافي وجذب الأموال!

انتشارها الواسع

     ومن الخطورة الشديدة الانتشار الواسع لهذه الحركة في المجتمعات الإسلامية، سواء من خلال المراكز المرخصة لأغراض أخرى أم غير المرخصة، وفي الحدائق العامة والمعارض المقامة في المرافق العامة والمجمعات التجارية، حتى أخذ هذا الفكر الباطني يستقطب شرائح مختلفة من جميع الفئات: شباب وراشدين - نساء ورجال - مثقفين وغير مثقفين - عاملات وربات بيوت - الأطفال والمراهقين؛ وذلك من خلال تجمعات ولقاءات منظمة، يقودها مدربون ومدربات من متبني هذا الفكر الباطني، وذلك كله وسط جهل أو تجاهل من قبل الجهات المسؤولة ومن بيدهم القرار؛ فإلى الله المشتكى.

تحقيق العبودية

ختامًا نذكر بقوله -تعالى-: {وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ}(آل عمران: ٨٥)؛ فالله -تعالى- قد أكمل لنا ديننا؛ فما حاجتنا لأفكار من ضلّ عن الطريق؟

نقول: هل سمعتم بملك يعيش في قصر جميل ذي أثاث وثير ولديه مالذ وطاب، من المآكل والمشارب والملابس، والخدم والحشم، والحدائق والبساتين، يترك ذلك كله ويتجه لأحياء الفقراء يتسول عندهم؟  فيفرح بكسرة خبز يابسة أو بشربة ماءٍ آسن؟

قالت لي ذات يوم أخت مسلمة مؤيدة لاستضافة محاضِرة روحية (هندوسية): نحن نتعلم منها فقط الروحانيات، كالسعاده، والمحبة، والسكينة، ولاشأن لنا بدينها!

فقلت لها: -سبحان- الله! وهل يقتات الملوك على فتات موائد الفقراء؟

نحن ملوك بإسلامنا، دين الروحانية والسعادة في الدارين؛ فوالله الذي لا إله إلا هو لو علموا مانتمتع به من روحانيات لنازعونا عليه.

نحن نرفل بنعمة عظيمة وأي نعمة! نحن ننعم بدين عظيم قال فيه رب العالمين: {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا}(المائدة: ٣).

فهل يعقل أن يمتلك المسلم هذه النعمة الكبرى (الإسلام)، ثم تبهره وتستهويه ثقافات وممارسات، بل ومعتقدات أديان وثنية سالفة مليئة بالخرافات و الخزعبلات، وجدت في كهوف الكهنة والسحرة ؟ والغريب أنه يعد ذلك رقيّاً وانفتاحاً!!

نؤكد على أن تحقيق العبودية لله رب العالمين هو المخرج للأمة اليوم؛ فبتحقيقها تزكو النفوس، وتطمئن القلوب؛ فوالله الذي لا إله إلا هو إن في القلب لفاقة، لايسدها إلا معرفة الله -تعالى-، وفي القلب شعث لايلمه إلا تحقيق العبودية لله -تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك