خطورة الإلحاد الجديد – عقل مع وقف التنفيذ (1)
عقد مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية قبل فترة ندوة بعنوان: (الإلحاد الجديد)، استضاف فيها عددا من الباحثين، من بينهم الباحث في شؤون الإلحاد م. إيهاب شاهين، ونظرًا لخطورة هذه القضية وزيادة تأثيرها على الشباب، فسوف نتناول سلسلة من مقالات هذا الباحث؛ للوقوف على أبعاد هذه القضية، وأهم الشبه التي يسقط فيها من تأثر بها، ومقالنا اليوم بعنوان عقل مع وقف التنفيذ.
الإعجاز العلمي
وقال شاهين: «لقد كان الإعجاز العلمي واحدًا من جوانب التميز التي تفرد بها القرآن الكريم، وانكشافُ الحقائق العلمية التي يحتويها للبشر جيلًا بعد جيل، هو جانب من جوانب استمرارية الرسالة التي نزل بها، فهو ليس لجيل واحد تنتهي مهمته بعدها، أو تنقطع صلة الأجيال به، بل هو لكل الناس في كل جيل، يهديهم إلى ربهم، ويوجههم إلى الخير وإلى الحق، ويربيهم على المنهج القويم، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون من آيات الإعجاز العلمي في خلق الكون والشمس والقمر والنجوم والسماوات، وبدء الكون ومصيره».
العلوم الطبيعية
وحول حقائق القرآن الكونية أكد شاهين على: «وإن العلوم الطبيعية لا زالت تحبو للتعرف على أصل الكون ونشأته والمادة الأولية التي تتكون منها الأجرام السماوية وطريقة تشكيلها، وقد أشار القرآن الكريم إلى حقائق كونية في غاية الوضوح، وَفَصَّلَ في آيات أخرى مراحل الخلق والتكوين، ولم يصل العلم الحديث حتى الآن إلى معرفة أصل الوجود المادي للكون، على الرغم من توصل العلم إلى نجاحات كبيرة في مسائله التطبيقية والاستفادة من دراسة خصائص المادة، واستخدام الطاقات الكونية المختلفة، وعلى الرغم من محاولة العلم الحديث التعرف على اللبنات الأولى التي ينبني عليها الكون المادي، ومحاولة التعرف على الذَّرَّة، إلا أنه لم يخرج بطائل من دراسته هذه، فطالما أن الإنسان -أي إنسان- لم يشهد خلق السماوات والأرض، وكذلك لم يشهد خلق نفسه ولا خلق غيره، فكيف يعرف الحقيقة إذًا؟ قال -تعالى-: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»} (الكهف: 51)».
طريق الوحي
وحول بداية ظهور طائفة تنفي وجود الله قال إيهاب شاهين: «لم يُعرف هذا الأمر إلا عن طريق الوحي، وهذا دليل واضح على أن القرآن وحي من الله لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، فَمِنْ أين لمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الأُمي بعلم الذرة أن يعرف هذا العلم قبل ألف وأربع مئة عام؟ قبل أن تظهر أي أدوات يتم التعرف بها على ما في الكون إلا عن طريق عليم خبير خلق هذا الكون. لقد ظهرت طائفة شاذة عبر الزمان تنفي وجود الله -تعالى- وتنفي أن يكون للكون خالق، فكان الرد عليهم من الله -تعالى- كافيًا شافيًا».
الاغترار بعلوم العصر
وشدد شاهين على أن بعض من تأثروا بالحضارة الغربية وأنكروا وجود الخالق وما خلق دون أصول علمية أو عقلية قائلاً: ولقد اغْتَرَّ أُنَاسٌ في هذا العصر بعلوم العصر، وظَنُّوا أن هناك تعارضًا بين دين الله والعلم، فزعموا كأسلافهم الأوائل أنهم توصَّلوا لحقيقة خلق الكون والحياة والإنسان، وأن وجود الله -سبحانه- وخلقه للكون والحياة إنما هو وَهْمٌ وخرافة، وراحوا يطيرون كل مطار بنظريات أقل ما يقال عنها أنها خرافة، ولكن أصبحت عند هؤلاء الملحدين عقيدة ومنهجًا؛ لذلك -من أجلها- كذبوا وَزَوَّرُوا وافتروا، حتى يثبتوا خرافةً لا معنى لها.
لقد أخذت هذه القضية حيزا كبيرا في المجتمعات الاوروبية، وظَهَرَ صَدَاهَا داخل المجتمعات الإسلامية والوطن العربي، رغم أنها قضيةٌ هَشَّةٌ، وتأتي هشاشتها لأنها لم تُبْنَ على أصول علمية فضلًا عن أن تكون قد بنيت على أصول عقلية».
خطورة هذه القضية
وحذر شاهين من زيادة الشباب المتأثرين بفكرة الإلحاد فقال: «وتأتي خطورة هذه القضية من زيادة نِسْبَةِ الشباب الذين وقعوا في الإلحاد على مستوى بلدان العالم، حيث بلغت نسبتهم حوالي مليار نسمة حتي الآن، وهذا وفق آخر إحصائية موجودة على مستوى العالم، وإن النسبة داخل البلاد الإسلامية والعربية ليست بالكبيرة، لكنها تنبئ عن خطر كبير، يجب أن ننتبه إليه، فالنسبة لا تتعدى المئات من الملحدين الحقيقيين؛. فقد قُدِّرت هذه النسبة من سنوات عدة بالعشرات، وقد أصبحت الآن بالمئات، فالتسارع في زيادة النسبة،وإن كان ليس كبيرًا إلا إنه يُنبئ عن خطرٍ كبير في المجتمعات.
شباب أمتنا
وعزى شاهين ضعف الأمة إلى تخليها عن عزتها وقوتها فقال: «مما يؤسف عليه أن بات شباب أمتنا نهبا للغزو الفكري، وبعد أن كانت أمتنا علي رأس الأمم أصبحت في ذيلها؛ لما تخلت عن أسباب عزتها وقوتها التي تكمن في التمسك بأصول دينها الذي هو بمثابة طوق النجاة من الانحراف الفكري أو العقدي، فضلا عن الحماية القلبية من أمراض الشهوات واللهث وراء الهوى؛ مما أوقع الكثيرين في التجرؤ علي دين الله -تعالى- بغير علم مما سبب ضلالا وإضلالا، كما قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». رواه البخاري».
الجهل أحد أسباب الضلال
وعن خطورة الجمل في القرآن والسنة وفهمها فهماً صحيحا قال شاهين: «فالجهل أحد أسباب الضلال، ومن علامات الجهل أن يظن إنسان أنه قد وصل بعقله إلي منتهى العلوم، وأنه قد حصل ما لم يصل إليه الأولين، فينظر نظرة إزدراء إلى من سبقه، فيسبق إلي رميهم بالفشل والغباء، وأحسن أحواله قوله: إنهم لم يطلعوا علي ما اطلع عليه، وتزداد نبرة الغرور حتي يظن تعارضا بين كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيذهب إلي إحدى الغياهب: إما إنكار السنة كلية، أو تأويلها تأويلا باطلا، أو اتهام القرآن بأنه نزل في حقبة زمنية لا يتناسب مع عصر التقدم والازدهار والتكنولوجيا الحديثة، فضلا عن اتهام حملة السنة والقرآن بعدم فهم ما يحملون، مما حدا بكثير من الشباب أن يفقد الثقة في علماء الأمة، ومن ثم يتجرأ علي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم كتاب الله، فيتطاول علي كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينتهي به الحال إلي عدم الإيمان بالله -تعالى-، أو الاعتراف بوجوده لكن اتهامه بأنه عاجز، أو شرير أو غير ذلك من التوهمات التي يلقيها الشيطان في قلوب هؤلاء».
مواجهة هذا الفكر
وعن كيفية مواجهة الإلحاد قال شاهين: «لذلك يجب مواجهة هذا الفكر الذي بدأ يدب بين بعض الشباب في الجامعات والمنتديات والمقاهي وغيرها، حتى يَنْهَارَ تمامًا بإذن الله، وسوف يتبين للقارئ من خلال هذه السلسلة أن هذا الفكر في أصله خرافة، وعندما تذهب لِتهدمَ الخرافةَ بأصولٍ علميةٍ تجد صعوبةً بالغة، وتكمن الصعوبة في ذلك في جمود عقل مَنْ يتبنى هذا الفكر، فهذا إن كان عنده عقل، فهو عقل مع وقف التنفيذ، فهذه دعوى لتحرير العقل من الجمود والتوقف عن مكابرة العقول وتكذيب المنقول».
لاتوجد تعليقات