رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 ديسمبر، 2020 0 تعليق

خطورة الإلحاد الجديد – الإلحاد مذهب يقوم على إنكار وجود الله (2)


عقد مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية قبل فترة ندوة بعنوان: (الإلحاد الجديد)، استضاف فيها عددا من الباحثين، من بينهم الباحث في شؤون الإلحاد م. إيهاب شاهين، ونظرًا لخطورة هذه القضية وزيادة تأثيرها على الشباب، فسوف نتناول سلسلة من مقالات هذا الباحث؛ للوقوف على أبعاد هذه القضية، وأهم الشبه التي يسقط فيها من تأثر بها، واليوم مع وقفات مع مفهوم الإلحاد ومعانيه.

     بين شاهين بعض معاني الإلحاد في اللغة وفي الإصطلاح وذكر منها أن الإلحاد هو المَيْلُ عن القصْد، ولحَدَ إِليه بلسانه: مال. وقال الأَزهري في قول القرآن: لسان الذين يلحدون إِليه أَعجمي وهذا لسان عربي مبين، قال الفراء: قرئ يَلْحَدون فمن قرأَ يَلْحَدون أَراد يَمِيلُون إِليه، ويُلْحِدون يَعْتَرِضون. وأَصل الإِلحادِ: المَيْلُ والعُدول عن الشيء.

الإلحاد بوصفه مذهبا

- وأضاف شاهين: الإلحاد بوصفه مذهبا: فهو مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق -سبحانه و-تعالى-، والملحد عند تعريفه يقصد به (المنكِرُ لوجود خالقٍ لهذا الكون).

كلمة الإلحاد

وعن كلمة الإلحاد قال شاهين: وردت في كتاب الله -تعالى- في ثلاثة مواضع:

- الأول: في سورة الأعراف {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180).

- الثاني: في سورة الحج {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: ٢٥).

- الثالث: في سورة فصلت {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} (فصلت: ٤٠).

الانحراف عن الطريق المستقيم

     وعن تعريف معنى الإلحاد في المواضع الثلاثة قال: هذه المواضع الثلاثة تشترك في معنىً واحدٍ، وهو الميل والانحراف عن الطريق المستقيم، فمعنى الإلحاد في قول الله -عز وجل-: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} هو الميل، والانحراف عن إثبات الأسماء والصفات بطريقة صحيحة كما جاءت في الكتاب والسنة، فَتَسْمِيَةُ الله بأسماء لم يُسَمِّهَا لنفسه، ولم يُسَمِّهَا له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، أو تشبيه الله -تعالى- بخلقه، أو اشتقاق أسماءٍ للأصنام من أسماء الله -تعالى-، أو نفي أسماء الله وصفاته، كل هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله -تعالى- وصفاته.

الانحراف عن الطاعة

وعن المعنى الثاني للإلحاد قال شاهين: ورد في سورة الحج في قوله -تعالى-: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فالمقصود هو الانحراف عن الطاعة إلى الوقوع في المعصية والتعدي لحدود الله، وهذا مَيْلٌ عن الطاعة وميل عن الطريق المستقيم.

الإلحاد في آيات الله -تعالى

     وعن المعنى الثالث قال شاهين: تُثبتُ الآية الثالثة من قول الله -تعالى- {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}. أن ثمة إلحادًا في آيات الله -تعالى-، وحتى يتبين المعنى المقصود، لابُدَّ أن نعرف أن آيات الله تنقسم إلى نوعين، آيات كونية آفاقية، آيات شرعية دينية، النوع الأول: الآيات الكونية الآفاقية: التي هي مخلوقات لله -تعالى-، مثل الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والمحيطات والفِجاج والأنهار، النَّظَرُ في الآيات الكونية للاستدلال على وجوده تبارك و-تعالى- أمرٌ مأمور به شرعًا،قال -تعالى- {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت: ٢٠). وقال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: ٥٣).

معنى الإلحاد في الآيات الكونية

وعن معنى الإلحاد في الآيات الكونية قال شاهين: يكون الإلحادُ فيها بِأَحَدِ أمرين:

- الأول: نسبة هذه الآيات إلى غير خالقها سبحانه و-تعالى-، كأن يقول: إن الشمس والقمر والنجوم والبحار وغير ذلك من هذه الآيات، خَلَقَها خالق غير الله -تعالى.

- الثاني: أن يكون الإلحاد في هذه الآيات بأن ينسب هذه الآيات إلى الصدفة والعشوائية، ويقول: إن هذه الآيات, أنشأتها الطبيعة أو أوجدتها الصدفة.

إذًا في الأمر الأول سيقول: إن هناك خالقًا، ولكن ليس هو الله، وينسبها إلى غير الخالق. والثاني: لا يُقِرُّ بوجود خالق أصلًا، ويقول: إنها أوجدت نفسها بنفسها، أو أن الطبيعة هي التي أوجدتها، وكلا النوعين هو إلحاد في آيات الله -تبارك وتعالى.

معني الإلحاد في الآيات الشرعية

     وعن معنى الإلحاد في الآيات الشرعية قال: يكون هو بتحريفها أو تكذيبها أو مخالفتها، وهذا النوع سَيَقَعُ فيه كُلُّ مَنْ وَقَعَ في الإلحاد في الآيات الكونية بنوعيه اللذين ذكرناهما؛ فكلاهما لا يقر بالآيات الشرعية، والذي لا يقر بوجود خالق أو يقول: إن هذا الكون وُجِدَ نتيجة الصدفة ونتيجة العوامل والقوانين الكونية، لا يقر بالآيات الشرعية ولا يعترف بوحي ولا أنبياء ولا رسل ولا غير ذلك.

نشأة الإلحاد قديمًا

- وعن نشأة الإلحاد تساءل شاهين: هل نبت هذا الفكر حديثًا أم أن له جذورًا تاريخية؟

- وأجاب قائلاً: مما لا شك فيه أن المطلع على الثقافات المختلفة يظهر له بوضوح أن هذا الفكر ليس حادثًا، بل له جذور قديمة، فكيف بدأ؟ ومتى ظهر؟

نشأة الإلحاد قديمًا

     وعن نشأة الإلحاد قديمًا قال: ظهر الإلحادُ منذ زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قبله، وكان هؤلاء الملحدون يُسَمَّوْنَ بالدهريين، كما أخبر الله -تعالى- عنهم {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} (الجاثية: ٢٤). يقول ابن كثير- رحمه الله - يخبر -تعالى- عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي: ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة، ويقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول. وقد قال بعض العلماء بأن هؤلاء لم ينكروا وجود إلهٍ خَالِقٍ لهذا الكون، ولا مدبر لهذه الحياة، وإنما أنكروا البعث والمعاد، ولذلك قال العلماء لا توجد أمة من الأمم أنكرت وجود الله -تعالى-، وعلي أي الأحوال تجد أن هؤلاء كانوا طائفة أو ثلة قليلة جدًّا علي مر الزمان؛ لأن الكفار علي مر الأزمان كانوا جميعًا يقرون بوجود رب خالق رازق مدبر محيي مميت، كما أخبر الله -تعالى- عنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} (لقمان: ٢٥) قال -تعالى-: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس: ٣١)، إذًا هم يُقِرُّونَ بوجود خالق رازق مدبر محيي مميت، أما منكرو وجود الرب -تعالى-، فطائفة شاذة تسمى الدهرية.

هناك رب خالق رازق

     وأضاف، لقد رَدَّ الله -تعالى- على كل هذه الطوائف التي تقول بأن هناك ربًّا خالقًا رازقًا، ولكن لا يجعلون له حق التشريع والتحريم، ورد على الذين يقولون بأنه لا يوجد خالق للكون، وليس له مدبر، وليس هناك خالق لهذه الحياة، وليس هناك خالق للإنسان، بِأَدِلَّةٍ فطرية وعقلية ونقلية، أدلة عقلية في المقام الأول مع الدليل الفطري، ولأن هؤلاء لا يقرون بكتاب ولا سنة، فكان لابد من خطابهم خطابًا عقليًّا، فالأدلة العقلية التي تبين أن لهذا الكون خالقًا رازقًا مدبرًا، خلق هذه الحياة وخلق هذا الإنسان، لا تحصى كثرة، وهذه الأدلة قد أَمَرَنَا الله -سبحانه وتعالى-. أن نسير في الأرض وننظر فيها حتى تدلَّنا على هذا الأمر العظيم، قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت:20).

التفكر في خلق الله

     أمرنا الله أن نسيرَ في الأرض ونتفكرَ ونتدبر ونتلمس الأمورَ الحسية التي خلقها فتدلنا عليه -سبحانه وتعالى-، وليست هذه الآية كما يفهم بعض الناس أن الأمر اجتهادي، والله أمرنا أن نجتهد اجتهادًا مطلقًا في البحث عن إدراك كيفية خلق الكون، بل إن الله -سبحانه وتعالى- أمرنا أن ننظرَ في الآيات التي خلقها هو -سبحانه وتعالى-، فتدل على خلقه وتؤكد أن إعادة الخلق بعد فنائه أَمرٌ ميسور، ولذلك قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا} وهذا بلا شك سَيَدُلُّنا على وجود الخالق -سبحانه وتعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك