رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 30 مايو، 2023 0 تعليق

خطر الشائعات وآثارها على المجتمع

 

الشائعاتُ ظاهرةٌ اجتماعية بالغة الخطورة، وُجدت في كل زمان ومكان، وتعد من أخطر الحروب المعنوية النفسية، التي لها خطورة بالغـة على المجتمعات، وهي من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمّة من الأمم‏، اضطربت أحوالها‏، وضعفت الثقة بين أبنائها‏، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق.

أولاً: ما الشائعة؟

      الشائعة في اللغة: إشاعة: خبرٌ مكذوبٌ غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس، أو خَبَرٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ ذَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ. والإِشاعَةُ: كلّ خبرٍ ينتشر بين الناس غير مثبَتٍ منه. ويطلق الشِّيَاعُ على ما تُشَبُّ به النار من الوقود الخفيف.

       والشائعة في الاصطلاح: الشائعة اصطلاحاً تعني الخبر المشاع والمنتشر بين الناس، ويحتمل الصدق أو الكذب، أو بتعبير آخر هي نشر الأخبار التي ينبغي سترها لشين الناس، وهي نوع من النبأ الهادف الذي يكون مصدره مَجْهُولاً، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازيّ أو هادئ بحسب طبيعة ذلك النبأ.

ثانيًا: أنواع الشائعات

- تختلف أنواع الشائعات وذلك بحسب اختلافها في الهدف والزمان، والمصدر، والآثار المترتّبة عليها، وغير ذلك. ونشير إلى أهمّ أنواع هذه الشائعات:

1- شائعات الخوف

     يستهدف هذا النوع من الشائعات إثارة القلق والرعب في نفوس البشر، وتعتبر من أنواع الشائعات المروّعة والمخيفة، فقد تمسّ أَحْدَاثًا كالكوارث، أو أَشْخَاصًا، أو بأمور الحرب والسلّم وغيرها من الأمور، قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

2- شائعات الكراهية

    وتستهدف زرع بذور العداوة والفتنة والفرقة والبغضاء والحقد وغيرها من العوامل التي تسبّب الكراهية والتباعد بين أفراد المجتمع، أو بين الطوائف الدينية، المقصود هو بثّ الكراهية الدينية والتحريض على العنف، وذلك من خلال إشاعة الشائعات الكاذبة بغية تفكيك بيئة المجتمع الذي تستهدفه الشائعة بنارها وسمومها المهلكة، لتضرب وحدته ونسيجه الاجتماعيّ.

3- الشائعات السياسيّة

       تتمثّل بنشر معلومات سياسيّة كاذبة، تهدف إلى زعزعة الحكم وإحداث خلل في المنظومة السياسيّة للمجتمع ومن دوافعها الانتقام، وتصفية الحساب مع أشخاص معنيين، وإزالة الثقة العامّة بالشخصيات السياسية، وشغل الرأي العام عن القضايا الجوهرية، ومهما اختلفت الدوافع في بثّ هذه الشائعات الكاذبة فالنتيجة النهائية هي تدمير المجتمعات‏.

4- الشائعات الأمنية والعسكرية

      إنّ اختلاق هذا النوع من الشائعات يودّي إلى سيطرة القلق والاضطراب والإخلال بالأمن وانعدام الثقة، وهذه من أهمّ ما ترمي إليه الحرب النفسيّة للأعداء بغية إثارة البلبلة ونشر الفزع، ليتسنّى لهم التّغلّب العسكريّ والسياسيّ لاحقاً، فعندما يعجز العدوّ عن إلحاق الضرر بصورة مباشرة، يقوم بنشر الشائعات، لبثّ الرعب والقلق في الناس، ليشغلهم بأنفسهم، وليحرفهم عن أهمّ قضاياهم حساسية، وليتسنّى له التمكّن منهم في كلّ مجال.

5- الشائعات المتعلّقة بالأعراض

       وهي الشائعات الأكثر خطورة على المجتمع لأنّها تمسُّ أعراض المؤمنين، ويؤدّي نشرها إلى هتك كرامة الانسان والانتقاص منها والإساءة إلى سمعته بين أبناء مجتمعه، وفي بعض الأحيان قد تتسبّب هذه الشائعات بقتل نفسٍ بغير ذنب، وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن الخوض في الأعراض، بل نهت عن إشاعة الفاحشة حتّى مع وقوعها وتوعّدت بالعذاب الأليم لمرتكبي هذا الذنب.

ثالثًا: آثار الشائعات على الفرد والمجتمع

      إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وما وقع في التاريخ الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان قسما مهما منه بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع الإيمانيّ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه.

رابعًا: منهجية القرآن في التعاطي مع الشائعات

      يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم مبيناً خطورة الشائعة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، تبيّن الآية الكريمة كيف ابتلي جماعة بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم، فتقول {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} أي تذكروا كيف رحبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.

تشير هذه الآية إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظيمة في شأن الشائعات وهي:

- الأول: تقبّل الشائعة: استقبالها وتناقلها.

- الثاني: نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها.

- الثالث: استصغار الشائعة وعدها وسيلة للّهو وقضاء الوقت، في وقت تمسّ فيه كيان المجتمع الإسلامي وشرفه، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمين.

      وممّا يلفت النظر أنّ الآية استعملت تعبير {بِأَلْسِنَتِكُمْ} تارة وتارة أخرى تعبير {بِأَفْوَاهِكُم} على الرغم من أن جميع الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان. وهو إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبّلتموه، ولا تملكون دليلاً يسوّغ لكم نشره، والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم.

أساليب أساسية عديدة

     والقرآن الكريم قد رسم لنا منهجاً واضحاً وفريداً في التعامل مع مرض الشائعات يتمثّل في جملة من الآداب عند وجود الإشاعة، وعندما نستقرئ آيات القرآن التي تحدّثت عن المواجهة الإعلامية، وأسلوب التعامل مع الدعاية المضادة والشائعات، نجد القرآن قد ركّز على أساليب أساسية عديدة، منطلقاً من أسس نفسيّة وموضوعيّة بالغة الأهميّة، لتكوين الدوافع وكسب الاستجابة والمواقف. وأهم هذه الأسس والآداب هي:

الأساس الأول: التثبّت والتبيّن

عند سماع الأخبار

      من المفردات التي استخدمها القرآن الكريم: (التثبت والتبيّن)، والمطلوب من المجتمع الإسلاميّ أن يتّسم بهذه المفردات، وهذا هو ما يعبّر عنه بمصطلح اليوم بـ (الوعي)، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، تتحدّث هذه الآية عن أهمّ مسألة مؤثّرة في بنية المجتمع، وهي تلقّي الأفراد للأنباء والأخبار وتناقلها فيما بينهم، وتؤكّد الآية الكريمة ضرورة أخذ الأنباء من مصادرها الموثوق بها.

الأساس الثاني: التفنيد

والتحصين (الإعلام المضادّ)

في الوقت الذي بيّن القرآن الكريم سمات المنافقين من أجل الحذر منهم، بيّن لنا ضرورة القيام بأمرين من أجل مواجهة الشائعات هما:

- أولاً: كشف زيف الإشاعة، وذلك من خلال بيان الكذب والتناقض فيها، لإسقاط فاعليتها، وتوجيه ردّ الفعل ضدّ مروّجيها.

- ثانياً: تحصين المجتمع، من خلال رفع منسوب الوعي فيه، فالتوعية أمر أساس في المجتمع، وخصوصاً في مقاومة الإشاعة وتفنيدها بالاستناد إلى الحجج والبراهين المنطقية، والحقائق الواقعية التي تحصِّن الناس ضدّ سموم الشائعات، التي يروِّجها الأعداء والمرجفون.

      قال -تعالى-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

الأساس الثالث: الإهمال

 وعدم الاعتناء

      ومن الأساليب التي دعا إليها القرآن أسلوب الإهمال وعدم الاعتناء بالخصم، بشرط أن يكون هو الطريق الموصل إلى الهدف وهو تضعيف الطرف الآخر وعدم فعالية إشاعته، وذلك عندما يكون الإهمال، وعدم الدخول في حرب كلامية هو الأسلوب الأفضل للموقف والقضية، كقوله -تعالى- في الآيات الآتية: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }، {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.

 

 

آثار الشائعات الاجتماعية

- تؤثر الشائعات سلبا على الأخلاق المجتمعية مثل: الصدق، والأمانة، والتعاون، والتكافل، والإيثار، والشعور بالمواطنة.

- تؤدي إلى تدني المعنويات وإثارة الشك، وشعور المواطنين بالخطر والقلق من أي معلومة قد تنتشر في المجتمع حتى لو كانت لا تشكل تهديداً حقيقياً على أي شخص.

- انعدام الشعور بالأمن؛ فالشائعة تترك الأفراد يعيشون في دائرة لا تنتهي من الخوف، وتؤثر على مناحي حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

- تؤدي الشائعات إلى التفكك الأسري، ومن ثم تفكك العلاقات بين العائلات، والتأثير على الصحة النفسية وقيم الأطفال وجميع الأفراد داخل الأسرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك