رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 6 يونيو، 2021 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المَسْجِدُ الأَقْصَى في قُلُوبِنَا

 

 

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 9 من شوال 1442م الموافق 21/5/2021م، مواكبة للأحداث التي تمر بها الأمة، وما يتعرض له بيت المقدس والمقيمون في أكنافه للعديد من الانتهاكات من قبل اليهود؛ حيث أكدت الخطبة أنَّ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَسْجِدِهِ الأَقْصَى مَكَانَةً سَامِقَةً فِي دِينِنَا، وَمَنْـزِلَةً عَظِيمَةً فِي قُلُوبِنَا، فَهُوَ مَسْرَى نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -، وَمِنْهُ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَصَلَّى فِيهِ إِمَاماً بِالأَنْبِيَاءِ، كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ قِبْلَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإلَيْهِ تَحِنُّ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ، وَيُتَقَرَّبُ فِيهِ إِلَى اللهِ بِسَائِرِ الطَّاعَاتِ، دَرَجَ فِيهِ الأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَبِهِ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَرَخُصَتْ مِنْ أَجْلِهِ دِمَاءُ الشُّهَدَاءِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ فَضْلِهِ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ، وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ؛ تُبَيِّنُ مَكَانَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَتُظْهِرُ مَنـْزِلَتَهُ وَقَدْرَهُ.

فَضَائِل عَتِيدَة وَخَصَائِص فَرِيدَة

     ثم بينت الخطبة أنَّ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جَعَلَ للْمَسْجِدِ الأَقْصَى خَاصَّةً وَمَا حَولَهُ عَامَّةً: فَضَائِلَ عَتِيدَةً، وَخَصَائِصَ فَرِيدَةً، وَمَيَّزَهَا بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ؛ فَهِيَ الأَرْضُ الَّتِي قَدَّسَهَا اللهُ وَطَهَّرَهَا، وَأَعْلَى شَأْنَهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ وَأَظْهَرَهَا؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21) وَمِنْهُ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّمَوَاتِ الْعُلَى فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1).

مَهْدُ الأَنْبِيَاءِعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

     كما أنَّ تِلْكَ الأَرْضُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ مَهْدُ أَكْثَرِ الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَمَهْوَى الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الأَنَامِ، وَهِيَ خِيرَتُهُ مِنْ أَرْضِهِ؛ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ؛ عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً؛ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ» قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ). وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهَا بِالْبَرَكَةِ إِلَى بَرَكَتِهَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا).

تكفير الذنوب والآثام

     ومن فضائل المسجد الأقصى أنَّ إِتْيَانُه لِلصَّلَاةِ فِيهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ والآثَامَ، ويَحُطُّ الخَطَايَا والأَوْزَارَ العِظَامَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ وابْنُ مَاجَهْ). وهُوَ أَحَدُ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَأَحَدُ الأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ فِيهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

تُفْدَى بِالنَّفْسِ وَالنَّفِيسِ

     إِنَّ أَرْضاً هَذَا شَأْنُهَا وَمَنْزِلَتُهَا، وَتِلْكَ فَضَائِلُهَا وَدَرَجَتُهَا: لَحَقِيقَةٌ أَنْ تُفْدَى بِالنَّفْسِ وَالنَّفِيسِ، وَأَنْ يُبْذَلَ لَهَا الْغَالِي وَالرَّخِيصُ؛ لِتُخَلَّصَ مِنْ بَرَاثِنِ الْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ، وَتُطَهَّرَ مِنْ دَنِسَ الصَّهَايِنَةِ الْغَاصِبِينَ، الَّذِينَ مَا بَرِحُوا يُدَنِّسُونَ الْمُقَدَّسَاتِ، وَيَنْتَهِكُونَ الْحُرُمَاتِ، وَيَبْذُلُونَ قَصَارَى جُهْدِهِمْ لِطَمْسِ مَعَالِمِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَنَسْفِ تَارِيخِهِ الْمُنِيفِ، وَدَفْنِ الْحَقَائِقِ الْمُشْرِقَةِ، وَإِبْرَازِ مَزَاعِمِهِمُ الْمُخَرَّقَةِ، فَلَا قِيمَةَ -كَمَا يَرَوْنَ- لِكِيَانِهِمُ الْمَرُومِ، بِغَيْرِ الْهَيْكَلِ الْمَزْعُومِ، إِلَى حَدِّ أَنْ وَصَلَ الأَمْرُ بِالصَّهَايِنَةِ إِلَى أَنْ يَمْنَعُوا إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؛ كَمَا شُوهِدَ وَنُقِلَ فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ، مَعَ إِغْلَاقِ أَبْوَابِ الأَقْصَى عَنِ المُصَلِّينَ، ومَنْعِ المُتَعَبِّدِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَكَانَ مِنْ نَتِيجَةِ هَذِهِ الإِجْرَاءَاتِ التَعَسُّفِيَّةِ مُوَاجَهَاتٌ بَيْنَ سُلُطَاتِ الِاحْتِلَالِ وَالْفِلَسْطِينِـيِّينَ أَدَّتْ إِلَى سُقُوطِ شُهَدَاءَ وجَرْحَى، وَاعْتِقَالٍ وتَعَسُّفٍ وَتَعْذِيبٍ وَتَدْمِيرِ بُنًى، قَالَ -تَعَالَى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة:114).

ثِقَة وَيَقِين بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ

     إِنَّ جَبِينَ الإِنْسَانِيَّةِ وَالتَّارِيخِ لَيَنْدَى لِمَا يَقُومُ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْمَالِ تَخْرِيبٍ وَاغْتِصَابٍ لِبُيُوتِ الْمَقَادِسَةِ؛ فَأَصْبَحَ لِزَاماً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ أَنْ يَنْصُرُوا إِخْوَانَهُمْ فِي فِلَسْطِينَ؛ لِإِنْهَاءِ مُخَطَّطَاتِ الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَالْعُدْوَانِ، وَتَحْرِيرِ الْمُقَدَّسَاتِ وَرَدِّ الْحَقِّ السَّلِيبِ إِلَى أَهْلِ الإِيمَانِ، وَإِنَّنَا لَعَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ؛ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؛ وَتَحْرِيرِ الأَقْصَى مِنْ بَرَاثِنِ المُعْتَدِينَ، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ دَنَسِ الغَاصِبِينَ المُجْرِمِينَ.

الْحَمْلَةِ الشَّعْبِيَّةِ العَاجِلَةِ

     ثم نوهت الخطبة إلى الْحَمْلَةِ الشَّعْبِيَّةِ العَاجِلَةِ التي انطلقت لِإِغَاثَةِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ، بِرِعَايَةِ وِزَارَةِ الشُّؤُونِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ وَبِالتَّعَاوُنِ مَعَ وِزَارَةِ الخَارِجِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ لِتَقْدِيمِ الْعَوْنِ وَالمُسَاعَدَةِ لِلْأَشِقَّاءِ فِي فِلَسْطِينَ، انْطِلَاقًا مِنْ وَاجِبِ الأُخُوَّةِ وَتَعْبِيرًا عَنْ مَوْقِفِ دَوْلَةِ الْكُوَيْتِ الثَّابِتِ فِي دَعْمِ القَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك