رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 يونيو، 2021 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – وَاجِبَاتُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 1 من ذي القعدة 1442هـ - الموافق 11/6/2021م متحدثة عن وَاجِبَاتِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ حيث بينت الخطبة أن الله -تعالى- خَلَقَ النَّاسَ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، وَجَعَلَ مِنْهُمَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِيَسْتَمِرَّ النَّسْلُ وَالتَّكَاثُرُ بَيْنَ الْأَنَامِ، قَالَ -تعالى-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} (النجم:45-46).

     وبينت الخطبة أن الْمَرْأَةَ شَقِيقَةُ الرَّجُلِ فِي الْخَلْقِ وَالتَّكْوينِ، وَشَرِيكَتُهُ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَنَظِيرَتُهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَفِي الْحُقوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، إِلَّا مَا اقْتَضَاهُ الِاخْتِلَافُ الْفِطْرِيُّ وَالتَّكْوينُ النَّفْسِيُّ وَالْبَدَنِيُّ وَالذِّهْنِيُّ، فَسَوَّى الْإِسْلَامُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَجِبُ التَّفْرِقَةُ، فَأَقَامَ حَيَاتَهُمَا عَلَى الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَنَفَى عَنْهَا الظُّلْمَ وَالتَّسَلُّطَ وَالْإِجْحَافَ، قَالَ -سبحانه-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34)، وَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ). وَقَدْ مَنَحَهَا الشَّرْعُ الْحُقوقَ فَجَعَلَهَا هِبَةً رَبَّانِيَّةً، وَفَرَضَ عَلَيْهَا الْوَاجِبَاتِ فَصَيَّرَهَا مَسْؤُولِيَّةً شَرْعِيَّةً، فَوَجَبَ إعطاؤُها حُقوقَهَا الْمَرْعِيَّةَ، وَلَزِمَهَا أَدَاءُ وَاجِبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ.

مَنْزِلَة عَظِيمَة

     وأضافت الخطبة أن المرأة منذ أن أَشْرَقَتْ شَمْسُ الرِّسَالَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَانْبَثَقَتْ بَوَادِرُ دَعْوَةِ الْحَقِّ الْإلَهِيَّةِ ؛ حَتَّى بَادَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى اعْتِنَاقِ الْإِسْلَامِ حُبًّا وَاشْتِيَاقًا، وَسَارَعَتْ إِلَى الْتِزَامِهِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً وَعِلْمًا وَعَمَلًا وَأَخْلَاقًا، فَالْتَفَّتِ النِّسَاءُ حَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ مِنْهُنَّ الْمُجَاهِدَاتُ الصَّادِقَاتُ، وَالصَّالِحَاتُ الْقَانِتَاتُ، وَالْأُمَّهَاتُ الْمُخْلِصَاتُ، وَالْمُرَبَّيَاتُ الْفُضْلَيَاتُ، وَأَضْحَى لِلْمَرْأَةِ مَنْزِلَتُهَا الْعَظِيمَةُ، وَأَصْبَحَ لَهَا مَكَانَتُهَا الْمَرْمُوقَةُ الْكَرِيمَةُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ، لَا شَأْنَ لَهَا يُذْكَرُ، وَلَا تَارِيخَ لِكِيَانِهَا يُؤْثَرُ، فَأَنْعِمْ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي أَضْحَتْ خَدِيجَةُ قُدْوَتَهَا، وَأَكْرِمْ بِهَا وَقَدْ أَمَسَتْ فَاطِمَةُ أُسْوَتَهَا، وَمِثْلُهُمَا أَمُّ طَلْحَةَ وَأَمُّ حَبيبَةَ، وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأَسْمَاءُ ونَسِيبَةُ، قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: «وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ -تعالى- فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ» (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).

وَلَـــو كَـــانَ النِّسَاءُ كَـــمَنْ فَقَدْنَا

                                        لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ على الرِّجالِ

وَمَا التَّأنِيثُ لاسمِ الشَّمسِ عيبٌ

                                        وَلَا التَّذْكــيرُ فَخْـــرٌ للهـلالِ

وَاجِبَات وَمَسْؤُولِيّاَت

    وَهَكَذَا انْطَلَقَتِ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ مُنْذُ فَجْرِ الْإِسْلَامِ تَنُوءُ بِأَعْبَاءِ دَعْوَتِهَا، وَتَضْطَلِعُ بِوَاجِبَاتِهَا وَمَسْؤُولِيَّتِهَا، إِنْ فِي بَيْتِهَا أَوْ فِي حَقْلِهَا أَوْ فِي مَيَادِينَ أُخْرَى، لَمْ تَتَلَكَّأْ دُونَ الْقِيَامِ بِهَا وَأَدَاءِ أمَانَتِهَا، وَلَمْ تَحُلْ عَقَبَاتٌ أَوْ عَرَاقِيلُ دُونَ الْمُضِيِّ نَحْوَ وِجْهَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَنْ تَقُومَ أَوَّلًا بِأَدَاءِ وَاجِبِهَا تُجَاهَ رَبِّهَا جَلَّ وَعَلَا عَقِيدَةً وَعِبَادَةً وَطَاعَةً وَسُلُوكًا وَفِي كُلِّ الظُّروفِ، ثُمَّ نَحوَ بَعْلِهَا مِنَ الْقِيَامِ بِحُقوقِهِ وَطَاعَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ -سبحانه-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة:228).

وَاجِبِها نَحْوَ زَوْجِهَا

     وَمِنْ وَاجِبِهَا نَحْوَ زَوْجِهَا: أَنْ تُطِيعَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَلَّا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَلَّا تَصُومَ نَافِلَةً- وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ- إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَأَنْ تَحْفَظَ عِيَالَهُ مِنَ الضَّيَاعِ وَمَالَهُ مِنَ التَّبْدِيدِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ «الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).

الْمَدْرَسَةُ الْأُولَى

     ثم أكدت الخطبة أنَّ مَا نِيطَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ وَاجِبَاتٍ هُوَ مِنَ الْأهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ؛ فَإِنَّ وَاجِبَ الْمَرْأَةِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى رِعَايَةِ الزَّوْجِ وَمُرَاعَاةِ حُقوقِهِ عَلَيْهَا، وَمِنْ أوْلَى مَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَقُومَ بِهِ فِي مَمْلَكَتِهَا الصَّغِيرَةِ: أَنْ تَرْعَى أَوْلَادَهَا وَتُحْسِنَ تَرْبِيَتَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ، فَهِيَ عِمَادُ الْبَيْتِ فِي الْعَمَلِ وَالتَّنْظِيمِ، وَالْمَدْرَسَةُ الْأُولَى فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ؛ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ رَفْرَفَتْ فَوْقَهُ رَايَاتُ السَّعَادَةِ وَالْهَنَاءِ ؛ لَمَّا أَحْسَنَتِ الْمَرْأَةُ التَّرْبِيَةَ وَالْبِنَاءَ! وَكَمْ مِنْ بَيْتٍ عَاثَ فِيهِ الْخَرَابُ، وَعَمَّ فِيهِ الْبَلَاءُ وَحَلَّ الشَّقَاءُ ؛ حِينَمَا أَهْمَلَتِ الْمَرْأَةُ وَاجِبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةَ، وَضَيَّعَتْ أَمَانَتَهَا الرَّبَّانِيَّةَ! عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).

المحافظة كِيَان الْمُجْتَمَعِ

     وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى كِيَانِ الْمُجْتَمَعِ وَنِظَامِهِ الْعَامِّ مِنَ التَّصَدُّعِ وَالْفَسَادِ، بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَمُرَاعَاةِ أخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ الْعِظَامِ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَى ثَوَابِتِهِ وَمَبَادِئِهِ تَحْتَ أَيَّةِ ذَرِيعَةٍ، وَالنَّأْيِ عَنْ مَوَاطِنِ الرِّيبَةِ وَمَوَاضِعِ الْفِتْنَةِ الشَّنِيعَةِ، وَالتَّمَسَكِ بِاللِّبَاسِ الشَّرْعِيِّ وَالْأدَبِ الْإِسْلَامِيِّ، إِذْ تَمَسُّكُهَا بِالْإِسْلَامِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً وَخُلُقًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا فِي الْحَيَاةِ: حِصْنٌ حَصِينٌ فِي حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْفَسَادِ وَالِانْفِلَاتِ، وَسَبِيلٌ لِلرُّقِيِّ الْأَخْلَاقِيِّ وَالذَّوْقِ الْأدَبِيِّ، فَهِيَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي حِفْظِ تَوَازُنِ الْمُجْتَمَعِ مُجْتَمَعِ الْعِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ، وَاللَّبِنَةُ الأَهَمُّ فِي صَرْحِ الْأُمَّةِ صَرْحِ الْبِنَاءِ وَالْحَضَاَرةِ، وَالْعَوْدَةِ بِالْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّهْجِ الْقَوِيمِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَوَاجِبُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَقُومَ بِحَقِّ رَبِّهَا، ثُمَّ بِحَقِّ نَفْسِهَا وَزَوْجِهَا وَبَيْتِهَا وَمُجْتَمَعِهَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك