رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 سبتمبر، 2021 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – مكانة المسجد وآدابه

 

جاءت خطبة الجمعة لهذا الأسبوع 3 من صفر 1443هـ - الموافق 10/9/2021م متحدثة عن (مَكَانَةُ الْمَسْجِدِ وَآدَابُهُ) مبينةً أنَّ الْمَسَاجِدَ أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، كَرَّمَهَا اللهُ وَقَدَّسَهَا، وَنَسَبَهَا إِلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ نِسْبَةَ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ وَإِضَافَةَ تَقْدِيسٍ وَتَعْظِيمٍ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ....... } (التوبة:18). وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن:18).

     وبينت الخطبة أن اسْمُ الْمَسْجِدِ َتَرَدَّدَ فِي الْقُرْآنِ مِرَارًا، تَنْوِيهًا بِفَضْلِهِ، وَرِفْعَةً لِمَكَانَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ -وَلَا يَزَالُ- عَلَى مَرِّ العُصُورِ مَحَطَّ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَوْئِلًا لِلتَّائِبِينَ الْعَائِدِينَ، وَمَدْرَسَةً تَعَلَّمَ فِيهِ أَوْلِيَاءُ اللهِ الصَّالِحُونَ، فَالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ الطَّاعَاتِ، وَمَحَلُّ نُزُولِ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ، فَهَنِيئًا لِمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، -وَذَكَرَ مِنْهُمْ-: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا، الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ، إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

أَوَّلُ عَمَلٍ قَامَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم 

     وَلِهَذِهِ الْمَعَانِي النَّبِيلَةِ وَالْفَضَائِلِ الْجَلِيلَةِ، كَانَ أَوَّلَ عَمَلٍ قَامَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَدِينَةِ: بِنَاءُ الْمَسْجِدِ؛ لِيَكُونَ الدِّعَامَةَ الْأُولَى لِمُجْتَمَعِ الْعَدْلِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالْإِخَاءِ وَالْمَوَدَّةِ، فَمَوْضِعٌ بِهَذِهِ الْمَكَانَةِ الرَّفِيعَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْمُنِيفَةِ حَرِيٌّ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُعَظِّمَهُ، وَيُجِلَّهُ عَنْ كُلِّ مَا يَشُوبُهُ وَيَنْقُصُهُ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ تُصَانَ الْمَسَاجِدُ عَنْ كُلِّ أَذًى حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا، فَمِنْ ذَلِكَ:

صَوْنُ الْمَسْجِدِ عَنْ وَسَائِلِ الشِّرْكِ

     صَوْنُ الْمَسْجِدِ عَنْ أَيِّ وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِ الشِّرْكِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (أَيِ الْمَوْتُ) طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، كُلُّ هَذَا حِفْظًا لِجَنَابِ التَّوْحِيدِ، وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الشِّرْكِ.

يُصَانُ الْمَسْجِدُ عن الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ

     ويُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ»، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ.

يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ

     وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ أَوِ الْكَلَامِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُؤْذِي مَنْ حَوْلَهُ، وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ مُشْتَغِلُونَ بِالطَّاعَةِ، فَرَجُلٌ يُصَلِّي، وَآخَرُ يَتْلُو الْقُرْآنَ أَوْ يَدْعُو أَوْ يَذْكُرُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، فَالْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِطَاعَةِ اللهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ صَلَاتَهُ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ وَأَحْسَنِ هَيْئَةٍ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا - وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ الْإمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ-: وَهَيْشَاتُ الْأَسْوَاقِ أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ، وَمِمَّا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ وَنَحْوِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ).

يُصَانُ الْمَسْجِدُ عن اللِّبَاسِ الْمُخَالِفِ

     وَمِمَّا تُصَانُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ: اللِّبَاسُ الْمُخَالِفُ وَغَيْرُ السَّاتِرِ مِمَّا يُظْهِرُ الْفَخِذَيْنِ أَوْ أَسْفَلَ الظَّهْرِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَمَرَنَا أَنْ نَلْبَسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف:31) وَأَخْذُ الزِّيْنَةِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَمِمَّا تُصَانُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ: نَشْدُ الضَّالَّةِ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الْمَسْجِدُ مَجْمَعٌ لِلْأُمَّةِ

     إِنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ مَوْضِعٍ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ مَجْمَعًا لِلْأُمَّةِ يَتَفَقَّدُ فِيهِ حَاضِرُهُمْ غَائِبَهُمْ، وَيَعُودُ صَحِيحُهُمْ سَقِيمَهُمْ، وَيُعِينُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ، فَيَشْعُرُونَ بِالْأُخُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ، وَالرَّابِطَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي أَخْبَـرَ اللهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10). وَلَا يَخْفَى مَا لِلْمَسْجِدِ مِنْ أَثَرٍ بَالِغٍ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّوْجِيهِ، وَالتَّزْكِيَةِ وَالتَّهْذِيبِ؛ فَالْمَسْجِدُ عُنْوَانُ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَرَمْزُ قُوَّتِهَا، وَمَهْدُ حَضَارَتِهَا، فِيهِ تَرَبَّى الرِّجَالُ، وَتَرَعْرَعَ الْأَبْطَالُ، وَتَخَرَّجَ الْعُلَمَاءُ، وَتَعَلَّمَ الْحُكَمَاءُ.

عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ دَلِيلٌ عَلَى الإِيمَانِ

     إِنَّ عِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ دَلِيلٌ عَلَى الإِيمَانِ، وَبُرْهَانٌ عَلَى الإِحْسَانِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة:18). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك